اخبار عربية ودوليةالرئيسية

بروفة حرب طائفية في حمص

عامر علي - الأخبار

أكّدت الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة حمص، استمرار حالة الهشاشة الأمنية التي تعيشها البلاد منذ سقوط النظام السابق، وعمق الفجوة بين مكوّنات المجتمع السوري، وذلك على وقع عمليات الشحن الطائفي المتواصلة، وبوادر الاستعداد لارتكاب مجازر جديدة ضد الأقليات بشكل عام، والعلويين على وجه الخصوص. الأحداث التي أشعلتها جريمة قتل مروّعة راح ضحيتها رجل وزوجته من قبيلة «بني خالد» في منطقة زيدل، وترك مرتكبوها عبارات طائفية تستهدف السنّة، مكتوبة بدم الضحيتين، تلتها هجمات عنيفة شنّها مسلحون من أقرباء الضحيتين، استهدفت أحياء ذات غالبية علوية داخل المدينة. وأقدم المهاجمون على تحطيم المحالّ التجارية والأملاك الخاصة، وإطلاق شتائم طائفية وإطلاق النار في الهواء، ما أسفر عن إصابة عدد من المواطنين بجروح وصفت مصادر طبية في حمص معظمها بأنها طفيفة، نافيةً ما تردّد عن سقوط ضحايا.

وعلى وقع تلك الأحداث، أعلنت قوات الأمن التابعة للسلطة الانتقالية إرسال تعزيزات كبيرة لفرض الأمن، تزامناً مع نشر قوات عسكرية في منطقة زيدل، وفرض حظر تجوّل وتعليق للدوام المدرسي. كما عُقد اجتماع طارئ في مبنى محافظة حمص، شارك فيه قياديون من الجيش، والأمين العام للمحافظة فراس طيارة، ومدير الشؤون السياسية عبيدة أرناؤوط، بالإضافة إلى وفد يمثّل عشائر حمص، ومدير أوقاف المحافظة ومفتيها، في وقت أصدر فيه ذوو الضحيتين من عشيرة «بني خالد» بياناً مصوّراً أعلنوا فيه رفضهم للهجمات الانتقامية، ودعوا إلى الالتزام بالقانون.

وفي محاولة لاحتواء الموقف إعلامياً، على وقع الحقن الطائفي المستمر الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن قائد الأمن الداخلي في حمص، مرهف النعسان، أن البلدة شهدت «جريمة قتل مروّعة، حيث عُثر على رجل وزوجته مقتوليْن داخل منزلهما، وقد تعرّضت جثة الزوجة للحرق»، لافتاً إلى أن العبارات المكتوبة في مسرح الجريمة تشير إلى «محاولة لبثّ الفتنة بين الأهالي». ونقلت قناة «الإخبارية» الحكومية، بدورها، عن مصدر أمني قوله إن الجريمة «مركّبة بين القتل ومحاولات إشعال فتنة»، داعياً الجميع إلى «الالتزام بسيادة القانون»، فيما أكّد المتحدّث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن «المعطيات المتوفّرة حتى الآن تشير إلى أن الجريمة جنائية، مع وجود محاولات لاستغلالها لإثارة الفتنة»، لافتاً إلى أن جميع الاحتمالات مطروحة أمام البحث الجنائي الذي يواصل عمله لكشف ملابسات الحادث. وبحسب الإحصاءات الرسمية، التي أعلنتها محافظة حمص بالتزامن مع تمديد حظر التجوّل، فقد طاولت الأضرار الناتجة من الهجمات 19 منزلاً و29 سيارة و21 محلاً تجارياً.

تتّسع المخاوف من امتداد الأحداث نحو مناطق أخرى

وإذ كشفت الهجمات عن حجم الاحتقان الطائفي المتنامي في المجتمع، فهي أثارت التساؤلات حول سبب استمرار انتشار الأسلحة بيد العشائر – التي كان العديد منها قد شارك في المجازر التي شهدتها السويداء في تموز الماضي -، على الرغم من الدعوات العاجلة إلى سحب السلاح وحصره بيد المؤسستين العسكرية والأمنية، وفق التصريحات التي يطلقها المسؤولون بين وقت وآخر.
وحتى بعد عودة الهدوء النسبي إلى حمص، فإن مخاوف السكان – الذين اضطر كثيرون منهم للنزوح – لا تزال قائمة، ولا سيما أن هذه الأحداث سبقتها عمليات قتل عديدة على خلفية طائفية راح ضحيتها مواطنون من العلويين والأقليات الأخرى، إضافة إلى الاعتداءات المستمرة على الأملاك الخاصة، والتي يتم نسبها إلى «مجهولين». ولا يكاد يوم يمرّ من دون العثور على جثة أو أكثر لمواطنين قُتلوا وتمّ رمي جثثهم قرب المستشفيات، أو على الطرقات العامة، علماً أن معظم أبناء الأقليات قاموا بتسليم أسلحتهم فور سقوط النظام السابق، الأمر الذي يعني أن تلك الجرائم لا تأتي في سياق «حرب أهلية»، وإنما في سياق «اضطهاد طائفي» قد يدفع البلاد إلى حروب طائفية مُعقّدة في حال استمراره.

وفي غضون ذلك، تتّسع المخاوف من امتداد هذه الأحداث نحو مناطق أخرى شهدت، في أوقات سابقة، عمليات قتل ومجازر على خلفية طائفية، بينها حماة التي تعرّض عدد كبير من سكان القرى الصغيرة في ريفها الشمالي للتهجير، والساحل السوري، الذي يعيش في الوقت الراهن حالة هدوء، بعد مرور أشهر على المجازر التي شهدها وراح ضحيتها أكثر من 1500 مواطن. وفي مؤشّر آخر على حالة الهشاشة الأمنية، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه قام بتوثيق مقتل 17 مواطناً خلال أسبوع واحد في منطقة سيطرة السلطة الانتقالية. وبحسب «المرصد»، فقد «تنوّعت الجرائم بين عمليات قتل واختطاف ومحاولات سرقة، ضمن سلسلة أعمال تعكس حالة الانفلات الأمني المتزايد وغياب الإجراءات الرادعة، وتظهر المعطيات استمرار توسّع دائرة الجريمة، في وقت يعاني فيه المواطنون من تراجع مستوى الأمان وتنامي السلوكيات العنيفة في ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى