السيد نصرالله يرسم اليوم معادلة الحرب.. والخطوط الحمراء والرد على العدوان
"البناء"
في لحظة سياسية تقاطعت عندها من جهة، التوقعات بقيام حكومة الكيان برئاسة بنيامين نتنياهو بالبحث عن صورة نصر تقابل صورة الهزيمة الكاملة في غزة، وتفتح الطريق لفرضيات المخاطرة بحرب إقليمية يكون كل العزف على وتر الغيظ من جبهة لبنان والحديث عن ترتيبات عليها، تمهيداً لها وسقفاً سياسياً لاحقاً لنهايتها. ومن جهة ثانية رمزية إحياء ذكرى اغتيال القائد المؤسس في محور المقاومة الجنرال قاسم سليماني، وكلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالمناسبة، قامت مخابرات الاحتلال باغتيال القيادي في محور المقاومة ممثل حركة حماس وقوات القسام فيه، الشيخ صالح العاروري، ضابط الاتصال مع حزب الله وأمينه العام، والمسؤول في قوات القسام عن الضفة الغربية ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فتصيب عدة عصافير بحجر واحد، لأن التخلّص من قائد بحجم العاروري وحده هدف، واختبار معادلات حزب الله وأمينه العام تجاه الاغتيالات وأمن العاصمة والضاحية هدف، ومحاولة أخذ المنطقة من الحرب المذلّة للكيان في غزة إلى حرب أوسع تختلط فيها الأوراق والمداخلات، تفتح الباب للخروج من عنق الزجاجة الذي يعيشه الكيان وحكومته بين إقرار بالهزيمة ومواصلة حرب استنزاف لا نصر فيها.
الشيخ صالح العاروري الأسير المحرّر والمؤسس في قوات القسام وموضع ثقة قيادتها، والمؤسس في محور المقاومة وموضع ثقة قادته، والشخصيّة المحبوبة في حركة حماس، من قادتها وكوادرها ومجاهديها، مقاوم مقاتل استشهاديّ ومثقف وخبير حرب، وصانع مبادرات وأدوار، أتقن صناعة الحرب وكانت له يد مؤثرة في مراحل حاسمة من كل الحروب مع كيان الاحتلال، قدّم شهادته منصة لمرحلة جدية منها، سوف تكتب معها مراحل نوعية من المواجهة بين كيان الاحتلال ومحور المقاومة. وقد جاءت الكلمة الأولى من الضفة الغربية التي أعلنت الإضراب وخرجت بمسيرات حاشدة تحية لاستشهاده، وخرج المقاومون في جنين بأسلحتهم يتوعّدون بالانتقام لدمائه، واليوم سوف يتحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن استشهاد قاسم سليماني وصالح العاروري كقياديين في محور المقاومة، وعزيزين على قلبه، وسوف يتحدث عن الحرب في فلسطين الغالية على قلبه أيضاً، لكنه سوف يرسم معادلات الحرب الجديدة، ويقول كيف سوف يفوّت على بنيامين نتنياهو رهاناته الخطرة، وتهوره ومغامراته، ويقدم له رداً رادعاً يُعيد رسم الخطوط الحمراء حول الاغتيالات وأمن العاصمة بيروت وأمن الضاحية الجنوبية، في الوقت نفسه.
ربما يكون انتظار ما سوف يقوله السيد نصرالله اليوم أقوى من انتظاره في الإطلالة الأولى بعد طوفان الأقصى، وقد بلغت الحرب مراحل باتت فيها المنطقة على صفيح ساخن وصارت الحرب الكبرى على حافة الهاوية.
واستُشهد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري إثر انفجار وقع بالقرب من تقاطع المشرفيّة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأنّ «مسيّرة إسرائيلية معادية استهدفت مكتبًا لحركة حماس في المشرفية قرب «حلويات الشرق»، وعملت سيارات الإسعاف لنقل الشهداء والمصابين، حيث أفيد عن استشهاد 7 أشخاص وسقوط عدد من الجرحى. فيما عمل الدفاع المدني على نقل عدد من الإصابات وإخماد الحرائق التي اندلعت من جراء الانفجار.
وأكدت حركة حماس اغتيال نائب رئيس مكتبها السياسيّ الشيخ صالح العاروري في انفجار الضاحية الجنوبية لبيروت، ونعت الحركة استشهاد قائد أركان المقاومة في الضفة وغزة ومهندس طوفان الأقصى القائد الوطني الكبير الشيخ القسامي صالح العاروري واثنين من قادة القسام في الاعتداء الصهيونيّ الغادر.
كما أعلنت الحركة عن استشهاد القادة: القائد القسامي سمير فندي – أبو عامر، والقائد القساميّ عزام الأقرع – أبو عمار»، وعدد من إخوانهم من كوادر وأبناء الحركة، وهم: محمود زكي شاهين، محمد بشاشة، محمد الريّس وأحمد حمود الذين ارتقوا إلى ربهم، مساء اليوم الثلاثاء، في العاصمة اللبنانية بيروت، إثر عملية اغتيال جبانة، نفذها العدو الصهيوني، في عدوان همجيّ وجريمة نكراء تثبت مجدّداً دمويته التي يمارسها على شعبنا في غزة والضفة والخارج وفي كل مكان.
