عدم الثقة هو الوصف الحقيقي للعلاقة بين “المستقبل” و”الاشتراكي”
القلق الجنبلاطي بدأ من العلاقة بين الحريري والوزير جبران باسيل، الذي لا يرفض له طلب،
تتوتر العلاقات بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، لكن خط التوتر بينهما لا ينقطع، بل يتكهرب الجو، وهو ما كان يحصل بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وجنبلاط الذي وصف قريطم بـ«الكرخانة»، في العام 1996، وبعيد الانتخابات النيابية، وتحدث عن «حيتان المال»، وتبنى المطالب النقابية والعمالية، وانه سيقف في صف الاتحاد العمالي، ضد الحكومة، فرفع من سقف خطابه المعارض للحريري الاب، حتى ظن المتابعون لما يحصل، ان «الجرة انكسرت» بين الرجلين الحليفين، اللذين كان «الاصدقاء السوريون» يعملون على جمعهما لا سيما نائب الرئىس السوري عبد الحليم خدام، ورئىس الاركان اللواء حكمت الشهابي، ومعهما رئىس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد غازي كنعان.
وهكذا كانت العلاقة بين قريطم والمختارة، والمرتبطة بقضايا خدماتية او مالية واحيانا سياسية، كان يطلبها جنبلاط من الحريري فلا يلبيها في بعض الاحيان، فيقع الخلاف لكنه يبقى تحت السيطرة السورية له، وان ما يحصل بين الحريري الابن وجنبلاط يذكّر بتلك المرحلة من العلاقة المتوترة احيانا والهادئة احيانا، وهذه من طبيعة العمل السياسي في لبنان، تقول مصادر سياسية متابعة للعلاقة بين «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، وما يسمى حلف «السراء والضراء»، الذي كان في اوجه اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتقدم النائب جنبلاط مسيرة التصدي للوجود السوري في لبنان، ورفع من موقفه ضد النظام السوري ورئيسه الدكتور بشار الاسد.
وبدأت العلاقة تسوء بين الرئيس سعد الحريري والنائب جنبلاط، بعد تمركز الاخير في «الوسط» وانفكاكه عن 14 آذار، وتقربه من 8 آذار عبر «ربط النزاع» مع «حزب الله»، الذي عاد ومارسه الحريري، تقول المصادر التي تعزو سبب الخلاف الاخير الى ترشيح رئىس «اللقاء الديموقراطي» للرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، في مطلع عام 2011، بعد استقالة حكومة الحريري الاولى، باستقالة 11 وزيراً من 8 آذار منها، ثم وصل التباعد بين الجانبين، الى تبني الحريري ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، واسقاط ترشيح النائب سليمان فرنجية الذي ايده جنبلاط كما الرئيس نبيه بري، اذ ان ترشيح عون، افقد جنبلاط دوره في رئاسة الجمهورية والحاجة الى «كتلته النيابية»، وتسميته بـ«بيضة القبان»، وقد ازعج الزعيم الدرزي، بأن الحريري لم يضعه بانقلابه على فرنجية، وتبني ترشيح عون، فشعر بالاحراج، تقول المصادر، وتطلع الى حلف سينشأ بين عون والحريري وتياريهما السياسيين، فيصبح هو خارج المعادلة السياسية وليس فاعلاً فيها، مع وجود كتل نيابية وازنة الى جانب رئيس الجمهورية هي : «المستقبل» و«الاصلاح والتغيير» و«الوفاء للمقاومة» و«القوات اللبنانية»، فاضطر الى انتخاب العماد عون.
فعدم الثقة، هو الوصف الحقيقي الذي عبر عنه النائب وائل ابو فاعور، للعلاقة بين «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، ويذهب بعض نواب «اللقاء الديموقراطي» الى وصف الحريري ب«الغدار» عند كل مناسبة يرى انه يجب ان يمارس «الغدر» او «الطعن»، ويحاول ان يفرض رأيه، ويريد لجنبلاط ان يسير وراءه لا معه، وهذا مرفوض، وان كانت الظروف فرضت التحالف الانتخابي، وان رئيس «تيار المستقبل» سعى الى وضع «فيتو» على مرشحين سماهم الاشتراكي، لكن هذا لم يحصل، الا انه نجح في ابعاد النائب انطوان سعد عن اللائحة في البقاع الغربي وراشيا، وهو عضو في «اللقاء الديموقراطي» واستبداله بالدكتور غسان سكاف ليكون في «كتلة المستقبل»، وكذلك فرض ترشيح الوزير غطاس خوري عن المقعد الماروني في الشوف، بديلاً عن النائب ايلي عون.
هذه الممارسات من قبل الحريري، زرعت عدم الثقة بين بيت الوسط والمختارة، وزاد من تأزم العلاقة الزيارة التي قام به رئيس الحكومة الى حاصبيا، عابراً منها من بوابة النائب طلال ارسلان حليفه الانتخابي في دائرة الجنوب الثالثة مع «التيار الوطني الحر» وكانت رسالة حريرية الى جنبلاط، بان الطائفة الدرزية لها بوابتان، قد تكون الواسعة هي بوابة المختارة، ولكن الضيقة عند ارسلان، يمكن المرور منها، حيث تشير المصادر الى قلق جنبلاطي من حلف يجمع الحريري وارسلان و«التيار الوطني الحر»، يستفيد منه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني داخل الطائفة الدرزية، من خلال ان يكون في كتلة نيابية داعمة للعهد، وفي حكومة تفتح له باب الخدمات، كما حصل في وزارة المهجرين التي دفع الحريري الاموال لها.
فالقلق الجنبلاطي، بدأ من العلاقة بين الحريري والوزير جبران باسيل، الذي لا يرفض له طلب، وهناك تنسيق قائم بينهما، يتولاه نادر الحريري مع باسيل كمدير لمكتب الرئيس الحريري، اذ يزعج الحزب الاشتراكي صفقة بواخر توليد الكهرباء، وعقد امين سره العام ظافر ناصر مؤتمراً صحافياً يرفض هذه الصفقة مع حركة «امل» و«المردة» و«القوات» اللبنانية»، كما يشعر جنبلاط بأن التعيينات في مؤسسات الدولة، تمر من خارج التوافق السياسي، وفق ما تنقل المصادر، التي تشير الى ان الحريري يحاول ان يخفف من توتر العلاقة ويصفها بـ«الزكزكات» الا ان عدم مشاركة تيمور جنبلاط ومرشح الاشتراكي في الشوف عن المقعد السني بلال عبد الله في جولة رئيس «تيار المستقبل» في اقليم الخروب، لا يمكن ان توصف بـ«الزكزكات» وستؤثر في التحالف الانتخابي، من خلال توزيع الصوت التفضيلي.
فما ظهر من خلافات بين الحريري وجنبلاط، سيؤثر في العلاقات بينهما، لكن لن تحصل قطيعة بينهما، لا يريدها اي طرف منهما، الا اذا قرر كل منهما الاصطفاف سياسياً، في حلف مع العهد، وآخر ضده، اذ ان حلف «السراء والضراء» بين الحريري وجنبلاط هل سيبقى ضرورياً، ام انه مؤقت.