الحريري في طرابلس . لم يَعُد وجهَ السعد
ماذا سيقول الحريري لأبناء طرابلس اليوم وعلى أي أساس سيطلب أصواتهم لمرشحيه؟
لم تعد زيارات الرئيس سعد الحريري النادرة الى طرابلس تُغري أبناءها، بعدما أثبتت التجارب بالدليل القاطع أنها “لا تسمن ولا تغني من تنمية وإنماء”، بل كانت تهدف فقط الى إستخدام المدينة سياسيا أو أمنيا أو إنتخابيا، والتعاطي مع أبنائها كمجموعات مسلحة في زمن التوترات، وكأرقام في صناديق الاقتراع في زمن الانتخابات.
لم يعد خافيا على أحد، أن الهوّة تتسع بين الحريري وبين طرابلس، فالرجل لم يف منذ سنوات طويلة بأي وعد قطعه على نفسه تجاه الفيحاء التي بدورها فقدت الأمل في أن يكون الانماء حريريا بعدما خاب ظنها مثنى وثلاث ورباع بـ”وجه السعد” الذي لم يحمل “السعد” إليها.
لم يسبق لمدينة أن أعطت من الولاء السياسي، كما أعطت طرابلس الى الرئيس سعد الحريري، لكن هذا الولاء لم يقابله “زعيم المستقبل” بأية إيجابية، بل على العكس فقد كانت السلبية دائما سيدة الموقف، ولم تحصد طرابلس جراء ذلك الا المزيد من الفقر والبطالة، والحرمان والاهمال والتغييب والتهميش، فضلا عن إستخدامها صندوق بريد ناري أحرق مناطقها وأدى الى تشويه صورتها وإنهيار إقتصادها.
لعل الرئيس الحريري يدرك أن مهمته في طرابلس اليوم لن تكون سهلة، خصوصا أن الطرابلسيين ينتظرون منه جردة حساب لكل ما سبق، علما أن الكلام المنمق والعواطف الجياشة والوجدانيات، والتلطي خلف إستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وصور السيلفي، كل ذلك لم يعد يجدي نفعا مع مدينة تفتقر الى أبسط مقومات الحياة، وينتظر أبناؤها خطوات عملية ملموسة للخروج من الواقع المزري الذي يعيشونه.
ماذا سيقول الرئيس الحريري لأبناء طرابلس اليوم؟، وعلى أي أساس سيطلب أصواتهم لمرشحيه في لائحة الخرزة الزرقاء؟، وهل سيعود الى نغمة التحريض التي يعتمدها نهجا كبديل عن المشاريع الانمائية؟، أم أنه سيدفع المال لتغطية فشل السنوات الماضية؟، وهل يكفي ذلك في تغطية التقصير الذي إرتكبه منذ العام 2005 بحق طرابلس التي سارت معه في السراء والضراء ودافعت عنه وقدمت الدماء فداء عنه، وكانت شريكة دائمة في الغرم، من دون أن ينالها أي نصيب من الغنم؟.
كثيرة هي المآخذ الطرابلسية على الرئيس سعد الحريري الذي يمكن القول أن تجاربه مع المدينة باءت كلها بالفشل، خصوصا أنه سارع الى إقفال مكاتبه ومؤسساته ومستوصفاته غداة إنتخابات عام 2009 بحجة الأزمة المالية، وأغلق حنفية المساعدات المالية والعينية، وصرف الموظفين، وأوقف الرواتب عن الكوادر الزرق والعاملين حتى في مكاتب تيار المستقبل، ثم بعد ذلك عاقب الفيحاء بيوم غضب مشؤوم وجولات عنف عبثية على فقدانه كرسي الحكم الذي آل الى إبن طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي الذي حمل كرة النار، وحمى لبنان من حرب أهلية وفتنة مذهبية، وأسس لحالة الأمن والأمان التي يعيشها لبنان اليوم بفعل شعار النأي بالنفس الذي صادره الحريري في حكومته الحالية، وحوله الى حكمة وطنية بعدما كان في عهد ميقاتي بنظره “لعيا بالنفس”.
إنتهت جولات العنف وطبقت الخطة الأمنية، فكان الوعد بأن تترافق مع خطة تنموية وإنمائية تشمل تأمين فرص عمل للشباب، وذلك بضمانة الرئيس الحريري، الذي خرج على أبناء طرابلس في برنامج تلفزيوني، ليعلن عن التبرع بعشرين مليون دولار لمسح صورة الحرب في طرابلس، فضلا عن إعلانه عن ترميم كل الوحدات السكنية المتضررة إضافة الى تأهيل بعض المدارس، لكن كل ذلك بقي حبرا على ورق من دون أن يجد طريقه نحو التنفيذ، فيما المدينة تغرق في أزماتها الصحية والاجتماعية والانسانية والبيئية، وخصوصا مكب النفايات الذي يبث سموما على مدار ساعات النهار يتنشقها الطرابلسيون وتهدد سلامتهم.
قدم الحريري تنازلات سياسية من العيار الثقيل، ما أدى الى تهديد رمزية وموقع وهيبة رئاسة الحكومة، وتخلى عن كثير من الثوابت والشعارات، وبعد عودته الى رئاسة الحكومة وعد الحريري بعقد جلسة لمجلس الوزراء في طرابلس لاقرار مشاريعها الحيوية ورفع صفة الحرمان عنها، وبنى الطرابلسيون آمالا عريضة على هذه الجلسة التي لم تعقد.
أكد الحريري أن طرابلس في دائرة إهتمامه، فصمت عن حرمانها من التغذية الكهربائية 24 ساعة بتجميد ملف “نور الفيحاء” بسبب الكيدية السياسية.. شدد على ضرورة إنصاف طرابلس فحرمها من التعيينات في الفئة الأولى، وصادر مراكز إدارية كانت من حصتها وقدمها هدية الى أقضية شمالية أخرى.
ربما تستقبل طرابلس الرئيس سعد الحريري بحشد شعبي اليوم قد يكون متوفرا بشكل تلقائي في صلاة الجمعة في الجامع المنصوري الكبير أو في الأسواق الضيقة والمزدحمة، أو بفعل ضغط سياسي أو أمني على المواطنين، لكن من المؤكد أن قلوب الأكثرية الساحقة من الطرابلسيين لم تعد حريرية الهوى، ولم تعد تخفق لـ”وجه السعد”، بل هي تخفق بعزم وقوة لمن وقف معها على مدار السنوات الماضية، وغطى تقصير الدولة والحريري على حد سواء، وفتح أبواب مؤسساته لكل أنواع الخدمات والتقديمات.
لعل الحريري يقتنع بعد يومه الطرابلسي بأن المزاج الشعبي في المدينة قد تبدل، وأنه يدخل في منافسة غير متكافئة مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي إتخذ قراره النهائي بإيجاد قيادة سياسية طرابلسية قوية تكون قادرة على إسترجاع قرار طرابلس، والدفاع عنها وإنتزاع حقوقها، فهل سيتعاطى الحريري مع مزاج طرابلس الجديد بحكمة، أم أن ذلك سيدفعه الى مزيد من التصعيد والتحريض؟”.
غسان ريفي – سفير الشمال