اقتصادالرئيسيةمجتمع ومنوعات

معامل الترابة تفخّخ مجلس الوزراء

فؤاد بزي- الأخبار

في أي بلد لديه مؤسسات وقوانين، ستظهر الخلافات على شكل تقاطع المصالح أو تضاربها. لكن في لبنان، حيث القوانين تصدر بشكل عشوائي، وتُطبّق بشكل استنسابي، والمؤسسات مهترئة، تظهر الخلافات على شكل أفخاخ. وهذا ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، عندما انطلق نقاش في صيانة الطرقات انتقل سريعاً مخزون المقالع والكسارات إلى اتهامات بإقفال معامل الترابة.

وكلها مصالح متجذّرة في بنية الفوضى اللبنانية، فالمقالع والكسارات تنهش الطبيعة بلا أي تصحيح بيئي، وهي مصدر المواد الأولية لثلاثة معامل تحتكر إنتاج الترابة في لبنان وقد فرض عليهم المرسوم 8803 الالتزام بضوابط منها الترخيص والتأهيل البيئي، لكن بعضهم عمل بلا ترخيص بغطاء سياسي لفترات طويلة، وبعضهم استُثني من تطبيق القانون… الآن بدأ الحديث عن نقص في منتجات صيانة الطرقات ورغبة في صرف عمّال، وحتى الآن لم يدفع أي ملوّث بيئي قرشاً واحداً عن فظائعه.

في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وفي سياق عرض قدّمه وزير الأشغال فايز رسامني لبعض الملفات المتعلقة بالصيانة التي تنفّذها الوزارة، تطرّق إلى مشكلة نقص البحص في السوق، ما يؤدي إلى تعطيل الورش وارتفاع الكلفة.

وفيما دار النقاش بشأن استخدام مخزون البحص والرمل في المقالع والكسارات، سواء تلك المرخّصة أو غير المرخّصة والمختومة بالشمع الأحمر لأنها تخرّب البيئة، تدخّل وزير العمل محمد حيدر من جانب آخر، مشيراً إلى أنه تبلّغ من مصنع «ترابة السبع» نيّته صرف 577 عاملاً بالاستناد إلى الفقرة (و) من المادة 50 من قانون العمل التي تسمح بصرف العمال بسبب الظروف الاقتصادية، وذلك بحجّة أن المصنع شبه متوقّف عن العمل منذ مدة طويلة لأن تراخيص المعامل والكسارات للمعامل الثلاثة لم تصدر عن وزارة البيئة. هنا انفجر النقاش بين وزير الصناعة جو عيسى الخوري ووزيرة البيئة تمارا الزين.

إذاً، ما الذي حصل؟ وما القصة؟
تعود المسألة كلّها إلى المرسوم 8803 الصادر في 2002 والذي ينظّم عمل المقالع والكسارات. يعرّف المرسوم المقالع والكسارات ويحدّد طرق الاستثمار فيها وموقعها الجغرافي ويحدّد موجبات الاستثمار وبدلاتها… وبنتيجة تطبيق المرسوم، بعد سنوات من التأجيل والممانعة، أوقف عمل المقالع والكسارات وفرض عليهم إجراء عمليات تأهيل وتسديد مبالغ كبيرة كما خُتم عدد كبير منها بالشمع الأحمر.

وبما أن معامل الترابة تعمل بشكل أساسي على استخراج مواد أولية من المقالع والكسارات لاستعمالها في إنتاج الترابة، جرى ضمّها إلى لائحة الموجبات والمعايير التي يفرضها المرسوم، لكن الحكومة واصلت تمديد مدة التطبيق لها. فقد رأت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أن التمديد ضروري بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان لأنّ هناك حاجة ملحّة إلى تلبية حاجات السوق بمواد البناء في إطار إعادة الإعمار، فأصدرت القرار 56/2024 الذي يمنح شركات الترابة (سبلين، السبع، هولسيم، والترابة الوطنية) الإذن باستخراج المواد الأوليّة لمدّة سنتين.

لكن الحكومة الحالية ألغت هذا القرار في مطلع أيار الماضي لأنها اعتبرت أنه يجب التشدّد بتقيّد المقالع والكسارات بأصول الترخيص استناداً إلى المرسوم الرقم 8803/2002.

صراع وجهات النظر هذا، أدّى إلى تنشيف السوق من البحص والرمل، وأوقف عمل شركات الترابة الثلاثة في لبنان؟ وما إن طرح وزير الأشغال فايز رسامني مشكلة عدم وجود مواد لاستكمال أعمال صيانة الطرقات، وربطها بإقفال المقالع والكسارات، رمى وزير العمل محمد حيدر ورقة صرف العمال من شركة ترابة السبع.

