الحريري – جنبلاط: لم يعد للصُلح مطرح!
صار الكلامُ الهجومي مباشراً بين «الشيخ» و»البيك» بعد أن كان بالواسطة!
مع انتهاء المهلة القانونية للترويج الانتخابي والدعائي للمرشحين الى الانتخابات النيابية، سيكون رئيسُ الحكومة سعد الحريري قد أجرى مسحاً شاملاً لمناطق نفوذ تيار «المستقبل» شمالاً وجنوباً وبقاعاً، إضافة الى العاصمة بيروت. هذا ما لم يفعله في إستحقاقين سابقين في 2005 و2009. موجباتُ قانون الانتخاب أوّلاً ثمّ الوهن الذي أصاب جسمَ «المستقبل» على مدى ثمانية أعوام دفعا الحريري الى إعلان «حال طوارئ» إنتخابية أولى ضحاياها النائب وليد جنبلاط!
«ويك أند» الحريري لن يكون عادياً. بعد حاصبيا وقرى العرقوب، ثمّ إقليم الخروب، يُمضي رئيسُ الحكومة نهاية الأسبوع في البقاعين الغربي والأوسط. ثلاثُ محطات تشكّل تقاطعاً انتخابياً مع «صديقه» وليد جنبلاط، لكنها كانت كفيلةً بتظهير عمق الخلاف بين الرجلين.
في برجا، التي شهدت إستنفاراً «مستقبلياً» لحشد العدد الأكبر من المناصرين، لمّح الحريري ممازِحاً الى الإشكال الذي يعتري علاقته مع زعيم المختارة. لكنّ القصة أكبرُ من «نكعة» أثارت الضحك لدى جمهور «المستقبل» في بقعة تشكّل إحدى مناطق النفوذ المشترَكة مع «الحزب التقدمي الاشتراكي». صار الكلامُ الهجومي مباشراً بين «الشيخ» و»البيك» بعد أن كان بالواسطة!
لم يكد الحريري يدير ظهرَه عائداً الى «بيت الوسط»، بعد زيارته الصاخبة الأولى من نوعها الى إقليم الخروب، حتّى تلقّى شباب وأهالي الإقليم دعوةً الى «لقاء دار المختارة وقائد المسيرة تيمور وليد جنبلاط»، مع طلب «أوسع مشارَكة في يوم الوفاء لأهل الوفاء، اليوم السبت، لنجدّد العهد مع صاحب العهد والوفاء».
أحدُ الداعين الى لقاء المختارة بلال عبدالله الذي فاقم ترشيحه الخلاف بين الحريري وجنبلاط، ما أدّى الى أزمة تمثيل برجا وغيابها عن لائحة التحالف الجنبلاطي-»المستقبلي» الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الخميس الماضي الى مخاطبة جمهور البلدة، قائلاً:»سأكون ممثلَ برجا في مجلس النواب».
من حاصبيا الى الإقليم كانت «ملائكة» جنبلاط الغائب الأكبر. في جولته على قرى حاصبيا والعرقوب سمع «درساً» من النائب وائل أبو فاعور عن «اتيكيت» الدخول الى البيوت «التي لها أبوابها وباب حاصبيا هو وليد جنبلاط»، غامزاً من قناة النائب طلال إرسلان واصفاً إياه بـ»المدخل الضيّق»، فيما عَاجله جنبلاط «على كعب» زيارته للإقليم مغرِّداً «أنّ الندوات الانتخابية أفضل بكثير من المهرجانات الانتخابية، وما يرافقها من مسيرات ومظاهر تشكّل إزعاجاً»، معلِناً تأجيلَ مهرجانين مركزيّين في الإقليم والمختارة «وأنّ الترتيبات تجري لتحضير لقاء مع الفاعليات». أما «مهرجان المختارة» الحاشد اليوم فسيقتصر على لقاءٍ مع أهالي الاقليم.
