
لم تكن إطلالة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من الجنوب في عيد الاستقلال، مسألة عابرة، اراد ان يرسل اشارة وطنية مهمة: الجنوب جزء اساسي من لبنان، واجب الدولة بكل مؤسساتها، بدءاً من موقع الرئاسة، ان تدافع عنه، وتحمي أبناءه، وتحافظ على سيادته، وتمنع الاعتداءات الاسرائيلية عليه.
يعرف رئيس الجمهورية الجنوب جيداً، بأبعاده الجغرافية والوطنية، ليس لأنه رئيس البلاد فحسب، ولا لأنه خرّيج المؤسّسة العسكرية، بل لأنه ابن الجنوب، وتلك مسألة مهمة.
في شكل الخطوة ابعاد وطنية، يترجمها التوازن في اداء رئيس البلاد، باعتماده الاعتدال في زمن صعب يمرّ على لبنان. فماذا لو كان رئيس الجمهورية غير معتدل، او لا يحكم التوازن تصرفه؟ كانت ازمة لبنان ستكبر، على وقع شد الحبال بين القوى السياسية.
من هنا، اتى مضمون خطاب الرئيس عون، ينطلق من الحفاظ على الثوابت وعدم التخلّي عن حق لبنان في استعادة أراضيه من الاحتلال، وانتشار الجيش اللبناني.
مارس رئيس الجمهورية التوازن الدقيق في خطابه، مستنداً إلى تضحيات الجنوبيين، وتقديمهم الشهداء، ورفض منطق الذين دعوا إلى استثناء مكون لبناني من معادلة البلد. وهي معادلة تتخطّى الاحتضان لمكوّن لبناني، بل تكرّس مبدأ الحفاظ على الكيان اللبناني، عبر حماية مكوناته.
واذا كان الرئيس عون صوّب سياسياً في خطابه، تحت عنوان الدعوة لعدم المكابرة، قاصداً حزب الله، بدعوته إلى قراءة المتغيرات الخارجية، فإنّ كلامه على التفاوض وتحقيق السلام، لن يكون على حساب حقوق لبنان وسيادته وأرضه، بل انطلاقاً من انسحاب “اسرائيل” وانتشار الجيش على كل حبة تراب في الجنوب اللبناني. وهنا يكمن جوهر الخطاب، الذي يربط كل الخطوات الجنوبية بانسحاب “إسرائيل”، ووقف اعتداءاتها، ليصار إلى استكمال لبنان لالتزاماته.
لذا، فإن خطوة رئيس الجمهورية، ومضمون خطابه، يتكاملان وطنياً، لتصبح الكرة في ملعب المجتمع الدولي، وخصوصاً الاميركي. فهل تتلقف واشنطن مضمون خطاب الرئيس اللبناني؟
لمجرد قول الرئيس الاميركي دونالد ترامب انه ينوي دعوة رئيس الجمهورية اللبنانية إلى زيارة الولايات المتحدة، فإن الاميركيين يفتحون الباب لتلك المبادرات اللبنانية، رغم التصرف الذي قاموا به تجاه الجيش اللبناني في الايام الماضية. لكن الاميركيين يعرفون قبل غيرهم، ان الجيش اللبناني ينفّذ خطته العسكرية، ويلتزم بقرارات سياسية، ويمتلك قدرات محدّدة، في ظل ضغوط وتحديات.
وتؤكد مصادر سياسية ان المرحلة صعبة جدا، وكل المبادرات الايجابية التي يقدم عليها رئيس الجمهورية تعطلها “اسرائيل” بالنار. فهناك معلومات وصلت الى بيروت منذ فترة، عن “تحضيرات اسرائيلية” للقيام بعملية اغتيال قبل زيارة البابا، ورفع سقف اعتداءاتها في الأسبوع الحالي، للتشويش على زيارة البابا، وربما لدفع الفاتيكان الى تأجيلها لحصولها في ظروف غير طبيعية. فيما تؤكد المصادر السياسية، ان “الهدف الاسرائيلي” من التصعيد، هو توجيه رسالة الى وزير الخارجية المصري قبل وصوله الى بيروت غدا، والزامه بمسار سقف معين وهو التفاوض المباشر، رغم الاتصالات المصرية مع الرياض وباريس قبل الزيارة، وفي جعبة الوزير المصري افكار جديدة .
وفي المعلومات السياسية، ان حزب الله سيواصل سياسة الغموض البناء تجاه الرد على الاغتيالات، رغم تجاوز “اسرائيل” كل الخطوط الحمراء في العملية التي ادت الى استشهاد هيثم الطبطبائي، والتي تشبه عملية اغتيال القيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر (محسن)، وتدحرجت بعدها الاغتيالات، وصولا الى البايجر ومسلسل الاغتيالات الكبرى. فـ “اسرائيل” تريد احراج حزب الله امام جمهوره وبيئته، واظهاره بصورة الضعيف والعاجز ودفعه الى الرد، ليشكل ذلك مبررا لها للقيام بحرب تدميرية ضد لبنان وشعبه.
وبالتالي فان حزب الله لن يرد بالتوقيت التي تختاره “اسرائيل”، بل سيأتي الرد بتوقيته، وهو يعرف جيدا متى واين وكيف؟ و “إسرائيل” هي الوحيدة التي تعرف ان رد حزب الله آت حتما، والتوقيت والمكان ملكه وحده. وفي المعلومات، ان السفارات الاسرائيلية في العالم، وكل المراكز والقنصليات، اخذت إجراءات استثنائية، حيث تم تقليص تحركات السفراء والديبلوماسيين، كما تم إلغاء العديد من زيارات الوفود الرسمية الاسرائيلية الى الخارج .
وفي المعلومات ايضا، ان الهدف الاساسي الذي يعمل عليه الرئيس عون حاليا مع الولايات المتحدة وفرنسا، دفع “اسرائيل” للالتزام بوقف اطلاق النار، ويلقى عون الدعم الكلي من حزب الله، في مساعيه لتنفيذ بنود اتفاق 27 تشرين الثاني عام 2024، وهذا هو الهدف المركزي لرئيس الجمهورية ولحزب الله في هذه المرحلة، التي تتطلب صبرا وحكمة ورجال دولة استثنائيين، وهذا ما يترجمه الرئيس عون في مواقفه اليومية، الهادفة الى وقف الاعتداءات الاسرائيلية، ووقف مسلسل الدماء، وحفظ البلد واستقراره وسلمه الاهلي، وهذا هو الهدف الأسمى.




