قصف الضاحية في العيد.. نموذج عن الحرب الإدراكية التي تمارس على بيئة المقاومة
بقلم بتول الغداف

حين اختار الكيان قصف الضاحية في العيد هذه المرة والتي قبلها، فإن المسألة ليست صدفة.
في أدبيات الحرب الإدراكية، يُنظر إلى “الزمن الجمعي” — أي اللحظات التي تتراكم فيها مشاعر الفرح أو الأمان أو الانتماء — كمساحات حيوية يجب تدميرها إذا ما أُريد للمجتمع أن يُفكك نفسيًا. الأعياد، بطبيعتها، هي لحظات ترميم اجتماعي، يُعيد فيها الناس لملمة أنفسهم وعلاقاتهم ومعنى صمودهم. هي لحظات “بريك”.
حين تُستهدف هذه اللحظات، يتفكك الإيقاع الداخلي للمجتمع. الرسالة التي تُزرع ليست فقط “نحن نستطيع أن نؤذيكم”، بل: “لا يوجد وقت للفرح. لا ملاذ. لا عيد. لا خصوصية. لا روتين. لا ترميم. لا فرح للأطفال”.
كما واختيار ليلة العيد تؤثر على اليوم الذي يليه (يوم العيد) وتؤثر على الذاكرة (انقصفنا بالعيد).
وفقًا لأبحاث cognitive warfare (مثل دراسات RAND وDARPA)، فإن هذه الهجمات وتوقيتها واختيار مكانها ليست فقط عنفًا عسكريًا بل هي أدوات destabilization of meaning — زعزعة المعنى ذاته. هدفها الأساس نزع معاني العيد الجماعية عن العيد فيصبح الهم في العيد لا الفرح بل عدد الخسائر مثلا.
وعندما لا يشعر الناس بالأمان حتى في أكثر لحظاتهم قدسية، يبدأ التشكيك في كل شيء: لماذا نقاوم؟ من المسؤول؟ هل هذا كله يستحق؟ ألا نستطيع أن نرتاح؟
وهنا يدخل العامل الأخطر: زرع الشك في السردية الجماعية.
الأسئلة تبدأ بالهمس: “هل العيد كان ليكون أفضل لو لم تكن هناك مقااومة هنا؟”، “هل هم فعلاً يحموننا أم يجرّوننا إلى المعركة؟”، “هل نستحق أن نفرح أصلاً؟”.
هذا الشك ليس صدفة، بل هو السلاح بعينه. فكما ذكرت سابقا، أن المجتمعات تبدأ بالتراجع حين تبدأ بمراقبة ذاتها أكثر من مواجهة عدوها.