ومع زيارة الحريري الى البقاع الغربي – راشيا اليوم يكتمل مشهدُ رفع المتاريس. الحليفان في الشوف – عاليه وبعبدا وفي البقاع الغربي لا يلتقيان في مهرجانٍ انتخابي واحد، ولا في صورة جامعة، ولا حتى على مائدة عشاءٍ إنتخابي. ملامحُ الحلف القائم على خطّ «التيار الوطني الحر»-»المستقبل»- أرسلان زادت في طين التباعد بلّة. بات زوّار المختارة يسمعون في انتظام معزوفة «يريدون محاصرتي».
وقبل فترة قصيرة رفع جنبلاط سقف الخلاف الى حدّه الأقصى حين لوّح بمؤامرة قد تطيح أبو فاعور، شريك «الشيخ سعد»، على لائحة «المستقبل» في البقاع الغربي-راشيا. هنا لم يراعِ الحريري أيضاً طلب جنبلاط بضمّ النائب أنطوان سعد عن المقعد الأرثوذكسي مستبدِلاً إياه بغسان سكاف، فلم يعد للصلح مَطرح.
وثمّة معلومات تشير الى أنّ الحريري وفي بدايات التفاوض حول التحالفات أوصل رسالة الى جنبلاط طالِباً إستبدالَ أبو فاعور بأيّ مرشح درزي آخر. مَن استمع الى خطاب النائب الاشتراكي في نهاية آذار الماضي خلال إعلان لائحة «المستقبل»، في حضور رئيس الحكومة، ظنّ أنّ أبو فاعور يلقي خطاباً تصعيدياً في مواجهة «لائحة الحريري»!
عام 2009 حلّ أبو فاعور في المرتبة الثانية (35053 صوتاً) بعد النائب روبير غانم (35329 صوتاً) في عدد الأصوات، فيما نال كل من زياد القادري 34886 صوتاً وجمال الجراح 33389 صوتاً. في ظلّ القانون الحالي يخشى جنبلاط فعلياً من إمكانية توجيه رسالة قاسية له تُقصي «كاتمَ إسراره» ومساعدَه الأبرز عن المسرح النيابي، مع العلم أنّ منافسَه الأوحد هو فيصل الداوود (نال في الانتخابات الماضية 28026 صوتاً)على لائحة عبد الرحيم مراد و»حركة أمل».
أوساط «الحزب التقدمي الاشتراكي» تؤكّد أنّ أبو فاعور غيرُ معنيّ بجولة الحريري الى البقاع، طالما أنّ رئيس الحكومة يعتمد برنامجاً مستقلّاً في جولاته الانتخابية، لكنها تشير الى أنّ مأدبة غداء قد تجمعهما حيث يقام غداء تكريمي على شرف الحريري وقد تمّ توجيهُ دعوة لأبو فاعور للمشاركة فيه.
على جبهة «المستقبل» ثمّة مَن يؤكّد أنّ أبو فاعور إنضمّ الى لائحة «المغضوب عليهم» حريرياً بعد محنة إستقالة رئيس الحكومة من الرياض، نظراً لدوره «المشبوه» قبل الأزمة وبعدها.
وفي عزّ جولات التفاوض حول أسماء المرشحين لم يتوانَ أبو فاعور عن التأكيد «أنّ استهدافَ جنبلاط تقوم به جهات محلّية بإيحاءات خارجية»، معتبراً أنّ «إقصاءَ أنطوان سعد هو جزءٌ من هذه المحاولات»، واصفاً مَن يفرض الحصار بـ»العقل المريض».
وفي كافة لقاءاته الانتخابية لا يخفي أبو فاعور «وجود أزمة ثقة مع الحريري تحتاج الى حوار»، لكن لا يبدو أنّ أوانه قد حان بعد. آخر لقاء بين الحريري وجنبلاط، في حضور أبو فاعور، حصل عشيّة ذكرى 14 شباط، بعدها ترك للمناقشات في شأن التحالفات الانتخابية والأسماء أن تُباعد أكثر بين الحليفين المفترضين.
في مقابل ما يقول جنبلاط أنه حصار يُفرض عليه، يبدو مرتاحاً الى حلفه الحديدي مع الرئيس نبيه بري الكفيل، في رأيه، بإسقاط كل أنواع «المؤامرات» ضده.
ملاك عقيل – الجمهورية