اخبار عربية ودوليةالرئيسية

بريطانيا على خُطى فرنسا: أفق الاعتراف بفلسطين يتوسّع

خضر خروبي - الأخبار

في سياق التمهيد لمؤتمر مزمع عقده في أيلول المقبل، غرضه توسيع هامش الاعتراف بـ«دولة فلسطينية»، اختتم أمس، مؤتمر «التسوية السلميّة لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين»، والذي استمر يومين، برئاسة مشتركة فرنسية – سعودية، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وجاء ذلك وسط مقاطعة أميركية وإسرائيلية، لا سيّما وأنّ الوثيقة الختامية للمؤتمر شدّدت على أهمية «تأكيد الالتزام بحل الدولتين، بحدود آمنة ومعترف بها»، وأن يُصار إلى «تضمين تعهّدات دول أخرى مستعدّة للاعتراف بالدولة الفلسطينية»، وهو ما أكّده وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان.
وعلى غرار اليوم الأول، تناوب على الحديث مندوبون ووزراء خارجية العشرات من البلدان المشاركة في المؤتمر، ممّن توزّعوا على لجان عمل مختلفة لصياغة الوثيقة الختامية، كان من أبرزهم وزير خارجية جنوب أفريقيا، والمبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، ونظيره الياباني، فضلاً عن وزراء خارجية من دول عربية وإسلامية، كالكويت، وتركيا، ودول من أميركا اللاتينية، كتشيلي، وكولومبيا، وبوليفيا، إضافة إلى آخرين من دول أوروبية، كبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وأيسلندا، التي تعدّ من أوائل دول أوروبا الغربية التي اعترفت بدولة فلسطين. ومع أنّ معظم الكلمات كرّرت «لازمة» «حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة»، ورفض التعنّت الإسرائيلي في استبعاد الحلول الدبلوماسية مع الفلسطينيين، فإنّ أبرز المواقف خلال المؤتمر، جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، حين أشار إلى جدّية بلاده في دعم ما سمّاه «حل الدولتين»، منتقداً موقف حكومة بنيامين نتنياهو الرافض لهذه الصيغة، بوصفه موقفاً «مخالفاً للصواب»، و«خطأً أخلاقياً وإستراتيجياً». وإذ أعرب لامي عن انزعاج لندن من تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، وشكواه من تشديد تل أبيب حصارها على القطاع، فقد تعهّد بـ«(أننا) سنعترف بدولة فلسطينية في أيلول، إلا إذا أنهت إسرائيل الوضع في غزة وقبلت بسلام طويل الأمد»، معرباً عن أمله في «أن يسهم الاعتراف بدولة فلسطينية في التأثير على أرض الواقع، وأن يؤدّي إلى وقف إطلاق النار».

مواقف وزراء خارجية دول مثل ألمانيا وإيطاليا بدت أكثر انسجاماً مع «الرؤية» الإسرائيلية

على أنّ المؤتمر لم يخلُ من تشويش أميركي- إسرائيلي عكسته تصريحات متتابعة صادرة عن كل من واشنطن وتل أبيب، لاحت طلائعها من تصريحات لمسؤولين في الخارجية الأميركية، وصفت مؤتمر نيويورك، بأنه «هدية لحماس»، و«حيلة دعائية»، مع التشديد على أنّ الولايات المتحدة «لن تدعم أي إجراءات تُقوّض آفاق التوصل إلى حل سلمي طويل الأمد للصراع»، وفق تعبيرهم. وتقاطع ذلك مع ما صرّح به وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، من أنّه «لن تقام دولة فلسطينية»، وأنه لا توجد قوة خارجية ستجعل إسرائيل «تضحي بأمنها»، وأيضاً مع كلام السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الذي رأى أنّ المؤتمر «يعزّز الوهم ولا يشجّع على حلّ».
وكرّت سبحة المواقف الأميركية الإسرائيلية الرافضة للمبادرة الفرنسية، التي تكتسب دعماً عربياً وأوروبياً واسعاً، خلال الساعات الماضية، مع إعلان رئيس وزراء بريطانيا، كير ستارمر، نيّة بلاده الاعتراف بـ«الدولة الفلسطينية» بحلول أيلول المقبل، رغم تمسّكه بما وصفه بـ«الدعم الثابت لأمن إسرائيل». إذ حذّر السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكابي، في مقابلة مع «فوكس نيوز»، من أنّ «فرنسا والمملكة المتحدة ترتكبان خطأ فادحاً بالتوجّه إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، لكون ذلك سيعدّ تشجيعاً لحركة حماس، وتقويضاً لعملية السلام»، قائلاً إنّه «إذا كان الرئيس الفرنسي يرغب بشدّة في دولة فلسطينية، فليأخذْ جزءاً من منطقة الريفييرا الفرنسية ويمنحه لهم»، معتبراً أنّ الفرنسيين «لا يفعلون شيئاً». بدوره، علّق الرئيس الأميركي على كلام ستارمر، بالقول إنّه لم يتناقش مع رئيس الوزراء البريطاني في هذا الشأن. ووضع ترامب لندن وباريس ضمن الخندق ذاته، مشيراً إلى أنّ ستارمر وماكرون يتبيّنان الموقف ذاته تجاه إسرائيل، وأنّ الولايات المتحدة «لا تنتمي إلى هذا المعسكر». وفي الاتجاه نفسه، دانت وزارة الخارجية الإسرائيلية موقف بريطانيا، معتبرة أنّه «يضرّ بجهود التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار واستعادة الأسرى».
وإذا كانت رياح موقف لندن، قد بدت بشكل أو بآخر معاكسة لاتجاهات التشويش السياسي والإعلامي من جانب واشنطن وتل أبيب على أعمال المؤتمر، إلّا أنّ مواقف وزراء خارجية دول مثل ألمانيا وإيطاليا بدت أكثر انسجاماً مع «الرؤية» الإسرائيلية، المؤيّدة أميركياً، تجاه «حل الدولتين»، عبر اشتراطها أن يكون الاعتراف بـ«الدولة الفلسطينية» مقروناً باتفاق مسبق بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أمّا على مستوى المنظمات الإغاثية والإنسانية الدولية، فبرزت من بين مواقفها دعوة المكتب الإقليمي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى رفض ما سمّاه «الابتذال المتكرّر حول حل الدولتين»، واعتباره أنّ ذلك لا يكفي لوقف «الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة». وطالب المكتب الحكومات المعنيّة باتخاذ إجراءات ملموسة، منها فرض عقوبات، وحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، واعتماد تلك الإجراءات كجزء من الإستراتيجية الدولية لإنهاء الأزمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى