
بينما كانت معالم المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة تناقش في البيت الابيض بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو، كانت معالم مرحلة سياسية جديدة ترتسم في بيروت على خلفية احداث «صخرة الروشة»، وارتفاع حرارة «الكباش» الانتخابي، مع اقتراب «ساعة حقيقة» القانون، في ظل تعاظم الشكوك حول نوايا البعض في تطيير الاستحقاق.
وفي هذا السياق، خرج رئيس الجمهورية جوزاف عون عن صمته، وانحاز على نحو واضح لا يقبل اي التباس للمؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية، رافعا «البطاقة الحمراء» بوجه كل من حاول استهدافها، راسما «خطا احمر» تحتها ممنوع تجاوزه من قبل اي احد، معلنا دعمه لما اتخذته من اجراءات خلال اقامة فعالية الروشة الاخيرة ، باعتبار انها حمت السلم الاهلي ولم تسمح بان يحصل «ضربة كف»، معتبرا ان مهامها يقتصر على ذلك وليس اي شيء آخر.
وهذه «الرسالة» اعتبرتها مصادر سياسية بارزة ردا مباشرا على شكوك رئيس الحكومة نواف سلام، الذي كان يعتقد ان موقف قيادة الجيِش ووزير الدفاع كان منسقا مع الرئيس، الذي كان نشطا على خط الاتصالات من نيويورك، فجاء موقف عون العلني ليشير بوضوح الى انه لا يقبل المساومة في مسألتين اساسيتين: هيبة الجيش والسلم الاهلي، وقد تعامل معهما سلام بتهور، من تحويل مسألة ادارية الى «كباش» سياسي، كاد يتحول الى صدام في الشارع لولا وعي القيادة العسكرية.
وفيما كان رئيس الحكومة ينتظر دعما من الرئيس، او اقله موقفا محايدا، فالرد جاء على نحو «فج»، بحسب بعض المحيطين بسلام، الذين اعتبروا بان الرئيس عون لم يراع ابدا رئيس الحكومة الذي يشعر اليوم انه وحيد، وتقصد منح قائد الجيش وساما رفيعا بالامس، وخرج بتصريحاته العلنية على وقع زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى بعبدا، التي وصفها «بالممتازة» كالعادة.
وتوقعت تلك الاوساط، ان تترك تلك المواقف ندوبا على العلاقة بين الرئاستين الاولى والثالثة، حيث تكبر الخلافات حول كيفية مقاربة الكثير من الملفات.
العهد لن يدفع الثمن
وفي هذا السياق، يبدو واضحا ان رئيس الجمهورية لا يريد ان يدفع العهد ثمنا سياسيا لا «ناقة له فيه ولا جمل»، بعد ان تفرد رئيس الحكومة بالذهاب الى معركة لم تكن ضرورية، وهو تقصد في المراحل الاولى ابعاد موقع الرئاسة عن صخب الاحداث، لكنه اضطر الى الخروج بمواقف علنية صارمة، بعد ان حاول سلام تحميل الاجهزة الامنية وزر «دعسة ناقصة» ارتكبها في السياسة، وبعد ان خرجت وسائل اعلامية وبعض السياسيين لتهشيم صورة المؤسسة العسكرية، ما اعتبره سياسة انتحارية ستؤدي الى الفوضى في البلاد.
سلام غير مرتاح
ووفق مصادر مطلعة، لم يكن سلام مرتاحا بالامس لمواقف الرئيس، واعتبره منحازا على نحو كامل للطرف الآخر، حيث لم يسمع منه اي جملة تنتقد ما يعتبره رئيس الحكومة تقصد حزب الله كسر هيبة الدولة ورئاسة الحكومة. اما التركيز على دعم الاجهزة الامنية فقد اظهر رئيس الحكومة في موقع معاد لها، وهو «رسالة» خطيرة سيتم تأويلها على نحو سيء، خصوصا ان رئيس الحكومة كان يعول على وقوف رئيس الجمهورية إلى جانبه، في الدعوة إلى توجيه «تنبيه» إلى قادة الأجهزة والقوى الأمنية والعسكرية، لعدم منعهم إضاءة الصخرة. لكن ما حصل هو العكس.
بري يحسم الجدل
في المقابل، انهى رئيس مجلس النواب نبيه بري «عمليا» النقاش حول احتمال تعديل القانون الانتخابي، وخاطب النواب على نحو واضح خلال الجلسة التشريعة امس قائلا» ان الوقت قد حان كي يكفوا عن محاولة تغييره». وفي ذلك «رسالة» سياسية واضحة بان كل «الصخب» «والحرد» «والشعبوية»، لن تