الرئيسيةخاص دايلي ليبانون

خطرٌ مُريبٌ قادِمٌ إلى دمشق!

الكاتب: طارق سيف الدين

ما هو مخطَّطٌ لِسوريّة – سوريّانا خطيرٌ جدًّا، بل بالغُ الخطورة، وفي صَميم ذاك المخطَّط العميق خطرٌ مُريبٌ قادِمٌ إلى دمشق؛ نعم، دمشق بالتحديد، أقدَمُ عاصمةٍ مأهولةٍ في التاريخ. بل إنّ صفةَ “مُريب” لا تُعبِّر عن حقيقة ما هو مُخطَّط. ولو كنّا تكلَّمنا سابقًا عمّا سننشره اليوم، لما وجدنا شخصًا واحدًا يقتنع بجديّة الخطر الوجودي على كلِّ أهل الشام عمومًا، ودمشق وسكّانها خصوصًا.

باختصار، إنَّ الذين وضعوا الفكرة الأساسيّة لمخطَّط “النظام العالمي الجديد”، والذي إحدى مراحله المهمّة والأساسيّة ما يُسمّى “الشرق الأوسط الجديد”، لم يُفوّتوا وضعَ رؤيةٍ خاصّةٍ لمدينة دمشق ومحيطها. فهم يمتلكون كلَّ إمكانيّات الإدراك لأهمّيّتها كأقدم عاصمةٍ مأهولةٍ في التاريخ، ولأنّهم لا يُسقِطون سهوًا أيَّ تفصيلٍ مهما صَغُر أو كَبُر، فلن تسقط من حبائلهم حاضِرةٌ تاريخيّة كانت مَسرحًا لعشرات الحِقَب التاريخيّة والسياسيّة. دمشق التي احتضنت مكامنَ وتفاصيل كلِّ إمبراطوريّات الحكم والسيطرة على المعالم قديمها وحاضرها، ونعني دمشق، نعم دمشق، وليست القاهرة أو بغداد، مع كلِّ الأهمّيّة لهما.

إنّ “العالم الجديد” بنظامه الجديد، ومن منظور جماعة “المخطَّط العميق”، الذين يسوقنا التحليل لربط المعطيات، قد أقرّوا بأنّ إدارة العالم الجديد يلزمها مكانٌ جديد مطابق لمتطلّبات المنطق في الإدارة والتحكّم والسيطرة. وهذا المكان يجب أن يكون في قلب العالم الجديد، وله مدلول تاريخي ودلالة سياسيّة مهمّة، بل ودينيّة واضحة. وهذه الصفات لا تنطبق على واشنطن ولا لندن أو باريس، وبالتأكيد لا تنطبق على بكّين أو موسكو، بل تتطابق مع دمشق. وتحليلنا يقول: إنّه وقع الاختيار على دمشق وبدأ تنفيذ الأمر.

وبالتالي، كما خطّطوا لغزّة أن تكون ميناء، وراحوا يستثمرون الأحداث ويسيرون الأمور باتّجاه إفراغها من أهلها وتغيير معالمها بشكلٍ مباشر، ودون أيّ تحفّظات أو خشيةٍ من رأيٍ عالمي هنا أو جنائيّة دوليّة هناك، كذلك استثمروا موقعًا جيوسياسيًّا وجيوأمنيًّا على ساحل المتن في لبنان (عوكر)، يُعتَبر مدخلًا شرقيًّا لعاصمته بيروت، ليكون أكبر قاعدة بياناتٍ وارتباطٍ ومقرِّ تَنقُل الولايات المتّحدة الأميركيّة إليه، قيادة المنطقة الوسطى التي لا يزال مقرُّها حتّى اللحظة البحرين، ريثما تنتهي أعمال البناء.

مخادعين الدولة في لبنان، مدّدوا شرايينَ تنصّتِهم ومحطّات/ثكنات استطلاعهم عبر خديعة “أبراج المراقبة” للحدود اللبنانيّة – السوريّة، والتي يُشغِلها حتّى اللحظة الجيش اللبناني، ريثما تُجهَّز ظروف القوّات الأميركيّة لاحقًا لاستلامها وتشغيلها بأنفسهم، كما استلموا مطار حالات وجعلوه مطارًا خاصًّا لنشاطاتهم.