ثم تدخّل وزير الصناعة جو عيسى الخوري مشيراً إلى أن المعامل قدّمت أوراقها إلى وزارة البيئة وأنه يجب البتّ بأوراقها سريعاً للسماح لها باستئناف العمل ومنحها أذونات استثنائية، ولا سيما للشركات التي تملك أراضي الكسارات والمقالع (ربطاً بصدور قرار من مجلس الشورى يسمح بها بالعمل)، ولا سيما أن الحكومة لم تتخذ قراراً بإغلاق مصانع الترابة في لبنان، ولفت إلى أنه يمكن مصادرة المخزون المختوم بالشمع الأحمر وتحويل ثمنه إلى الخزينة اللبنانية لإمداد السوق بحاجاته.

معمل السبع أبلغ وزارة العمل رغبته في صرف 577 عاملاً ربطاً بـ«الظروف الاقتصادية»

بالنسبة إلى وزيرة البيئة تمارا الزين ينقسم النقاش إلى جزأين، في الجزء الأول «القطاع الصناعي اللبناني لا يمكن ضربه، ولكن هناك ضوابط»، وفي الجزء الثاني «لا أقبل التدخل في عمل وزارتي وطلب تجاوز القوانين»، تؤكّد الزين.

لذا «سينعقد الأسبوع المقبل المجلس الوطني للمقالع، ورغم الكذب والخداع الذي تعتمده شركات الترابة، والملفات غير المكتملة، إنّما إن كان لهم حق فليأخذوه، وليقرّر مجلس الوزراء». ولدى انتهاء الجلسة «قلت لرئيس الجمهورية إنّ السير بالأذونات الاستثنائية سيفتح أبواب جهنم علينا».

وفيما يتعلّق بالصناعة الوطنية وجديّة إقفال المصانع وصرف العمال بسبب منعها من التنقيب، تقول الزين إنّ «الفرق الوحيد في عمل معامل الترابة اليوم أنّ أرباحها انخفضت بنحو 30%، وهو ثمن مادة الكلينكر التي تستورد من الخارج»، لذا ترفض الزين سياسة ليّ الذراع باستخدام العمال، فالمعامل ليست متوقفة عن العمل، بل تستورد المواد الأوليّة من الخارج وتحوّلها إلى ترابة في لبنان.

وفي مجريات الجلسة والنقاش فيها، ترى الزين أنّ أمر المقالع والكسارات مختلف تماماً عن شركات الترابة ووضعها القانوني. وفي جلسة الحكومة الأخيرة استخدمت حجة نفاد البحص والرمل من السوق للدخول إلى وضعية شركات الترابة القانونية التي تحتاج إلى استكمال ملفاتها القانونية قبل السماح لها باستئناف التنقيب في الجبال اللبنانية.

وفيما يتعلق بالبحص والرمل، تشير الزين إلى أنّها اقترحت على مجلس الوزراء في البداية الاستفادة من المخزون الموجود في المقالع والكسارات القانونية وشراءه من أصحابها، أمّا بالنسبة إلى غير القانونية، فطلبت البحث في إيجاد صيغة تسمح للدولة بوضع اليد عليها، وربما مصادرتها لمصلحة الدولة وأشغالها.

ولكن أثناء البحث فتحت نقطة إيقاف شركات الترابة عن العمل بموجب قرار اتخذته الحكومة الحالية في أيار الماضي، وهو قرار اتخذ للضغط على الشركات لاستكمال ملفاتها. إلا أنّ النقاش أظهر توجهاً لدى عدد من الوزراء، مثل وزيري الصناعة والعمل، يدفع نحو إعطاء شركات الترابة مهلة 3 أشهر للعمل بحريّة إلى حين استكمال ملفاتها. وهذا ما رفضته الزين تماماً، فضلاً عن تحميل وزارتها المسؤولية في تأخير البت في الأذونات.

«الملفات كلّها خطأ»، تؤكّد الزين «حتى الخرائط وهي أساسية في عمل المقالع ليست صحيحة، وهناك توجه للاستهانة بموضوع الخرائط، وهذا مرفوض. أما الوعد بالبت في الملفات خلال شهرين، فيصلح إذا كانت الأوراق المقدّمة من الشركات صحيحة، إما أن نمشي بالقوانين أو لنذهب جميعاً إلى بيوتنا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى