يستمر الترقب لرد ايران على الكيان الاسرائيلي بعد اغتيال اسماعيل هنية في طهران، وسط تفسيرات متضاربة لسبب التأخير في تنفيذه حتى الآن، علما ان المسؤولين الإيرانيين يؤكدون ان الرد آت في الوقت المناسب ولا مفر منه.
من الواضح ان طبيعة الاستهداف الذي تعرضت له إيران، عبر اغتيال احد ضيوفها من قادة محور المقاومة، لا تسمح لها بغض الطرف عما حصل، مع أخذها في الحسبان أن رد فعلها لا يجب أن يكون انفعاليا ومتهورا.
وغالب الظن، ان إيران لا يمكنها ان تقبل بخفض سقفها الى ما دون الارتفاع الذي كان عليه في نيسان الماضي حين هاجمت الكيان بموجة كبيرة من الصواريخ والمسيّرات ردا على العدوان الاسرائيلي على قنصليتها في دمشق.
يومها، اعتبرت طهران انها صححت الخلل في توازن الردع مع تل أبيب، وأدخلت الى الخدمة معادلة استراتيجية مرتكزة على قاعدة “الضربة بضربة”، بغية منع “إسرائيل” من التمادي في استهداف كل ما يتصل بسيادة إيران وامنها القومي.
بهذا المعنى، فإن اي “تسامح” إيراني حيال اغتيال هنية في اراضي الجمهورية الإسلامية سيعني التفريط بانجاز نيسان المفصلي وعودة عقارب الساعة الى ما قبل ليلة الهجوم الكبير على الكيان وما رتبته من مفاعيل استراتيجية على مستوى إدارة النزاع، الأمر الذي سيسمح لنتنياهو باستعادة زمام المبادرة وسيمنحه حرية استباحة الخطوط الحمر عندما يريد، من دون التقليل في الوقت نفسه من شأن العامل المعنوي وتأثيره بالنسبة إلى القيادة الإيرانية التي تشعر انها معنية بـ”رد الاعتبار” والثأر لكرامتها، الى جانب الدوافع الأخرى.
بناء عليه، فإن الانطباع السائد لدى القريبين من طهران هو انها ملزمة بالرد عاجلا ام آجلا، وبالتالي لا نقاش في اصل هذا الخيار، أما ما يخضع الى البحث فهو حجم الضربة وتوقيتها ربطا بحسابات دقيقة تجريها الجمهورية الإسلامية.
ويميل المواكبون لهذا النقاش الى التقدير بأن إيران ستحاول حياكة “سجادة” الضربة المضادة على نحو دقيق، يجمع بين الفعالية من جهة والحكمة من جهة أخرى، بحيث لا يؤدي إلى الانجرار نحو حرب شاملة لا تزال القيادة الإيرانية تفضل “تأجيلها”، استنادا إلى الاعتبارات الآتية:
ـ تعرف طهران ان نتنياهو يسعى الى جر واشنطن في اتجاه مواجهة مباشرة معها، بالنيابة عنه، وهي لا تريد أن تقدم له مثل هذه الهدية ولا ان تخوض الحرب على توقيته.
ـ ان المعركة الاساسية بالنسبة إلى إيران هي تلك التي تدور داخل فلسطين في قطاع غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي اي توسيع متهور لها سيصرف الانظار عن القضية الاصلية التي تتمثل في مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وتوقه الى الحرية والعدالة.
ـ ان التدحرج الى حرب شاملة سيغطي على مأزق نتنياهو في غزة حيث عجز بعد أحد عشر شهرا من القتال عن تحقيق “النصر المطلق”، فلا استطاع القضاء على “حماس” ولا تمكن من استعادة الأسرى، وهو سيكون المستفيد الأكبر من توسيع بيكار الحرب للتمويه على اخفاقه في الميدان المركزي وللاستقواء بالاميركي من أجل تغيير موازين القوى في المنطقة.
ـ ان طهران، وهذا الأهم، ستحاول قدر المستطاع تفادي الانزلاق الى الحرب الشاملة قبل أن تكون قد استكملت كليا مشروعها النووي الذي كان نتنياهو، ولا يزال، مسكونا بهاجسه ويسعى الى التخلص منه بكل الوسائل الممكنة.
ويفيد المطلعون ان موسكو نصحت كذلك طهران بأن لا تعطي نتنياهو اي ذريعة لاستدراجها الى مواجهة واسعة في الإقليم، الأمر الذي يتطلب منها الالتفات الى ضرورة أن يكون ردها مدروسا.