
بانتظار انقشاع صورة النتائج الديبلوماسية لزيارة الرئيس جوزاف عون الى سلطنة عمان التي تعهدت القيام بكل ما يمكن القيام به لمساعدة لبنان على استعادة الاستقرار والسيادة، وفيما انتهت زيارة المبعوث الاميركي جان ايف لودريان دون نتائج حاسمة نتيجة ضعف الدور الفرنسي في التاثير بالاحداث، يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري ملء الفراغ السيادي بمواقف «رسائل» الى الداخل والخارج في ظل مخاطر جدية تهدد الكيان اللبناني، ولان المسالة ليست «مزحة»، برايه، خرج عن صمته بالامس ليس فقط للرد على تجاوزات المبعوث الاميركي توم براك المصر على ضم لبنان الى سوريا، بل لمحاولة ايجاد مناخ وطني عام يمكن البناء عليه لمواجهة الطروحات الخارجية المسمومة، وفي هذا السياق، يعمل الرئيس بري على استغلال «الكيمياء» الواضحة مع السفير الاميركي الجديد ميشال عيسى الذي زاره مرتين خلال ال24 ساعة الماضية، لمحاولة ايجاد قناة تواصل مباشرة مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، باعتباره صديقا شخصيا، للسفير الذي ابدى رغبته صراحة بالانفتاح على «عين التينة» باعتبارها حاجة ضرورية في هذه الظروف الحساسة، تعوض غياب قنوات التواصل مع حزب الله!
السباق مع الوقت
وفي هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على اجواء «عين التينة» الى ان الرئيس بري يعتقد ان المنطقة ولبنان في سباق مع الوقت قبل الاجتماع بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو في نهاية الجاري، وهو اكتشف بعد العديد من اللقاءات مع المبعوثين الاقليميين والدوليين كافة، ان لا قدرة لاحد على التاثير في «اسرائيل»، باستثناء الرئيس ترامب، ولهذا يعمل جاهدا على ايصال الموقف اللبناني الواضح والشفاف الى البيت الابيض بعيدا عن «عصبة الاشرار» من لبنانيين، واميركيين خصوصا في الكونغرس، وهو يتوسم خيرا من العلاقة الشخصية بين السفير الاميركي والرئيس ترامب، وثمة جهد يبذل في هذا الاطار، لنقل رسالة مباشرة الى الرئيس الاميركي لشرح الوضع من وجهة النظر اللبنانية، ومحاولة ايجاد ثغرة يمكن النفاذ منها لتغيير الواقع المتفجر، والانتقال الى مرحلة الاستقرار. وقد اقترح بري حصول هذا التواصل، ولم يمانع عيسى ذلك.
قاعدة غير مقبولة
واذا كانت مصادر «عين التينة»، تؤكد ان زيارة السفير عيسى بالامس كانت مقررة سابقا وليست طارئة، وهي لم تلغ على الرغم من حضوره قبل يوم مع وفد مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان، الا ان الاجتماع كان استثنائيا بتوقيته، خصوصا بعد تصريحاته من مقر الرئاسة الثانية قبل 48 ساعة والتي تحدث فيها صراحة عن الفصل بين التفاوض في «الميكانيزم» وحرب «اسرائيل» على حزب الله، مكرسا مبدأ المفاوضات تحت النار، فكانت ملاحظات نقدية من قبل بري بالامس، باعتبار ان هذه القاعدة غير مقبولة ولن تثمر في ايجاد مناخات ملائمة لمعالجة الاوضاع المتوترة والانتقال الى مرحلة من الاستقرار، بل قد تؤدي الى انهيار امني وعسكري قد لا تبقى حدوده محصورة في لبنان. وطالب السفير بالعمل ان يكون اجتماع «الميكانيزم»في ال19 من الجاري مثمرا، بحيث تعمل واشنطن على اجبار «اسرائيل» على تقديم خطوات «حسن نية».
لماذا الخروج عن «الصمت»؟
وفيما نقل بعض زوار السفارة الاميركية تاكيد السفير الاميركي، بان تصريحات توم براك حول ضم لبنان الى سوريا، لا تمثل السياسة الاميركية، ومجرد راي شخصي، كان الرئيس بري واضحا في التعبير عن «سخطه» من تكرار هذه السيناريوهات المستفزة، وهو خرج عن صمته امام وفد نقابة الصحافة، لسببين، الاول، تعبيرا عن «الاستياء» من غياب موقف حازم من السلطة التنفيذية ازاء هذا التجرؤ على السيادة اللبنانية، وبرايه كان يجب على الحكومة ان تتصدى لهذا التطاول الذي زاد عن حده، وبما ان المقرات الرسمية في بعبدا والسراي الحكومي لم تتعامل مع هذه التصريحات كما يجب، اتخذ القرار بالتصدي المباشر ودون «قفازات» لطروحات قد تتحول الى وقائع بعد تكرارها دون «حسيب او رقيب». والسبب الثاني، ان هذه التصريحات لم تعد مجرد «ثرثرة» تعوّدها توم براك، فهو الممثل الشخصي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكلامه قد يكون جزءا من «خارطة طريق» اميركية مبنية على استنتاجات خاطئة، لكنها قد تتحول الى امر واقع بفعل «المزاجية» الحاكمة في واشنطن، وبغياب رد الفعل اللبناني المناسب قد يخال للبعض ان اللبنانيين او قسما منهم لا يمانع الامر، او انهم عاجزون عن التصدي لمشاريع مماثلة. والرئيس بري لم يعد يتعامل مع تصريحات براك على انها مجرد استنتاجات شخصية، فهو رجل صفقات عقارية، تتوافق رؤيته للامور مع الرئيس ترامب الذي قد يكون مقتنعا بان لبنان مجرد عقار صغير يمكن ضمه الى عقار اكبر، وفي ذلك حل لمشكلة دون الكثير من العناء، انها مجرد عملية بيع وشراء بالنسبة له.
كلام خطر جدا
ولهذا يعتبر الرئيس بري تكرار الكلام خطر جدا ولا يمكن اهمال الرد عليه على كل المستويات. فهذه الادارة لا تزال تتعامل مع غزة على انها قطعة ارض جاذبة للاستثمار والسياحة، ولم تنتف بعد لا مخاطر التهجير، ولا تحويلها الى «ريفييرا» الشرق الاوسط، وكذلك لا يغيب عن الرئيس بري المقترح الحاضر دوما في النقاشات الاميركية –الاسرائيلية لاقامة منطقة اقتصادية على الحدود الجنوبية من خلال مصادرة او ضم مساحات جغرافية من قرى ومدن الجنوب، فالجغرافيا في استراتيجية الرئيس دونالد ترامب مجرد مساحة طبوغرافية لا اهمية لمن يعيش فوقها وعملية الضم والفرز، مجرد عملية حسابية لا تخضع لاي معيار انساني.
رسم الخرائط
فإعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط جزء من استراتيجة معلنة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو الذي لا يبدو بعيدا عن تلك الطروحات، وربما يختلف مع ترامب على عملية «الضم والفرز»، لكن كلاهما متفقان على ان ثمة خرائط يجب ان تعدل وباتت من الماضي، وقد سبق للرئيس الاميركي ان اعلن ان «اسرائيل» دولة صغيرة ويجب ان تصبح اكبر.
دفن «الرؤوس بالرمال»
ولكل ما سبق، اختار بري الخروج عن صمته، خصوصا انه مدرك ان حملة الضغوط على لبنان لم ولن تتوقف، وما يجري اليوم من سيناريو «تهويل» بالتصعيد العسكري ثم المطالبة بالتنازلات، قد يكون احد السيناريوهات المطروحة في المستقبل لمحاولة فرض امر واقع جغرافي على لبنان، ولهذا كان لا بد من رفع سقف المواجهة السياسية بموقف لن يكون يتيما، بل سيكون جزءا من استراتيجة تشمل التواصل مع الرئاسات لتوحيد الموقف تجاه هذه الخفة الخطرة في التعامل الاميركي مع الملف اللبناني. فالخطر كبير وداهم، كما يراه بري ، ولا جدوى من دفن «الرؤوس في الرمال»، فالمواجهة مطلوبة بحزم كيلا نصبح مجرد عقار للبيع في سوق عقارية متوحشة لا تعرف للانسانية معنى.
لغة التهديد غير مقبولة
وكان بري اطلق سلسلة من المواقف خلال استقباله وفد نقابة الصحافة، وسئل عن التهديدات التي يطلقها بعض الديبلوماسيين، وبخاصة ما صدر أكثر من مرة عن الموفد الأمريكي توم براك لجهة ضم لبنان إلى سوريا، فأجاب «ما حدا يهدد اللبنانيين» ، لا يعقل أن يتم التخاطب مع اللبنانيين بهذه اللغة على الإطلاق، خاصة من الديبلوماسيين ولا سيما من شخصية كشخصية السفير توم براك، وما قاله عن ضم لبنان إلى سوريا «غلطة كبيرة» غير مقبولة على الإطلاق. وأضاف رئيس المجلس: مجددا أقول إن لا بديل ولا مناص للبنانيين لمواجهة المخاطر والتداعيات والتهديدات من أي جهة إلا بوحدتهم وبوحدتنا نستطيع أن نحرر الأرض.
تساؤلات بري حول التفاوض؟
وحول اتفاق وقف إطلاق النار والمفاوضات أجاب بري سائلاً: أليست الميكانيزم هي إطار تفاوضي؟ هناك مسلمات نفاوض عليها عبر هذه اللجنة هي: الانسحاب الإسرائيلي ، انتشار الجيش اللبناني، وحصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني بيد الجيش اللبناني، وهذه اللجنة هي برعاية أميركية، فرنسية وأممية، وقلت أكثر من مرة أن لا مانع من الاستعانة بأي شخص مدني أو تقني إذا لزم الأمر ذلك، بشرط تنفيذ الاتفاق . وتابع: لبنان ومنذ تشرين الثاني عام 2024 نفذ كل ما هو مطلوب منه والجيش اللبناني انتشر بأكثر من 9300 ضابط وجندي بمؤازرة اليونيفيل، التي أكدت في آخر تقاريرها على ما نقوله لجهة التزام لبنان بكل ما هو مطلوب منه، في حين أن إسرائيل خرقت هذا الاتفاق بحوالى 11000 خرق. وكشف أن الجيش اللبناني نفذ %90 من بنود إتفاق وقف اطلاق في منطقة جنوب الليطاني وسوف ينجز بشكل تام ما تبقى مع انتهاء العام الحالي، وقال : هذا ما أكدته اليونيفيل والميكانيزم وقائد الجيش العماد رودولف هيكل . وتابع : لكن المؤسف أن أحداً لا يسأل ولم يسأل أين ؟ ومتى؟ وكيف ؟ نفذت أو التزمت إسرائيل ببند واحد من اتفاق وقف إطلاق النار ؟ ، بل هي زادت من مساحة احتلالها للأراضي اللبنانية.




