وضعَ اغتيال اسرائيل القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت المواجهات الجارية على الجبهة الجنوبية اللبنانية امام احتمال تحوّلها حرباً شاملة لطالما نادى كثيرون في الداخل والخارج بوجوب تجنّبها، اذ أعلن «حزب الله» أنّ «هذه الجريمة لن تمرّ أبدًا من دون رد وعقاب». وانّ المقاومة «يدها على الزناد، ومقاوموها في أعلى درجات الجهوزية والاستعداد»، مؤكداً «انّ هذا اليوم المشهود له ما بعده من أيام». وجاء هذا الموقف عشيّة اطلالة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في الذكرى الرابعة لاغتيال اللواء قاسم سليماني وقد كانت له لقاءات عدة مع العاروري قبل «طوفان الاقصى» وبعده. وكان قد حذّر قبل اشهر اسرائيل من ردٍ في العمق في حال ارتكابها اي جريمة ضد اي قيادي لبناني او فلسطيني او ايراني او اي تابعية أخرى على الاراضي اللبنانية، علماً انّ حكومة الحرب الاسرائيلية كانت قد أوعزت في الاونة الاخيرة الى الاجهزة الامنية الاسرائيلية، وعلى رأسها «الموساد»، لاغتيال قادة حركتي «حماس» و»الجهاد» أينما وجدوا.
تجاوزت اسرائيل مساء امس كل الخطوط الحمر في عدوانها على لبنان، حيث اغتالت بواسطة طائرة مسيرة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح محمد سليمان العاروري ومعه ستة حمساويين آخرين بينهم مسؤولَين اثنين في الحركة، ونحو 11 جريحاً كانوا يعقدون اجتماعاً في مكتب لهم يقع في مبنى على اوتوستراد السيد هادي نصرالله في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت لجهة مستديرة المشرفية.
وأكدت حركة «حماس» في بيان اغتيال العاروري، معلنةً عن «سقوط اثنين من قادة كتائب عزالدين القسام «. وافيد انهما سمير فندي وعزام الاقرع. اما بقية الحمساويين الذين سقطوا في الجريمة فهم أحمد حمّود ومحمود شاهين ومحمد الريّس و محمد بشاشة (الثلاثة الاخيريين لبنانيون).
ويذكر ان العاروري كان موضوعا على لائحة الاغتيالات الاسرائيلية والمطلوبين للادارة الاميركية التي كانت قد أعلنت في تشرين الاول 2017 عن مكافأة بقيمة 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه. وسبق لعدد من المسؤولين الاسرائيليين ان اعلنوا رسميا قرار تنفيذ اغتيالات في حق قياديي «حماس». وتم تصنيف العاروري على انه احد القلائل الذين خططوا لعملية «طوفان الاقصى» في غلاف غزة في 7 تشرين الاول الماضي.
وساهم العاروري في تأسيس (كتائب القسام) الجناح العسكري لحركة «حماس» في الضفة، ويعد الرأس المدبر لتسليحها. وقد أعتقلته اسرائيل وقضى نحو 15 عاماً في سجونها، ثم أبعد عن فلسطين الى سوريا وامضى فيها ثلاث سنوات ثم حضر الى لبنان واقام فيه منذ العام 2010. وهو كان أحد أعضاء الفريق المفاوض لإتمام صفقة «وفاء الأحرار» لتبادل الجندي جلعاد شاليط بعدد كبير من الاسرى الفلسطينيين. وهو متزوج ولديه ابنتان.
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» عزت الرشق في بيان أنّ اغتيال العاروري «لن ينال من استمرار المقاومة». وقال إنّ «عمليات الاغتيال الجبانة التي يُنفّذها الاحتلال الصهيوني ضدّ قيادات ورموز شعبنا الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، لن تفلح في كسر إرادة وصمود شعبنا أو النيل من استمرار مقاومته الباسلة». ووصف العملية بـ«عملية اغتيال جبانة ينفذها الاحتلال الصهيوني ضدّ قيادات ورموز شعبنا الفلسطيني».
وفي كلمة متلفزة، نعى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، العاروري، وقال ان الحركة «لن تهزم أبدا»، واكد انّ «حركةً تُقدّم قادتها ومؤسسيها شهداء من أجل كرامة شعبنا وأمتنا لن تهزم أبداً وتزيدها هذه الاستهدافات قوة وصلابة وعزيمة لا تلين. هذا هو تاريخ المقاومة والحركة بعد اغتيال قادتها، انها تكون أشد قوة وإصراراً».
ومن جهتها نَعت حركة «الجهاد الإسلامي» العاروري، وقالت إن الضربة الإسرائيلية «محاولة من العدو الصهيوني لتوسيع رقعة الاشتباك وجرّ المنطقة بأسرها إلى الحرب للهروب من الفشل الميداني العسكري في قطاع غزة والمأزق السياسي الذي تعيشه حكومة الكيان».
ونقلت وكالة «الاناضول» عن مصدر فلسطيني مُطّلع قوله ان حركة «حماس» أبلغت بعد اغتيال العاروري الى الوسطاء بتجميد أي نقاش عن الهدنة وتبادل الأسرى. وفي غزة أطلقت كتائب القسام دفعة صواريخ من قطاع غزة في اتجاه تل أبيب بعد الإعلان عن اغتيال العاروري. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر في حماس قوله «إن الاحتلال يدرك أن ردّ القسام والمقاومة قادم بحجم اغتيال القائد الكبير صالح العاروري».
في رام الله
وفي رام الله دانَ رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اغتيال العاروري ووصف العملية «بالجريمة التي تحمل هوية مرتكبيها»، محذّراً «من المخاطر والتداعيات التي قد تترتّب على تلك الجريمة».
ودانت قيادة حركة «فتح» في لبنان «عملية الاغتيال الغادرة والجبانة التي اقدم على ارتكابها العدو الصهيوني والتي استهدفت القائد الوطني الفلسطيني المناضل الكبير صالح العاروري». وعاهدت «شعبنا الفلسطيني على المضي في النضال والمقاومة حتى تحقيق النصر ودحر الاحتلال واقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ارضهم وديارهم».
وتجمّع نحو مئة فلسطيني في رام الله وحملوا العلم الفلسطيني وهتفوا «طلقة بطلقة ونار بنار، بعون الله نأخذ الثار». فيما أعلنت حركة فتح – إقليم رام الله اليوم «إضرابا عاما وشاملا في محافظتي رام الله والبيرة رداً على اغتيال» العاروري.
اليد على الزناد
والى ذلك نعى «حزب الله»، في بيان، االعاروري ورفاقه «إلى أمّتنا العربية والإسلامية، وإلى فلسطين الحرة ومقاومتها العظيمة وشعبها الأبي، وإلى الأحرار والمجاهدين في كل مكان»، وقال «إنّ العدو المجرم الذي عجز بعد تسعين يومًا من الإجرام والقتل والدمار عن إخضاع غزة وخان يونس ومخيم جباليا وسائر المدن والمخيمات والقرى الأبية، يعمد إلى سياسة الاغتيال والتصفيات الجسدية لكل من عمل أو خطّط أو نفّذ أو ساند عملية طوفان الأقصى البطولية وساهم في الدفاع عن شعب فلسطين المظلوم، وجريمة اليوم هي استكمال لجريمة اغتيال القائد السيد رضي الموسوي في ساحة عمل أخرى وجبهة جديدة من جبهات القتال والإسناد، وهذه الجريمة النكراء لن تزيد المقاومين في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا وإيران والعراق إلا إيمانًا بقضيتهم العادلة والتزامًا وتصميمًا أكيدًا وثابتًا على مواصلة طريق المقاومة والجهاد حتى النصر والتحرير».