هذا بعضٌ من كثيرٍ من الخطوات التي، إن وضعها المختصّون على طاولة التدقيق والبحث، يستطيعون إيجاد الرابط ووضع خارطة بيانٍ كاملة بارتباطها بعضِها ببعض.

ومن هنا نقرأ بعض الأحداث التي قد تمرُّ على أبناء شعبنا مرورًا عابرًا دون التدقيق بأبعادٍ لها قد تكون أبعد من فهم الفرد العادي، ويصعب إدراك أهدافها البعيدة إن لم نربط بعضها ببعض ونسوقها في سياق وجهة الأحداث الجارية. فقد علَّمتْنا المحن، ودلَّلتنا الوقائع، أن لا صُدف في مجريات الصراع.

فـ”سلطة دمشق” المستجدّة، والتي لم تكن بعد قد مَكَّنت سُلطانَها في قصر المهاجرين على كتف دمشق، قد أوعزت لمحافظ دمشق الجديد وفريقه من مشايخ التشدّد المذهبي فتحَ ملفٍّ من أكبر وأعقد وأقدم وأهمِّ ملفّات المحافظة، وهو ملفّ ما سُمِّي “العشوائيّات”. وراحت الأنظار تشخَص إلى البدء – حسب التراتبيّات الطائفيّة – معتمدين صِيَاغات الإخلاء لموظّفي الحكم السابق، وعبر خَلق توتّرات طائفيّة حادّة تُشعِل العَصَب الطائفي فيُوقِد جمرَ الفِتن ويُهجَّر الناسُ أصحابُ الحقوق.

هكذا كان واحدًا من أهداف دَسِّ النبض في جَرمانا واستكشاف الأرض، ريثما تكتمل المعلومات ويتمّ المسح الأمني والاستطلاع الطائفي. وبهذا السياق نفسه، افتُعِل تهجيرُ العلويّين من السومريّة، وقبلها المسيحيّين من الدويلعة عبر تفجير الكنيسة المشهور وأحداث صَحنايا…

أيضًا ليس من الصُّدف أن يَصرِفوا موظّفي الدوائر والمديريّات العقاريّة العامّة في دمشق من أوّل يومٍ دخلوها، ويضعوا عليها فِرقَ حراسةٍ أغلقت أبواب الدوائر عن موظّفيها، بينما فَتحوها لمتخصّصين قاموا بنقل كلّ ما يعنيهم ويهتمّون له، وحصلوا على كاملِ بيانات المعلومات العقاريّة كخطوةٍ أولى.

بعدها أطلقوا يدَ مَن سمَّوهم (القضاة المشايخ) المُستحدَثين، الذين راحوا يطلُبون أصحابَ العقارات المهمّة والاستراتيجيّة في دمشق، ويُحقّقون معهم، ويفتحون لبعضهم ملفّاتٍ سياسيّةً بهدف الضغط عليهم لبيع العقارات أو التنازل عنها لمصلحة مجموعةٍ من الشركات العقاريّة التي يدرك الدمشقيّون ويشعرون بحيويّة نشاطها في هذه الظروف.

حتّى إنّ أحدَ المحامين أسرَّ لي عن مخاوفه ممّا يُحاك لملفِّ العقارات التي كانت تُشغِلها الجهاتُ الحكوميّة الأمنيّة (أفرع المخابرات) والعسكريّة (الحرس الجمهوري)، وخصوصًا في منطقة المعضميّة التي أُخلِيَت، ولكن سلطة الجولاني رفضت تسليمها لأصحابها، بل هدّدت بعضَهم بادّعاء وجود تنازلاتٍ عن الأرض لمصلحة النظام السابق، وهذا ما يجعل أصحاب الحقوق في خانة المتَّهَمين.

بهذه الطرق والأساليب الفوضويّة، أراد مُشغّلو سلطة الجولاني أن تسير الأمور كمرحلةٍ أولى تشمل:

جمعَ المعلومات،

وامتلاكَ الوثائق،

وبعثَ الخوف والرعب في قلوب المالكين.

فيبيع مَن يبيع، ويتنازل مَن يتنازل. (والكل بات على عِلمٍ باللجنة الاقتصاديّة التي يقودها ماهر الشرع، وبالكَمِّ الهائل من التنازلات التي حصلت عليها من رجال الأعمال في دمشق، وجلُّها حسابات بنكيّة وعقارات).

هذه مرحلة، لتأتي بعدها مرحلةُ الفوضى الحقيقيّة، التي بدأ أبناءُ دمشق دخولها؛ حيث شوارع دمشق الفرعيّة أصبحت مكبّات نفايات، وحالة عدم الأمان طبَعت نهارات دمشق ولياليها: سرقة، وخطف، وتعدٍّ، وسلب ممتلكات، وتهديد، ووعيد، حتّى في قلب المكوّن السُّنّي. وبات الدمشقيّون في حالٍ لا يُطاق، والكلُّ يُخبِرك أنّ العيش هنا أصبح من شبه المستحيل.

أيّها الدمشقيّون: إنّ الدلائل كثيرة، ولا تتّسع لها الصفحات، ونتائج تحليلها وربطها تقودنا إلى أنّ المشروع يطال أبناء دمشق ومحيطها بكلِّ أطيافها ومكوّناتها، ولا يستثني أحدًا، وذلك لمصلحةٍ غربيّةٍ وغُرباء. ولا يُفشِل مخطّطهم ولا يحفظ حقوقكم إلّا وحدتُكم وتكافلُكم بعضكم مع بعض، وقتلُكم رأسَ الأفعى والانقضاض عليها، ألا وهي الطائفيّة البغيضة والتمذهُب المقيت.

يا أبناءَ دمشق، لا تَستَهونوا فَتُهانوا، ولا تركَنوا إلى سُلطةٍ لا تعرف ميثاقًا معكم، ولا يعنيها أمركم. سلطةٌ أوجَدَها مُشغِّلون غريبون عنكم لتعمل لمصالحهم العميقة القذرة، بينما تُرمَون أنتم إلى التهلُكة.

أيّها الدمشقيّون، أبناء المليحة وجَرمانا وعقربا وببيلا ويلدا والحَجَر الأسود والقدم، أبناء داريا والمعضمية والمزة، أبناء بَرزة والقابون وجوبر وعَين ترما… كُلُّكم، وما تحتضِنون بينكم من أسماءٍ لمناطق تتعدّد أسماؤها لكن تجتمع كلُّها في الانتماء لدمشق، كلكم موضوعون في خانة “التغيير الديمغرافي” الذي، ما إن تتمَّ بعضُ الأمور للمُشغّلين الأساسيّين، حتّى يضغطوا على زرِّ تفجيره.

ولا مَفرَّ لكم من تفادي ما يُحاك لكم إلّا بوقوفكم بعضُكم مع بعض في وجه سلطة العصابة الجولانيّة ودواعشها الإجراميّة.

قفوا سوريّين، رافضين لكلّ ما نتج وينتج من أداء تلك العصابة. تكاتفوا وتعاضدوا، ولا تسمحوا بالتفريق بينكم باسم مذهبٍ أو إيمان، ولا تركنوا لشرعٍ وهابيّ في تفسير حديثٍ واستغلالِ قرآنٍ كريم، ولا لشرعٍ داعشيّ في قصرٍ يتلطّى خلف سلطةٍ لا شرعيّة لها إلّا السطو والسلب.

فإن لم تقفوا وتتكاتفوا وتكونوا رجلًا واحدًا في وجه تلك العصابة، أُنذِركم – يا أبناء شعبي – أنّكم لن يكون لديكم وقتٌ لحَزم أمتعتكم أو أخذ أغراضكم الخاصّة، ساعةَ لا ينفع النَّدم. فلا يغرّنّكم عناوينُهم في إعلامهم، ولا تكونوا من المُغرَّرين.

واللهم إنّي قد بلَّغت.

التاريخ 9 ايلول 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى