سلفيو «عين الحلوة» يراجعون أدبياتهم
بعدما قاتلوا في كل أصقاع الأرض ونسوا بيت المقدس قرروا أن وجهتهم، اليوم، «ستكون القدس وحدها»
قرّرت قيادات سلفية بارزة في مخيم «عين الحلوة»، ارتبطت بتنظيمي «جبهة النصرة» و«القاعدة»، إعلان «مراجعة» أدت إلى اتخاذ قرار «بتصويب البندقية باتجاه الصهاينة في فلسطين المحتلّة». يُريد هؤلاء السلفيون الجهاديون دحض التهمة التي التصقت بهم طوال السنين الماضية.
وبعدما قاتلوا في كل أصقاع الأرض ونسوا بيت المقدس، قرروا أن وجهتهم، اليوم، «ستكون القدس وحدها». لماذا الآن؟ هل يرتبط هذا القرار بالقيادة المركزية لتنظيم القاعدة؟ ماذا عن الصراع بين جبهة النصرة وقيادة «القاعدة» على الساحة السورية؟ هل مراجعتهم مرتبطة بالنكسة التي مُني بها تنظيم الجهاد العالمي على أرض الشام، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من إقامة دولته في سوريا، بانشقاق أبو بكر البغدادي عن القاعدة، ثم ابتعاد الجولاني عن التنظيم الأم، في ظل الصراع على الترِكة؟ وهل نشهد قريباً عمليات استشهادية في العمق الفلسطيني بتوقيع هؤلاء «الجهاديين الجدد»؟
على عجل، طلب أحد مشايخ السلفيين الجهاديين الشيخ أسامة الشهابي، اجتماعاً طارئاً في عين الحلوة. «الموضوع في غاية الأهمية»، قالها الرجل عبر الهاتف. في اليوم التالي، جرى اللقاء ليلاً. داخل منزله المتواضع في حيّ الصفصاف، تحت رسم لبيت المقدس تظلله رايات الإسلام، جلسنا جنباً إلى جنب مع المرشد السابق لـ «تجمّع الشباب المسلم» الشيخ جمال حمد المشهور بـ «أبو محمد» وأسامة الشهابي الذي يحمل فكر «تنظيم القاعدة» – أسامة بن لادن وشاب ثالث يكنّى «أبو عبيدة».
الثلاثة فلسطينيون يعيشون على أمل استعادة أرضهم المحتلّة. اثنان منهما لم يغادرا المخيم منذ أكثر من عشرين عاماً بعد اتهامهما بالإرهاب. الثلاثة ينضوون ضمن مجموعة أكبر من حَمَلَة الفكر السلفي الجهادي الذين أجروا «مراجعة، وليس تراجعاً»، كما يبررون خطوتهم، والهدف منها «إعادة تصويب بوصلة البندقية».
ما الموضوع الطارئ يا شيخ؟ تساؤلٌ يجيب عنه الشهابي بأنّه «فلسطين ولا شيء سوى فلسطين». ينطق بها كمن يزفّ بشرى، كاشفاً عمّا يسميها «دراسة ومراجعة عمرها أشهر لمعاني ومباني وعقبات المشروع الذي قرروا المضي فيه».
ينطلق الشهابي من هذه المقدمة ليتحدث عن «تحوّل جديد» بشأن «أولوية أرض القتال». يتحدث عن «وجهة واحدة هي القدس وفلسطين»، قبل سوريا والعراق. يرى الشيخ الجهادي أنّ باقي الجبهات، «وإن كان محرّك انطلاقها الظلم، ونحن نعتقد بذلك، ولأجله خرجنا وخرج شبابنا، إنما لدينا يقين أنّ لأمريكا يداً في توجيه الثورات لحرف الصراع عن وجهته الحقيقية».
يشرح الشهابي أن «الجهاد في عقيدتنا ليس غاية،بل وسيلة. لا نُمانع إن سقط منا آلاف الشهداء، لكن نريد أن يكون ذلك من أجل هدف. من أجل غاية. نريد أن نأكل الثمرة، لا أن نُحرق الشجرة». يتحدث الشيخ، الذي يُعدّ من أحد رجالات «القاعدة» في «عين الحلوة»، عن خريطة طريق عملانية سيبدأ العمل بها. يتحفّظ عن الإجابة عن أسئلة ذات طابع أمني أو عسكري، لكنه يقطع بأن المشروع «سيطاول كل السُّبل».
اقترح مطلوبو الإرهاب في عين الحلوة فتح طريق لهم للذهاب إلى الجولان لتشكيل «لواء غرباء فلسطين»
لماذا قد تقرر مجموعة قيادات تحمل فكر السلفية الجهادية وتنظيم «القاعدة» فجأة أن تحوّل البندقية؟ وما هو موقف الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والسياسية من إعلان كهذا؟
تزدحم الأسئلة ليبرز بينها سؤال أساسي: هل هناك تنسيق مع القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة»؟ هل لحمزة بن أسامة بن لادن علاقة بذلك؟
السؤال الأول يجيب عنه الشيخ بأن الاتصالات مقطوعة مع قيادة التنظيم، مشيراً إلى أنّ المحرّك «ذاتي». ويلفت إلى أن الاستشارة والاستخارة شملت القيادات الإسلامية والوجوه السلفية داخل مخيم عين الحلوة. أما عن نجل أسامة بن لادن، فيردّ الشهابي بأن الشعار الذي يرفعه ابن زعيم «القاعدة» هو «مقاتلة الأميركيين أينما وُجِدوا»، لكنه يؤكد أنه لا يعلم شيئاً عن مكان وجوده وتوجهاته وأبجدياته «في الفترة الأخيرة».