وكان الشهيد الشيخ العاروري قد تطرّق، في مقابلةٍ مع «الميادين»، إلى تهديدات الاحتلال الإسرائيلي باغتياله واستهداف قيادة حماس، قائلاً إنّ «التهديد الإسرائيلي لشخصي لن يغيّر قناعاتي، ولن يترك أي أثر، ولن يغيّر مساري قيد أنملة»، مُضيفًا: «نحن مؤمنون، ونتمنى أن تُختتم حياتنا بالشهادة التي نعتز بها»، مشيرًا إلى أنّ الشهادة هي الفوز العظيم في نظر قادة المقاومة.
وعقب عملية الاغتيال، حلق الطيران الإسرائيلي المعادي على علو مرتفع فوق بيروت والضاحية الجنوبية وخلدة، وصولاً إلى صيدا.
في المقابل حاول الاحتلال الإسرائيلي التنصل من عدوانه خشية ردة فعل حركة حماس وحزب الله، حيث أكد مستشار رئيس وزراء الاحتلال مارك ريغيف، في حديث لـ«MSNBC»، أننا «لم نعلن مسؤوليّتنا عن هجوم بيروت وهو لم يستهدف الحكومة اللبنانية ولا حزب الله»، معتبراً أننا «أوضحنا أن كل من تورّط في مذبحة 7 أكتوبر هو إرهابي وهدف مشروع».
فيما أعلن ديوان رئاسة وزراء الاحتلال بأن نتنياهو طالب الوزراء بعدم التعليق على اغتيال العاروري.
إلا أن مصادر مطلعة على موقف المقاومة أكدت لـ«البناء» أن عملية اغتيال القيادي في المقاومة الفلسطينية صالح العاروري في الضاحية الجنوبية خرق لقواعد الاشتباك الحاكمة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي منذ عدوان تموز 2006 حتى الآن، ويستوجب رداً مماثلاً من المقاومة التي لن تسمح بتغيير قواعد الاشتباك»، مذكرة بالمعادلة التي أعلنها السيد حسن نصرالله في خطابه الأول في الحرب بغزة، بأن أيّ اعتداء إسرائيلي على أي قيادي في المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية سيقابَل بردٍّ عنيف. ولفتت المصادر بأن شكل الرد وتوقيته تقرّره قيادة المقاومة وفق ما تقتضي المصلحة.
وأكد مسؤول إسرائيلي كبير أن «»إسرائيل» تستعدّ لرد كبير للغاية على مقتل العاروري، والذي قد يشمل إطلاق حزب الله صواريخ طويلة المدى على أهداف في «إسرائيل»»، بحسب موقع «اكسيوس».
فيما نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين إسرائيليّين بأن «اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية، هي عملية عالية الجودة وكل قادة حماس مصيرهم الموت».
كما أعلن مسؤول إسرائيلي كبير لموقع «Axios» إن «»إسرائيل» تستعدّ لانتقام كبير من حزب الله، والذي قد يشمل إطلاق الجماعة صواريخ طويلة المدى باتجاه أهداف في «إسرائيل»». وذكر مسؤولان أميركيّان لموقع «أكسيوس» أن «إسرائيل» كانت وراء هجوم يوم الثلاثاء، لكنهما أكدا على أن «إسرائيل» لم تُخطر إدارة بايدن مسبقًا بالهجوم. وأكد مسؤول إسرائيلي كبير أن «إسرائيل» لم تبلغ الولايات المتحدة لكنه قال إنها أبلغت إدارة بايدن «أثناء تنفيذ العملية».
ولفت خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لـ«البناء» الى أن حكومة الاحتلال تبحث عن انجازٍ عسكري ضد المقاومة الفلسطينية لكن الخبراء يشيرون الى أن رد حزب الله حتميٍّ لأن الاعتداء الإسرائيليّ لم يقتصر على اغتيال الشيخ العاروري فحسب، بل يمسّ أمن الضاحية الجنوبية، ولكل حسابه، أي أن الردّ الأول سيكون على اغتيال العاروري، والرد الثانيّ على استهداف الضاحية. وشدّد الخبراء على أن أهميّة رد المقاومة في لبنان هو منع العدو الإسرائيليّ من تكرار استهداف الضاحية واغتيال قادة المقاومة، أكانت الفلسطينية أو اللبنانية، ولذلك إن الاحتلال الإسرائيلي سيكرر هذه العمليات الأمنية إذا لم تكن هناك قوة رادعة. ولفت الخبراء الى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ الاتفاق الأميركي – الإسرائيلي بالحدّ تدريجياً من العمليات العسكرية في غزة والتركيز على العمل الأمني من ضمنه الاغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية في إطار المرحلة الثالثة من الحرب. وأكد الخبراء أن اغتيال العاروري حصل بضوء أخضر أميركي. ويعتقد الإسرائيلي بأن قواعد الاشتباك الضمنية تسمح له بتنفيذ اغتيالات لقيادات فلسطينية في لبنان من دون ردّ من حزب الله. وإذ اعتبر الخبراء بأننا دخلنا في المرحلة الأخطر منذ بداية الحرب في غزة، حذّروا من تطور ردود الفعل بين المقاومة و«إسرائيل» وتدحرجها الى حرب واسعة النطاق يريدها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ليُطيل أمد الحرب ويورط الأميركيّين بها.
وأكد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسين جشّي في تصريح أن «حزب الله سيردّ على اغتيال العاروري، وهذا محسوم، وتبقى الأمور تقدّر بقدرها». ولفت الى أن «الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكد أن أيّ استهداف لأي شخصية في لبنان مهما كانت جنسيتها سيردّ عليها»، وتابع قائلاً: «حزب الله لا يزال يحاول إبقاء الأمور ضمن قواعد الاشتباك لكن الإسرائيلي يعمل على توسعة المشكل والأميركي يلجمه».