
الموت يسابق الزمن، فيخطف الكبار منا، ومنهم الشاعر المميز طليع حمدان الذي تزامل مع الشعراء جوزف الهاشم (زغلول الدامور) وزين شعيب وموسى زغيب وشكلوا جوقة زجل، فكانوا على الطاولة، فرسان الكلمة والعبارة والصورة، واصواتا تصدح للوطن والحرية والمساواة واللاطائفية والايمان، وكان غزلهم للمرأة بريئاً وأعطوا صورة الأم والاخت والعاملة والمناضلة والمربية.
من هؤلاء كان الشاعر طليع حمدان الذي كان لي شرف التعرف اليه وهو قريب زوجتي رندى، وابن بلدتها عين عنوب، التي سكنتها، فتبادلنا الزيارات واسمعنا من انتاج فكره، ومن مشاعر قلبه، ونطق عقله.
لم أر “أبو شادي” الا متمتماً، يصنع قصيدة، فهو من حفر من الحروف صوراً شعرية، فرفض المنبر ان يغادره طليع الذي وُلد فوقه، فانتقل معه في كل لبنان، وحمله الى العالم، ومعه اجمل القصائد، وأبرع الابيات الشعرية، وأصدق العبارات.
هذا الطليع كان من طلائع الشعراء في لبنان، والعالم العربي، فاستحوذ على اعجاب ملايين المتابعين للزجل اللبناني، الذي كان من أعمدته وسيبقى.
في رحيل طليع حمدان نتأسف، ولكن نفرح بما تركه للمكتبة من تراث شعري نشره في دواوين ورعى في مسيرته انطلاقة شعراء توسم بهم الابداع، فضمهم الى فرقته الزجلية “جوقة الربيع”.
في هذا العام وقبل أن ينتهي، خسرنا زياد الرحباني، هذا العبقري، وها هو طليع حمدان يودعنا، دون أن ننساه، فهو ذكرى وذاكرة، وقصائده ستبقى معنا، نتلوها في مناسبات سنفتقد فيها “أبو شادي”، حضوراً وشعراً وصوتاً، لكن لبنان الثقافة سيذكره دائماً.