«فلسطين لنا»، يقول الشهابي ويضيف: «هكذا كانت البوصلة، وهكذا يجب أن تعود». يخلُص إلى أنّ «ما قبل اليوم، لن يكون كما بعده». يتحدّث عمّا يسميه «مشروع مواجهة جديد، موجود في القلوب، لكنه يولد اليوم على أرض الواقع». لماذا الآن ياشيخ؟ وهل الهزيمة التي مُني بها مشروع «القاعدة» على أرض الشام دفعتكم إلى إجراء المراجعة لتحديد العدو؟
يردّ الشيخ بأن «فكرة قتال اليهود قديمة جداً، وكنا نحلم بأن نقاتل اليهود في مشروع كبير، لكن هذه المشاريع كلها باءت بالفشل». لكن لماذا التحول الآن بالتحديد، وليس قبل سنة أو سنتين؟ «كان هناك نوع من عدم الجرأة في التخلي عن بعض المفاهيم القديمة. نحن أهل فلسطين وأصحاب الحق والواجب شرعاً على أصحاب أهل الأرض أن يدافعوا عنها. وإن عجزوا تأتي باقي الدول لمساعدتهم».
وفي السياق نفسه، يرفض الشيخ جمال حمد ربط التحوّل بحدث بعينه، إنما يتحدث عن «نقاط تحول كبرى». يعتبر أن أبرزها «إعلان يهودية الدولة الذي يعني طرد كل من هم من غير اليهود وأن تُصبح فلسطين يهودية خالصة». يُضاف إلى هذه النقطة، قضية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، معتبراً أنّ ذلك «معناه هدم الأقصى ومعناه بناء الهيكل ومعناه أيضاً تحقيق نبوءة اليهود التوراتية بأنّ أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». يرى الشيخ حمد الذي يحمل الفكر السلفي الجهادي أنّ «هذا يعني أننا مقبلون على حرب طاحنة، ونحن ندعو المليار ونصف المليار مسلم، شباباً بمئات الملايين، ندعوهم لأخذ دورهم بتحرير فلسطين». وينطلق حمد، الذي قاتل ابنه تحت راية تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا قبل أن يعود إلى المخيم، من حديث نبوي يقول: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون»، ليعقّب قائلاً: «أدعو الشباب المسلم لكي يكون من أهل هذا الوعد ومن أهل الجهاد لتحرير فلسطين وقتال اليهود».
لماذا الآن؟ سؤال لا بدّ من إعادة طرحه، يجيب عنه حمد بالقول: «تمّ تعطيلنا تاريخياً ووُرّطنا بمسائل لا ناقة لنا بها ولا جمل. البندقية التي سنحملها منذ اليوم هي بندقية قتال المشروع الصهيوني الصليبي». وفي هذا السياق، يقول الشهابي: «سننأى عن الصراع داخل المخيم والساحة اللبنانية. سنتحوّل للدفاع عن الأقصى الأسير». من يحمل هذا المشروع غيركم أنتم؟ يجيب: «هناك الكثير من الشباب الذين كانوا ضمن الشباب المسلم، وآخرون لا يُريدون الكشف عن أنفسهم، عاهدنا أنفسنا على المضي في هذه الطريق». ويضيف الشيخ المعروف بلقب «أبو الزهراء الزبيدي»: «مشروعنا أن نقاتل اليهود لتحرير ديارنا، أولاً، نحن نسعى لتحرير فلسطين لأننا مسلمون، وثانياً، لأن الأقصى أقصانا ونحن أهل فلسطين. والأولى بنا في ظل هذه الظروف التي يسعى فيها اليهود لتهويد القدس أن تكون القبلة فلسطين وليس أي مكان آخر».
هذه الخطوة توقفت عندها الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولا سيما أنها تعدّ «تحوّلا تاريخياً في خطاب السلفيين الجهاديين» على حد تعبير أحدهم. ورغم أن المصادر تقرأ هذا التحول منذ أشهر، تكشف عن اقتراح قدمه مطلوبو الإرهاب في عين الحلوة للدولة اللبنانية طلبوا فيه فتح طريق لهم للذهاب إلى الجولان لتشكيل «لواء غرباء فلسطين». تقول المصادر اللبنانية إن هؤلاء «تعهدوا بأنهم لا يريدون التورط في المستنقع السوري، بل يريدون إعداد العدة لجهاد فلسطين الذي يرونه قريباً. لكن الدولة اللينانية رفضت هذا الطرح الذي قُدِّم في سياق صفقة تبادل مرتبطة بمعركة عرسال».
غير أن التساؤلات التي يطرحها الأمنيون تتعلق بكيفية ترجمة هذه الخطوة؟ ماذا يعني إعداد العدة، وهل سنشهد مجدداً إطلاق صواريخ بشكل عشوائي باتجاه الأراضي المحتلة على طريقة «كتائب عبدالله عزام»؟ هل يعني ذلك فتح الحدود أمام الجهاديين؟ ماذا عن حزب الله؟ هل يقاتل جنباً إلى جنب الجهاديين في وجه العدو الإسرائيلي؟
«الجهاديون الجدد» يؤكدون أنهم لن ينتهكوا السيادة اللبنانية، لكنهم يجزمون «سنقاتل اليهود جنباً إلى جنب كل من يحمل السلاح لتحرير الأقصى». هم يرون أن الحرب المقبلة ستقسم العالم إلى معسكرين، «أحدهما سيكون الصهاينة، فيما سيضم المعسكر الآخر المسلمين».
رضوان مرتضى – الأخبار