بعد التجربة الفرنسية: «الخماسية» إلى «رباعية» فـ«ثلاثية»؟
جورج شاهين - الجمهورية
تواجه المجموعة «الخماسية» العربية والدولية» في خطتها الجديدة لمقاربة الأزمة الدستورية اكثر من استحقاق. فإلى المهمّة الصعبة التي سبقها اليها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سعياً الى قواسم مشتركة، تواجه معضلة شبيهة، في التوصل الى آلية واضحة تقود الى جلسات متتالية لانتخاب الرئيس. فهي إلى فقدانها رؤية واحدة وشاملة زادت من حدّتها ازمة المنطقة وحرب غزة وانعكاساتها على أداء حكومات بلدانها. وعليه هل ستنجح في مهمّتها ام انّها تبحث عن إنقاذ نفسها؟
مهما تعدّدت الروايات التي تتحدث عن موقف واحد لسفراء «الخماسية»، وما يُبنى عليه من تفاهم عميق بين اطرافها، فإنّ الشكوك تحوط بها، وخصوصاً لجهة سبل الحدّ من تطورات الأزمة الداخلية ولجم انعكاساتها، كما بالنسبة الى أولويات الخطوات المطلوبة من اللبنانيين للدفع في اتجاه إتمام الاستحقاق الدستوري، المتمثل في خطوته الأولى بانتخاب رئيس الجمهورية واستكمال عقد المؤسسات الدستورية، قبل ان تنحو الى مزيد من التعقيد. ولذلك لن يكون صعباً إبراز العكس امام المتابعين لأدق التفاصيل. ذلك انّ من بينهم كثراً ممن ينتظرون لبعض الوقت لـ«تكذب المياه الغطاس»، وتحديداً عند ظهور كل النتائج التي انتهت إليها جولتها الاولى على القيادات السياسية والحزبية والروحية، بحيث سيكون هناك مزيد من الوقت في انتظار الجولة الثانية منها المؤجّلة الى أوائل نيسان المقبل.
على هذه الخلفيات تعمّقت مراجع سياسية وديبلوماسية، تتعاون في إطار المساعي الجارية لترتيب مخارج يمكن تنفيذها، في قراءة المشهد السياسي الداخلي، فرأت في الجولة الأولى من تحرّك السفراء الخمسة أنّها جاءت تكراراً لتجربة فاشلة سبقهم إليها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، عندما وجّه في الرابع عشر من آب 2023 رسائله الشهيرة عبر الأمانة العامة لمجلس النواب، الى القيادات اللبنانية وفق تصنيف فرنسي دقيق، حصر من خاطبهم بـ15 شخصية من رؤساء الكتل النيابية، دعاهم فيها الى اعطاء «أجوبة خطية» عن مجموعة من الاسئلة «المفاتيح» التي تمكّنه من رسم مبادرة تجمع اكبر مقدار ممكن من القواسم المشتركة التي يمكن استخراجها تمهيداً للانتقال الى مرحلة جديدة.
وفي النظر الى ما انتهت اليه «التجربة الفرنسية» وما اصابها من فشل، تتطلّع هذه المراجع الى المبادرة الجديدة للخماسية وتتوقع لها النتيجة نفسها. فلودريان الذي حصل على مجموعة من الردود اكتفى بها طالما انّ من لم يجبه كان على مقدار واضح من الصراحة معه من قبل. فاعتبر نفسه انّه حصل على اجوبة الجميع، ولكنه لم يتمكن من إتمام المهمّة لعدم توافر ما يمكن الانطلاق منه والتأسيس عليه للمستقبل. فزار بيروت مرّة واحدة عقب تلك المحطة وغاب عنها مقتنعاً بعدم جدوى اي محاولة.
ومردّ هذه المقارنة ـ تضيف المراجع عينها – انّ سفراء الخماسية طرحوا على كل من زاروهم في الايام القليلة الماضية الاسئلة عينها التي جمعها لودريان في رسائله السابقة، ولم يجترحوا اي تفصيل او سؤال جديد. ذلك انّ الأزمة ما زالت تراوح مكانها منذ الجلسة الثانية عشرة في 12 حزيران العام الماضي، وانّ المواقف ما زالت على حالها ولم تتبدّل في الاتجاه الذي يمكن ان يُبنى عليه اي جديد. لا بل فإنّ من بين الشخصيات التي زارتها المجموعة الديبلوماسية كان أكثر صراحة من قبل، فأصرّ على ضرورة البحث عن الحل في مكان آخر. وفي الوقت الذي اشار بعضهم الى انّ الحل الدستوري يقول بالعودة الى تطبيق المادة 49 من الدستور، التي تتحدث عن آلية انتخاب الرئيس في «جلسة نيابية عامة تليها دورات متتالية الى حين انتخابه» ولا حاجة لطاولة حوار او تشاور ولا الى التوافق المسبق على اسم الرئيس ليتمّ إسقاطه في صندوقة الاقتراع. كما توجّس البعض من محاولة استغلال طاولة الحوار لفرض شروط جديدة لا مجال للبحث فيها، في ظل فقدان التوازن الداخلي نتيجة إصرار البعض على استثمار ما يسمّيه انتصارات قد تحققت في المنطقة، ولا بدّ من ترجمتها لبنانياً بخطوات دستورية.
كان ذلك طبيعياً، ذلك انّ الجولة التي قام بها سفراء الخماسية وباستثناء لقائهم بالرئيس نبيه بري، اقتصرت على مجموعة من لون واحد. فلم يتمكنوا من نيل اي تغيير في موقف البطريرك الراعي الذي كان أكثر وضوحاً من قبل لتمسّكه بالدستور ورفضه كل أشكال الأعراف والسوابق التي يسعى البعض الى تكريسها. كما بالنسبة الى اللقاءات الأخرى مع كل من الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، كما الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي عبّر في شكل من الأشكال عن انّ القرار في كتلة «اللقاء الديموقراطي» التي يرأسها نجله النائب تيمور جنبلاط.وعليه فقد تعزّز الاقتناع لدى بعض أعضاء المجموعة الديبلوماسية، بأن لا تقدّم يمكن ان تحرزه، بعدما عبّروا عن مخاوفهم مما يمكن ان تقود اليه الجولة الثانية التي أُرجئت حتى مطلع نيسان المقبل. ومردّ قلقهم انّ الوفد لن يبقى خماسياً. وهو يستند في اعترافاته الى ما هو معلوم لدى جميع المتعاطين بالملف، فعند اصرار بعض اعضائها – ويعتقد انّه السفير الفرنسي ومعه المصري ضمناً – على أهمية ان تكون الجولة كاملة بزيارات تشمل كلًا من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، لقي اعتراضاً من الجانب الاميركي على الزيارتين، ومن الجانب السعودي على زيارة الضاحية الجنوبية، وبات على «الخماسية» ان تتحول الى «رباعية» في زيارتها الى «البياضة» وثلاثية في زيارة «الضاحية الجنوبية».
وعلى الرغم من مجموعة الملاحظات التي تعدّت الشكليات، ثمة مشكلة حقيقية لا بدّ من التوقف عندها، فإنّ بعضاً من أعضاء اللجنة يخشى من مبادرات تُنسج من خارجها. وان لم يدخل في الأسماء فهو يتوجس من التحرك الاميركي الذي أوحى بموافقته على الربط بين وقف النار في غزة والوضع في لبنان، بما فيه الشق الرئاسي بعد الأمني، وهو يتلاقى الى حدّ بعيد من نظرة «الثنائي الشيعي» الى طريقة مقاربة الاستحقاق من دون ان يخفي قلقه من الحراك القطري السرّي والمتفرّد في بعض الخطوات. وكلها عناصر تؤدي الى إضعاف جبهة «الخماسية» التي ومهما أبدى اعضاؤها من حرص على إنجاح مسعاها، وتعددت تصريحات السفير المصري الذي يبدو انّه يتحمّل مسؤولية الناطق الرسمي باسمها.
وما زاد في الطين بلّة انّ الحراك قد جُمّد لاسباب تتصل بمغادرة سفراء المملكة العربية السعودية وقطر ومصر بيروت في اليومين المقبلين، لقضاء عطلة عيد الفطر في بلادهم، وهو ما سيعطي فرصة اضافية لتقييم النتائج المرتقبة على مستوى «إنقاذ وحدتها» قبل «إنقاذ اللبنانيين» علماً انّه وان واصلت اللجنة جولتها، فما الذي يمكن ان تجنيه من لقاءاتها مع «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» والكتل النيابية الاخرى، فهي ما زالت على مواقفها المعلنة التي لا تنبئ سوى بمزيد من الإنتظار، وربما كان انتظاراً طويل الأمد، إن فشلت المساعي في ترتيب وقف للنار في غزة. ومن قال انّ هذا الاتفاق سينعكس ايجاباً على الوضع الأمني في جنوب لبنان قبل ان يشمل الاستحقاق الدستوري.