واضاف البيان «إنّنا نعتبر جريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه الشهداء في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت اعتداءً خطيرًا على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته وما فيه من رسائل سياسية وأمنية بالغة الرمزية والدلالات وتطورًا خطيرًا في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة، وإنّنا في حزب الله نُؤكّد أنّ هذه الجريمة لن تمرّ أبدًا من دون رد وعقاب، وإنّ مقاومتنا على عهدها ثابتة أبيّة وفيّة لمبادئها والتزاماتها التي قطعتها على نفسها، يدها على الزناد، ومقاوموها في أعلى درجات الجهوزية والاستعداد. وإنّ هذا اليوم المشهود له ما بعده من أيام، فصبرًا جميلًا. وإنّ الله هو المستعان وإنّ النصر بإذن الله تعالى لقريب قريب».
إستعداد إسرائيلي
في المقابل، قال مسؤولون إسرائيليون: «انّ اغتيال العاروري عملية عالية الجودة وان كل قادة «حماس» مصيرهم الموت». ولاحقاً، اعلن ديوان رئاسة الحكومة الاسرائيلية ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو طالبَ الوزراء بعدم التعليق على اغتيال العاروري. لكن مستشار نتنياهو قال: «لم نعلن مسؤوليتنا عن هجوم بيروت وهو لم يستهدف الحكومة اللبنانية ولا «حزب الله».
وأعلنت القناتان 12 و 13 العبريتان مسؤولية اسرائيل عن الاغتيال. وقالتا: ان القيادي الذي تم اغتياله كان يفترض أن يلتقي الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله غداً (اليوم)». وقالت القناة 12 «ان القيادي في حماس خليل الحية سقط ايضا في الهجوم»، لكن مصادر حركة «حماس» نَفت ذلك.
وقال جيش العدو الإسرائيلي إنه مستعد «لكل السيناريوهات» بعد اغتيال العاروري وصرّح الناطق باسمه دانيال هاغاري في مؤتمر صحافي: «(الجيش) في حالة تأهب (…) دفاعا وهجوما. نحن على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات». وأضاف: «أهم أمر نقوله الليلة هو أننا نركز على محاربة «حماس» ونواصل التركيز على ذلك».
واكد مسؤول إسرائيلي كبير لموقع «اكسيوس» أنّ «إسرائيل تستعد لرد كبير للغاية على مقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، والذي قد يشمل إطلاق «حزب الله» صواريخ طويلة المدى على أهداف في إسرائيل».
وهنّأ عضو حزب «الليكود» في الكنيست الإسرائيلي داني دانون «الجيش الإسرائيلي والشاباك والموساد وقوات الأمن على اغتيال العاروري. وقال: «على كل من شارك في عملية «طوفان الاقصى» في 7 تشرين الاول أن يعلم أننا سنصل إليه ونُصفّي الحسابات معه».
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي كبير ان «إسرائيل تستعد لانتقام كبير من «حزب الله»، والذي قد يشمل إطلاقه صواريخ طويلة المدى على أهداف في إسرائيل».
وذكر مسؤولان أميركيان للموقع نفسه ان «إسرائيل كانت وراء اغتيال العاروري، لكنهما أكدا أن إسرائيل لم تُخطِر إدارة بايدن مسبقًا بالهجوم. فيما أكد مسؤول إسرائيلي كبير أن إسرائيل لم تبلغ الولايات المتحدة لكنه قال إنها أبلغت إدارة بايدن «أثناء تنفيذ العملية».
الى ذلك، اشارت وسائل إعلام إسرائيلية الى ان وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن أرجأ زيارته المرتقبة لإسرائيل من بعد غد الجمعة إلى الأسبوع المقبل. ونقل موقع «واللا» العبري عن مصادر أميركية تأكيدها ان لا علاقة لتأجيل هذه الزيارة باغتيال العاروري.