ندوة لـ«جمعيّة إدراك» بعنوان «الانتحار في لبنان: أين نحن؟»
ثمة حاجة إلى توضيح أكبر لدور الطبيب الشرعي ومسؤوليته وأين تبدأ مهمته وأين تنتهي
أظهرت دراسات تناولها خبراء مشاركون في ندوة عن الانتحار في لبنان نظّمتها «جمعيّة إدراك» مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي بالتعاون مع دائرة الطبّ النفسي وعلمه في «مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي» وكليّة الطبّ والعلوم الطبّية في «جامعة البلمند»، أنّ نسبة محاولات الانتحار في لبنان هي 2 في المئة من إجمالي عدد السكّان، تُقارِب معدّل نسب محاولات الانتحار في 17 بلد وهي 2.7 في المئة، غير أن الأرقام المتعلّقة بالانتحارات المكتملة، والتي تنشرها «منظّمة الصحّة العالميّة»، تضع لبنان في مراتب منخفضة وبعيدة من المعدّل العالمي وهو 0.2 في المئة في لبنان مقارنة بـ1.4 في المئة عالمياً. وكشف المديرون العامون لوزارات الصحة والداخلية والعدل عن جهود مشتركة بين وزاراتهم لتحديث القوانين وتحسين آليات التبليغ عن الوفيّات، وتوحيد وثائق الوفاة، وتحديد دور الطبّ الشرعي فيها، وشدّدوا على أهمية الوقاية من الانتحار بتوفير خدمات الصحة النفسيّة وإنشاء خطّ ساخن للانتحار.
شارك عدد من المتخصّصين، من أطباء نفسيّين ومحاضرين جامعيين ورجال دين وقضاة ومسؤولين في هيئات أهلية وجهات حكومية معنيّة ومنظمّة الصحّة العالميّة، في الندوة التي نظمتها «إدراك» في مقرّ «جامعة البلمند» في الأشرفيّة، بعنوان «الانتحار في لبنان: أين نحن؟»، تضمّنت عرضاً لوضع الانتحار في لبنان، من حيث نسبته، وسبل توثيقه، وووسائل الوقاية منه.
لبنان قريب من النسب العالمية
بعد كلمة افتتاحية لرئيس «إدراك» الدكتور إيلي كرم، عُقِدَت الجلسة الأولى التي أدارها مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور ربيع شمّاعي، ورئيس «جمعية الطبّ النفسي اللبنانية» الدكتور وديع نجا، وتحدّث فيها كرم عن موضوع انتشار السلوك الانتحاري في العالم وفي لبنان.
وقال كرم: «إنّ الأرقام المتعلّقة بالانتحارات المكتملة والتي تنشرها منظّمة الصحّة العالميّة تضع لبنان في مراتب منخفضة وبعيدة من المعدّل العالمي أي حوالي 0.2 في المئة في لبنان مقارنة بـ1.4 في المئة عالمياً».
عوامل خطر الانتحار في لبنان والعالم
أمّا عضو «إدراك» الدكتور جورج كرم، فتناول عوامل «خطر الانتحار في لبنان والعالم»، وشرح أنّ الانتحار يشكّل مصدر قلق كبير في مجال الصحة العامة، موضحاً أن ثمّة عوامل خطر عدّة من شأنها أن تؤدّي إلى السلوك الانتحاري، بينها عوامل خطر خصوصاً في لبنان والشرق الأوسط.
وقال: «الدراسات التي أجريناها أظهرت تفاعُل السلوك الانتحاري مع المزاج، وارتباطه الواضح بعدد من عوامل الخطر، كالأمراض النفسيّة لدى الأهل، ومصاعب الطفولة، وتبعات الحرب أو الأحداث التي تشكّل صدمة، إضافة إلى تأثره بالاضطرابات الذهانيّة».
كما شدّد على أنّ الترابط القويّ بين الاضطرابات النفسيّة والسلوك الانتحاري يَفترض، من منظور الصحّة العامة، ضرورة أن تركّز جهود الوقاية من الانتحار، سواء في الدول المتقدّمة أو النامية، وعلى رصد الاضطرابات النفسيّة ومعالجتها.
ما هو الخطّ الساخن؟
وتحدثت مِيا عطوي، عضو في «جمعية Embrace» فقالت: إنّ «خطّ الحياة أو الخطّ الساخن الوطني للوقاية من الانتحار، الذي أطلقته الجمعية في أيلول 2017 بالشراكة مع وزارة الصحة العامة، هو الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، يشكّلَ خطوة رئيسية نحو وضع إطار وطني للوقاية من حالات الانتحار ورصدها وبناء النظام الوطني للصحة النفسيّة.
وتابعت: «إنّ الخطّ الساخن الذي لا يزال في عامه الأول، يفتح أبوابه لتلقي الاتصالات على مدى 14 ساعة يومياً، من الساعة الثانية عشرة ظهراً لغاية الساعة الثانية صباحاً، على أمل أن يعمل على مدار الساعة وأيام الأسبوع في مرحلة لاحقة».
بين التبليغ ودور الطبّ الشرعي
ثم عُقِدَت جلسة ثانية بعنوان «الانتحار والتبليغ عن الوفيّات في لبنان»، أدارتها رئيسة قسم الأوبئة والصحة السكّانية في كلية الصحة العامة في «الجامعة الأميركية» في بيروت الدكتورة عبلة سباعي حيث أشارت إلى أنّها أجرت في العام 2002 دراسة عن أسباب الوفاة، وتبيّن معها خلال المقابلات مع أهالي المتوفين، ومراجعة السجلات الرسميّة، أنّ وثائق الوفاة تفتقر إلى الدقّة.
ثم تحدّث رئيس محكمة الإستئناف في بيروت القاضي جون القزّي عن كيفيّة تحسين وتحليل أسباب الوفاة في لبنان، حيث تطرّق إلى الوضع الحالي للتبليغ عن أسباب الوفاة والانتحار في لبنان من وجهة نظر قانونيّة، وقدّم وسائل تحسين ممكنة له.
«بيانات الانتحار: همّ وطني»
بعد ذلك، أقيمت حلقة نقاشية بعنوان «بيانات الانتحار: همّ وطني»، أدارها القاضي رالف رياشي والدكتور إيلي كرم، تحدّث خلالها كلّ من المدير العام لوزارة الصحّة الدكتور وليد عمّار والمدير العام للأحوال الشخصيّة في وزارة الداخليّة والبلديّات العميد الياس خوري والمديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم نويري عن أدوار وزاراتهم في ما يتعلّق بالانتحار.
وزارة الصحة: هدفنا الوقاية لا التعداد
وقال عمّار إنّ موضوع الانتحار يتطلّب تعاون جهات رسميّة وصحيّة عدّة في القطاعين العام والخاص. فوزارة الصحة تهتم بالانتحار من أجل الوقاية وليس للتعداد رغم أهميّته كونه يساعد في الوقاية والعلاج.
وزارة الداخلية: لوثيقة وفاة موحَّدة
أما العميد خوري، فأشار إلى أنّ ثمة 25 خانة يجب ملؤها في وثيقة الوفاة، وحالياً ثمة ثلاثة أطراف تعمل عليها لتصل إلى دوائر الأحوال الشخصيّة، وهي المختار الذي يُعتبَر اللاعب الأساسي ولديه 15 خانة يجب أن يملأها، والطبيب الذي يملأ ستّ خانات في الوثيقة، وفي النهاية مأمور النفوس. وكشف أن ثمة توجّهاً للإتفاق مع المخاتير على وثيقة وفاة موحّدة قريباً.
وزارة العدل: لتوضيح دور الطبيب الشرعي
ورأت نويري أنّ القوانين القديمة بحاجة من دون شكّ إلى تعديل وتحديث، لكنّ ذلك لا يحول دون إمكان القيام بما يجب في ظلّ القوانين الحالية، سواء من خلال التفسير أو الرجوع إلى المعاهدات الدوليّة والمبادىء العامة كحقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يقوم به القضاة ووزارة العدل.
وتابعت: «ثمة حاجة إلى توضيح أكبر لدور الطبيب الشرعي ومسؤوليته وأين تبدأ مهمته وأين تنتهي. ويجب أن تتفق الجهات المعنيّة على ما إذا كانت وثيقة الوفاة يجب أن تتضمّن بياناً من الطبيب الشرعي، وفي حال تم اعتماد هذا الخيار، ينبغي التفريق بين هذا البيان وبين التقرير الذي يضعه الطبيب الشرعي لاحقاً عندما تتوافر لديه كل المعلومات اللازمة لكي يكون تقريراً علمياً دقيقاً يمكّن القاضي من توصيف الفعل الذي ينظر فيه».