
يناقش مجلس الوزراء في جلسته اليوم اقتراح وزير الطاقة والمياه جو صدّي، بناءً على توصية هيئة إدارة قطاع البترول (أو من تبقّى منها بعد استقالة ثلاثة من أعضائها الستّة منذ سنوات)، منح اتّفاقية استكشاف وإنتاج في الرقعة الرقم 8 في المياه البحريّة اللبنانيّة لكونسورتيوم «توتال للطاقة»، «إيني» الإيطاليّة، و«قطر للطاقة». وتزامن ذلك مع «طرد» (وهي الكلمة الأكثر تعبيراً عمّا حصل) شركة TGS من المياه اللبنانيّة بعدما كان مُقرّراً أن تباشر المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد في البلوك 8. والجدير ذكره أنّ TGS كانت استحوذت سنة 2019 على شركة Spectrum واندمجت سنة 2023 مع شركة PGS لتكون بذلك الشركة التي قامت بكلّ المسوحات الزلزاليّة السابقة في المياه اللبنانيّة.
يتضمّن اقتراح صدّي وجوب تضمين النصّ النهائي لاتفاقيّة الاستكشاف والإنتاج أحكاماً تضمن الموجبات والحقوق التالية:
1) وجوب التزام أصحاب الحقوق في الرقعة الرقم 8 في المياه البحريّة اللبنانيّة الحدّ الأدنى لموجبات العمل خلال مدّة الاستكشاف الأولى كالتالي: مسح جيوفيزيائي يشمل:
(أ) تنفيذ ومعالجة ما لا يقلّ عن 1200 كلم2 من المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد، وتقويم ودمج وتحديد جميع بيانات المسوحات الزلزالية في هذه الرقعة.
(ب) الأنشطة والدراسات الاستكشافية التالية: رسم خريطة البيئة الترسيبيّة الإجماليّة وتقييم النظام البترولي. ويُعتبر تنفيذ المسح الزلزالي والأنشطة والدراسات الاستكشافيّة الحدّ الأدنى لموجبات العمل خلال مدّة الاستكشاف الأولى التي تمتد لثلاث سنوات. وفي حال لم يتمّ تنفيذ المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد يفقد أصحاب الحقوق الرخصة البتروليّة العائدة للرقعة 8.
الطرح المُقدّم لمجلس الوزراء اليوم يناقض ما سبق أن أقرّته الحكومة السابقة
2) منح أصحاب الحقوق في الرقعة الرقم 8 في المياه البحريّة اللبنانية حقّ الخيار في حفر بئر استكشاف خلال مدّة الاستكشاف الثانية على أن يكون حفر هذه البئر مُلزِماً لأصحاب الحقوق في حال قرّروا دخول مدّة الاستكشاف الثانية (سنتان)، وعليهم في هذه الحالة أن يقدّموا إلى معالي وزير الطاقة والمياه، مع نسخة إلى هيئة إدارة قطاع البترول، خطّة استكشاف لمدة الاستكشاف الثانية تتضمّن التزام أصحاب الحقوق بحفر بئر استكشاف واحدة على الأقلّ خلال مدّة الاستكشاف الثانية، والتي تُعتبر من الحدّ الأدنى لموجبات العمل العائدة لمدة الاستكشاف الثانية.
3) الموافقة على أن تكون عناصر تقاسم الإنتاج بين الدولة وائتلاف الشركات كالتالي: A=30% (الحصّة الدنيا للدولة من بترول الربح)، B=40% (الحصّة القصوى للدولة من بترول الربح)، Rb=4 (الحاصل ر)، و CP=80% (سقف استرداد بترول الكلفة).
ماذا يعني ذلك؟
لطالما ماطلت «توتال» (الكونسورتيوم) في ملفّ التنقيب في المياه اللبنانيّة. فقد تأخّرت قرابة 18 شهراً، من دون أسباب وجيهة، في تسليم لبنان تقرير الحفر في بئر الاستكشاف الأولى في البلوك 9. وكانت «توتال» قد تقدّمت بعرضين للبلوكّيْن 8 و10 في دورة التراخيص الثانية بتاريخ 2/10/2023، إذ أوصى وزير الطاقة حينذاك وليد فيّاض – تِبعاً لتوصية هيئة إدارة قطاع البترول – بقبولهما قبولاً مشروطاً لإجحافهما وعدم مطابقتهما للشروط. وجاءت الشروط كالتالي كما وافق عليها مجلس الوزراء مجتمعاً في جلسة 12/1/2024 وعدّل أحدها: وجوب تضمين النص النهائي لاتفاقية الاستكشاف والإنتاج أحكاماً تضمن الموجبات والحقوق التالية:
1) وجوب إعلان أصحاب الحقوق في اتفاقيّة الاستكشاف والإنتاج العائدة للرقعة الرقم 8 في المياه البحريّة اللبنانيّة وفي مدة ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع اتفاقية الاستكشاف والإنتاج، التزامهم من عدمه بالقيام بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد وبوجوب إنجاز هذا المسح خلال مدّة سنة تبدأ من تاريخ نهاية مدة الثلاثة أشهر المحدّدة أعلاه، واعتبار المسح الزلزالي هذا من ضمن الحدّ الأدنى لموجبات العمل خلال مدة الاستكشاف الأولى التي تمتد لثلاث سنوات.
2) تفويض الوزير، وعند تأكّد هيئة إدارة قطاع البترول من حصول اكتشاف تجاري يفوق الكميّات والأحجام التي تقدّم بها أصحاب الحقوق في عرضَي المزايدة في أيّ رقعة من الرقعتين 8 و 10 يوافق مجلس الوزراء على تلزيمها، بالتفاوض المُلزِم لأصحاب الحقوق، بمعاونة الهيئة لتحسين حصّة الدولة من بترول الربح، على أن لا تقلّ نسبة الحصّة الإجماليّة للدولة وفقاً لما تمّ احتسابه من قبل الهيئة في تقريرها بناءً على الكميات والأحجام التي ذُكرت في عرضَي المزايدة من قبل ائتلاف الشركات، وتُعرَض نتائج المفاوضات المُلزِمة على مقام مجلس الوزراء لاتخاذ القرار النهائي المناسب في هذا.
الطرح المُقدّم لمجلس الوزراء اليوم يناقض ما سبق أن أقرّته الحكومة السابقة في جلسة 12/1/2024. فالسنة الواحدة التي اشترطها مجلس الوزراء للمسح الزلزالي في تلك الجلسة أصبحت ثلاث سنوات، ما يعني أنّ بئر التنقيب الأولى لن تُحفر، على الأرجح، قبل خمس سنوات من الآن. والسؤال هنا: أليس من الأجدى الشروع الآن في المسح الزلزالي في البلوك الرقم 8 (وهذا ما كانت شرعت به TGS)؟
فنتائج المسح الزلزالي اليوم هي أفضل بكثير للتنافسيّة منها بعد ثلاث سنوات وهي ستحفّز بلا شكّ، في حال واعديّتها، الشركات للتقدّم ليس فقط للبلوك 8 بل لبلوكات أخرى شمال البلوك 8 (البلوك 5 تحديداً)، وستكسر احتكار «توتال» للتنقيب في المياه اللبنانيّة وتحكّمها بثرواتنا المُحتملة الناتج من ذلك الاحتكار. مع العِلم أنّ البلوكّين 8 و5 من أكثر البلوكّات واعديّة بالنسبة إلى احتمالات اكتشاف الغاز في طبقاتهما الجيولوجيّة. وما مصلحة لبنان في الرضوخ لمطالب «توتال» والقبول بكلّ هذا التأخير؟
من جهة ثانية، اختفى بند المفاوضات على حصّة لبنان (المُجحِفة) في حال حدوث اكتشافات كبيرة. فما عدا مِمّا بدا لتتغيّر الشروط؟ هذا سؤال برسم وزير الطاقة ومن خلفه هيئة إدارة قطاع البترول.
أمّا بخصوص الشروط التجاريّة، فيبدو أنّ الأمور في مسار انحداري لغير صالح لبنان. فشروط البلوك 9 أسوأ من شروط البلوك 4، وشروط البلوك 8 أسوأ بكثير من شروط البلوك 9 كما يوضّح الجدول المُرفق. فكلّما انخفضت حصّة لبنان القصوى، وارتفع سقف استرداد بترول الكلفة، والحاصل «ر»، كان الأمر أسوأ بالنسبة إلى لبنان.
ما نحن في صدده هو تأخير مُتعمّد آخر لملفّ التنقيب في عالم يتّجه بتسارع نحو الطاقة المتجدّدة. وكلّما ابتعد أمد الاكتشافات الغازيّة فيه، ذوت قيمتها إن لم تنطفئ. من جهة أخرى، التأخير هذا سيصبّ حتماً في صالح كيان العدوّ وسيعطيه المزيد من الأسبقيّة في البلوكّات البحريّة في الشمال الغربي من البحر الفلسطيني المحتلّ، المحاذية للبلوك 8.
المسح الزلزالي مؤجّل ثلاث سنوات في عرض «توتال» والشروط التجاريّة مُجحِفة. مع ذلك، طردنا الشركة التي شرعت في المسح الزلزالي، وها هو مجلس الوزراء على أُهْبة القبول بعرض «توتال» الرديء ما لم يحصل طارئ يغيّر ما هو على الأرجح «مطبوخ»؟ ماذا دهانا؟ وهل انسدّت السُّبُل في وجهنا لتقديم هذه التنازلات الخطيرة؟
* أكاديمي وباحث @KassemGhorayeb