اخبار محليةالرئيسيةخاص دايلي ليبانون

بيان السويداء الثلاثي… خطوة ناقصة في غياب حل فدرالي شامل

د. هشام الأعور

البيان الثلاثي الذي صدر في 20 أيلول 2025 عن اجتماع وزيري خارجية الأردن وسوريا والمبعوث الأميركي توماس باراك لم يكن حدثاً معزولاً، بل نتيجة مسار طويل من اللقاءات والمفاوضات، بعضها معلن وبعضها الآخر بقي في الكواليس. غير أنّ جوهر البيان كان واحداً: كيف يمكن التعامل مع الأزمة العاصفة في السويداء بعد الاجتياح الدموي الذي نفذته قوات دمشق بمؤازرة جماعات مسلحة وعناصر جهادية منفلتة. لقد تحولت السويداء من محافظة مهمشة في الهامش السوري إلى عقدة مركزية في المعادلة الإقليمية والدولية.

المأساة التي عاشتها المحافظة، وما رافقها من مجازر وقتل على الهوية واعتداءات على الكرامات والممتلكات، جعلت مطلب الانفصال وحق تقرير المصير يتقدم إلى الواجهة. إلا أنّ هذه المطالبة، على وجاهتها الإنسانية والسياسية، تفتقر حتى الآن إلى الغطاء القانوني والدعم الدولي اللازم. فالميثاق الأممي، المرجعية الأساسية لأي مسعى انفصالي، يربط تقرير المصير بشروط صارمة لا تنطبق كلياً على وضع السويداء، فيما اكتفى مجلس الأمن بوصف ما حدث بانتهاكات لا إبادة ممنهجة.

لكن ما يلفت أكثر من البنود القانونية هو المأزق السياسي والأخلاقي. فالمجتمع المحلي في السويداء فقد ثقته بالكامل بسلطة دمشق، ولا يرى في أي اتفاق تُناط تنفيذه بتلك السلطة سوى تكرار للمأساة بشكل آخر. هنا تبرز معضلة حقيقية: كيف يمكن بناء تسوية إذا كان طرفها الرئيسي موضع رفض مطلق من المجتمع الضحية؟

إنّ اختزال خيارات السويداء بين الانفصال غير الممكن قانونياً أو القبول ببيان لا يضمن عدالة ولا مساءلة، هو ظلم مزدوج. المخرج الواقعي والضامن الوحيد لسلامة النسيج السوري يكمن في طرح ثالث: نظام فدرالي حقيقي يضمن مشاركة جميع المكونات في الحكم ويوزع السلطة والحقوق بشكل عادل. فدرالية لا تعني تقسيم البلاد، بل إعادة صياغة العقد الاجتماعي بما يحفظ الخصوصيات ويمنع عودة الاستبداد. دروز سوريا، كما كل المكونات القومية والدينية، لهم الحق في العيش بأمان وكرامة في إطار وطني جامع، لا تحت رحمة سلطة أحادية ولا في عزلة انفصالية.

الأردن، بحكم الجوار والتأثير المباشر، لعب دور الوسيط المقبول، بينما الأميركيون هم من حسموا عبر البيان الخطوط العريضة للمسار المقبل. غير أنّ أي حل يفرض من الخارج من دون مراعاة الحقوق العميقة للمجتمع المحلي سيبقى هشاً ومؤقتاً. وحدها صيغة توازن داخلي على قاعدة الشراكة والفدرالية قادرة على إنتاج سلام طويل الأمد.

في النهاية، السويداء ليست مجرد ورقة تفاوضية ولا مكسر عصا لتجاذبات دولية، بل هي جزء حيّ من سوريا المتعددة. وكل محاولة لإقصاء مكون أو إخضاعه بالقوة ستعيد إنتاج العنف وتفتح أبواباً جديدة للفوضى. أما الحل، فهو في الاعتراف بحق الجميع بالوجود والمشاركة، وفي بناء نظام سياسي مرن يوازي بين الوحدة والسيادة من جهة، والتنوع والعدالة من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى