
انطلقت الأحد الماضي ورشة توسعة مركز الجيش اللبناني في تلة النبي عويضة، الواقعة بين العديسة وكفركلا شرقاً والطيبة غرباً. هدير الجرافات والآليات في محيط المركز الصغير أثار قلق الأهالي، حتى أنّ البعض ظنّ للوهلة الأولى أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي تسلّلت إلى التلة الواقعة مقابل تلّتي مسكفعام والحمامص المحتلّتين. لكن ما لبث أن تبيّن أنّ الورشة تجري بإشراف وتمويل بريطانيين. وبحسب مصادر مطّلعة، «تكفّل البريطانيون ببناء وتحصين مركز جديد للجيش اللبناني في تلة العويضة، بديلاً عن المركز الحالي المتواضع، وتأهيل مركز فوج التدخّل الخامس في بلدة كفردونين».
وتأتي هذه الخطوة في سياق خطة أمنية – عسكرية البريطانية أوسع، بدأت بتشييد أبراج مراقبة عند الحدود الشرقية مع سوريا، وشملت لاحقاً تسيير طائرات مسيّرة للمراقبة والرصد فوق بيروت الكبرى. وبعد فشل مشروع تشييد أبراج مشابهة على الحدود مع فلسطين المحتلة، بسبب «فيتو» أميركي في إطار التنافس بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا – أخذت الخطة مساراً بديلاً عبر تجهيز مراكز الجيش اللبناني جنوباً وتحصينها. وبذلك، انضمّت بريطانيا إلى نادي الدول الفاعلة ميدانياً جنوب الليطاني، رغم أنّ مساهمتها في قوات الـ«يونيفل» رمزية، وتقتصر على جنديين اثنين فقط. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول أهدافها، خصوصاً في ظلّ الحديث المتجدّد عن مقترحات انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من بعض النقاط الخمس الحدودية مقابل نشر قوات دولية معزّزة، أو حتى قوات أميركية أو فرنسية بديلة.
غير أنّ مصادر مطّلعة تؤكّد أنّ التحرك البريطاني «يقتصر رسمياً على دعم الجيش اللبناني»، مشيرة إلى أنّ إسرائيل «لن توافق على أن تحلّ أي قوة مكانها، ولا تُظهر أي نيّة بالانسحاب على المدى المنظور».
وفي وقت تتعزّز فيه مظاهر الوصاية الدولية على الجنوب، يواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته اليومية التي تحوّلت إلى «روتين» لا يثير أي ردّ فعل رسمي، سواء من الـ«يونيفل» أو من لجنة الإشراف على تنفيذ القرار 1701. هذا الواقع الميداني يتقاطع مع العدّ العكسي لتقرير مصير ولاية الـ«يونيفل» المقرّر مراجعته في نهاية آب المقبل.
ووفق المعلومات المتداولة، فإنّ احتمال عدم التجديد لقوات حفظ السلام، يبقى وارداً. علماً بأنّ قرار خفض عديدها كان قد بدأ فعلياً منذ نحو شهر. وفي هذا السياق، يُسجَّل غياب أي إعلان رسمي حتى الآن بشأن موعد وصول بعثة إدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة، التي دأبت على إرسال وفد تقني لتقييم المهمة قبل كل دورة تجديد.
ويُذكر أنّ مجلس الأمن جدّد ولاية الـ«يونيفل» لمدّة ستة أشهر فقط بعد تحرير الجنوب عام 2000، وخفّض عديدها آنذاك من نحو 11 ألف جندي إلى ما يقارب 2000، قبل أن يعاد تعزيزها عقب عدوان تموز 2006. وفي حال حُسم أمر التجديد نهاية الشهر المقبل، فإنّ توسيع صلاحيات الـ«يونيفل»، ولا سيّما حرّية الحركة من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، سيصبح أمراً واقعاً ومكرّساً ميدانياً، في ظل صمت سياسي لبناني لافت.
ومنذ تسلُّم الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا قيادة الـ«يونيفيل» قبل نحو شهر، يُسجَّل غيابٌ شبه تام لقيادتها عن المشهد الميداني. هذا الغياب، أو التغييب، لا ينطبق على جميع مكوّنات القوة الدولية، إذ يبدو أنّ الوحدة الفرنسية تنشط على نحو لافت وبمعزل عن التنسيق مع الجيش اللبناني. فعلى نحو شبه يومي، يقوم عناصر هذه الوحدة بعمليات توغّل داخل الأودية والأحراج في مناطق مختلفة جنوبي الليطاني، من دون أي مواكبة من الجيش، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة مهمّاتها وحدود صلاحياتها. وتزامناً، جال وفد عسكري فرنسي، الجمعة الماضي، في عدد من المناطق المحاذية للحدود، في خطوة تضاف إلى سلسلة تحرّكات فرنسية منفصلة في الجنوب.