
انخفض الناتج المحلي في لبنان من نحو 55 مليار دولار ما قبل الأزمة إلى حوالى 30 ملياراً، حسب المرصد الدولي. فما تأثير هذا الإنهيار على ميزانية الدولة وعلى القطاع العام؟
إنّ التراجع الإقتصادي يؤثر مباشرةً على القطاعَين العام والخاص، ولا سيّما على المداخيل والإنفاق، ويؤدّي إلى شلل في الإستثمارات ويدفع الشركات إلى تخفيض كلفتها التشغيلية، لعدم تكبّد الخسائر.
أمّا بالنسبة إلى القطاع العام، فلسوء الحظ، عوضاً من إعادة الهيكلة الداخلية في حجم الدولة وكلفتها، يحاول المعنيّون خفض العجز من الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
إنّ الأولوية بعد انخفاض الناتج المحلي هو تخفيف عدد موظفي القطاع العام، خصوصاً في لبنان، علماً أنّ جزءاً كبيراً منهم وُظّفوا بدعم طائفي، مذهبي وحزبي، من دون إنتاجية ولا رقابة.
شيك من دون رصيد لموظفي القطاع العام
لم ولن ننسى، أنّ من أسباب الإنهيار الإقتصادي، كانت سلسلة الرتب والرواتب التي أعطت شيكاً من دون رصيد لموظفي القطاع العام، فعوضاً عن إعطاء زيادات كبيرة لِمَن يستحق والمُنتِج والمجدي، الذي علينا أن نتمسّك به وندعمه من كل النواحي، فقد أُعطِيَت زيادات على الرواتب لأكثر من 300 ألف موظف عام، والجزء الكبير منهم لا يعرف حتى موقع عمله، والجزء الآخر يستفيد من مداخيل عدة، حينما كانت الدولة تنزف.
إنّ إعادة الهيكلة الداخلية تبدأ بإعادة هيكلة حجم الدولة، وحجم الموظفين الذين لا يزالون في الحجم عينه، عندما كان الناتج المحلي يبلغ 55 مليار دولار وقد انخفض إلى 30 ملياراً.
هل يُعقل أنّه على رغم من إنهيار حجم الإقتصاد بنسبة 50%، لا يزال حجم الموظفين كما كان، وحتى، فيما البعض يطالب بزيادات معيشية من دون أدنى دراسة؟
من 300 ألف إلى 150 ألفاً
بحسب الموازنة المطروحة، إنّ حجم رواتب القطاع العام، يبلغ نحو 50% من موازنة الدولة 2026، عوضاً عن الإستثمار في مشاريع بنّاءة تدعم الإنماء، لذا لا نزال في الحلقة المفرغة نفسها من دون أي نيّة للإصلاح، أو رؤية مستقبلية لبناء أسس الإقتصاد المتين.
إنّ الإصلاح الأول والأهم يبدأ بخفض حجم الدولة وعدد الموظفين، من 300 ألف إلى 150 ألفاً حدّاً أقصى، ودعم ومكافأة ليس المدعومين لكن المجديّين والمحقّين والشفّافين والكفوئين والمنتجين والذين يجب أن نبني معهم الدولة الجديدة.
إذا قرّرت الدولة الحفاظ على هذا العدد الهائل من الموظفين، فمِن جهة لا تستطيع تمويل معاشاتهم ومعيشتهم التي ستبقى منخفضة، والكفوء والمُنتِج لن يكفيه مدخوله لتأمين لقمة عيشه أو إيجار طريقه، أمّا العدد الأكبر فسيتكل على الفساد والمداخيل غير الشرعية، لتأمين حاجاته.
هذا يفسّر بوضوح لماذا عوضاً من انخفاض الهدر والفساد، يزداد يوماً بعد يوم، كما تزداد معه التكاليف الغامضة لأي مطلب إداري ورسمي في الدوائر المعنية؟
في المحصّلة، ليس سراً، أنّ ناتجنا المحلي تدهور وقد وصل إلى القعر، فيما إعادة بنائه وبناء الثقة والإنماء تبدأ بإعادة هيكلة الدولة وموازنتها وكلفتها وحجمها، وهذا المشروع الشائك يبدأ بتدقيق حاجاتها الحقيقية والتشغيلية، وإعادة النظر الدقيقة في كل موظفيها، لدعم الكفوئين والمنتجين والتخلّي عن الفاسدين وغير المجديّين.
إنّ إعادة بناء الدولة الحقيقي تتزامن مع المكننة والذكاء الإصطناعي، بعيداً من الأشباح الطائفية والمذهبية والحزبية، التي أوصلتنا إلى حيث نحن اليوم.



