فيتو صيني وتحفّظ روسي يوقفان الاندفاعة الغربية في سوريا

تباينت النظرتان، الإقليمية والدولية، حيال «محطة» 8 كانون أول المنصرم السورية، بين من رأى فيها فرصة سانحة لاستعادة البنيان السوري لنهوضه، بعدما أحالته سني الحرب الطاحنة إلى ما يشبه «جثة هامدة»، وبين من رأى أن « المحطة» لم تكن إلا مدخلا، لا بديل عنه، لتفكيك ذلك البنيان، وسبيلا لتغييرات في المعادلات الإقليمية من شأنها أن تؤدي إلى دوام حال اللاستقرار التي عاشتها المنطقة طوال عقود عديدة، وعليه، فقد أضحت تلك المحطة، منذ أن أضحت واقعا، نقطة تجاذب اقليمية ودولية على مدار الأشهر الأحد عشر التي أعقبتها، وليس من المقدر لها أن تفقد صفتها تلك خلال الفترة القصيرة المقبلة لاعتبارات عديدة منها الجيوسياسي، ومن بينها أيضا عوامل تتعلق بالمركزية التي تمتعت بها الساحة السورية منذ العام 1948، الذي شهد ربيعه الإعلان عن قيام الكيان الإسرائيلي كمخفر غربي متقدم بين ظهراني المنطقة.
كشفت تسريبات لمصادر غربية عن مجريات الجلسة المغلقة، التي عقدها مجلس الأمن يوم 22 شهر تشرين أول الجاري، والتي كانت تهدف إلى مناقشة مشروع كانت قد تقدمت به الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على كل من الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب، بموجب القرارين 1267 و 1989، وجدير بالذكر أن القرار 1267 كان قد صدر في العام 1999 تحت الفصل السابع بشأن تنظيم «القاعدة» و«حركة طالبان» وما يرتبط بهما، أما القرار 1989، فقد شدد على القرارات التي سبقته بخصوص تنظيم «القاعدة» وتفرعاته، وما كشفته التسريبات يشير إلى أن الولايات المتحدة، ومعها المملكة المتحدة وفرنسا، كانت قد رمت بثقلها بغية رفع العقوبات المفروضة على سوريا كخطوة لا بديل عنها في دعم التعافي الإقتصادي السوري، وقد استندت تلك الدول في موقفها ذاك إلى إلغاءات أميركية سابقة، كانت قد أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، للعديد من العقوبات المفروضة على دمشق، وعلى قرار بريطاني كان قد صدر يوم 21 تشرين الجاري، والذي قال بـ «إلغاء تصنيف (هيئة تحرير الشام) كمنظمة إرهابية».
وفي مقابل ذلك أبدت موسكو العديد من التحفظات تجاه «الاندفاعة» الغربية الجديدة حيال سوريا، وقد اعتبرت موسكو أن رفع العقوبات عن دمشق «أمر سابق لأوانه»، ولا بد أن يسبقه «قيام السلطات السورية بتقديم ضمانات ملموسة لحماية الأقليات مثل المسيحيين والدروز والعلويين»، إضافة إلى ضمانات أكيدة بـ «قطع سلطات دمشق الراهنة لأي صلات لها مع تنظيم القاعدة»، وقد ذكرت مصادر روسية مطلعة أن موسكو كانت قد استندت في موقفها السابق إلى التقرير الصادر شهر تموز الفائت عن «فريق المراقبة الأممي»، الذي أشار إلى «استمرار وجود توجهات متطرفة لدى بعض أفراد (هيئة تحرير الشام)، رغم وصف الشرع (الرئيس أحمد الشرع) وخطاب (وزير الداخلية أنس خطاب) بالبراغماتيين»، وقد أضافت المصادر الروسية أن موسكو «رفضت أي استثناءات مالية دون إشراف دولي تام».
ومن بين تلك الواقف برز الموقف الصيني الذي جاء بسقوف عاليه على وقع ما أسمته بكين بـ«المخاوف الأمنية المترتبة على انضواء المقاتلين الإيغور في صفوف (هيئة تحرير الشام) التي لا تزال تمسك بمفاصل السلطة برغم كل ما قيل عن إعلان الفصائل المسلحة حل نفسها وتوحدها تحت قيادة الجيش السوري»، وقد اعتبرت بكين، وفق ما ذكرته مصادر ديبلوماسية صينية، أن العقوبات « أداة ضغط أساسية لضمان تعاون الحكومة السورية المؤقتة في ملف المقاتلين الإيغور»، وجدير بالذكر إن هذا الملف الأخير كان قد حظي باهتمام دولي عموما، وصيني على وجه الخصوص، فقد سبق لـ«الحزب التركستاني الإسلامي»، الذي ينضوي تحت رايته غالبية المقاتلين الإيغور، أن أعلن في بيان منشور له العام 2012 عن أن مقاتليه جاؤوا إلى سوريا نتيجة لـ«أوجه الشبه بين نظام بشار الأسد القمعي ونظام الحزب الشيوعي الصيني»، وعلى الرغم من إعلان وزارة الدفاع السورية، مطلع شهر حزيران الفائت، عن «انضمام 3500 مقاتل من الإيغور للفرقة 84 التابعة للجيش السوري الجديد»، إلا أن وكالة الأنباء الصينية الرسمية «شينجوا» كانت قد ذكرت في تقرير لاحق لها أن «التقديرات تقول إن عديد المقاتلين الإيغور في سوريا يفوق ال 17 ألف مقاتل»، وأضاف التقرير أن «هذا العدد متغير بين حين وآخر تبعا للحركة ما بين الحدود السورية التركية»، ووفق لما ذكرته «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير لها عقب انتهاء مداولات مجلس الأمن بهذا الخصوص، فإن المندوب الصيني قال إن «بكين سوف تستخدم حق النقض(الفيتو) في حال عرض مشروع القرار الأميركي على التصويت».
وفي الغضون، تضيف التسريبات، تنوعت مواقف الدول المؤقتة العضوية بمجلس الأمن ما بين مرحب بالمشرؤع، مثل الإمارات وتركيا، وبين معارض له بشدة مثل إيران وفنزويللا، حتى إن المندوب الإيراني كان قد وصف الرئيس السوري بـ«الزعيم الإرهابي الجديد»، وتضيف التسريبات عينها أن مشروع القرار لم يعرض على التصويت، لكنه أحيل إلى النقاش داخل «لجنة العقوبات السرية»، ولربما يستغرق الأمر عدة أسابيع قبل أن يجري التوافق على تعديلات بشأنه، يمكن من خلالها إيجاد صيغة مقبولة ترضي الطرفين الصيني والروسي.
إذا لن يحسم موضوع العقوبات الأممية المفروضة على القيادة السورية، الأمر الوحيد الكفيل بحصول هذي الأخيرة على شرعيتها الدولية، خلال وقت قصير، وما يجري هو صراع نفوذ، وخلاف واضح على تقاسم الحصص فيه، وما التوترات التي شهدتها جلسة مجلس الأمن الأخيرة إلا تعبير عن عمق ذلك الصراع من جهة، وعن ضبابية «القسمة» من جهة أخرى.




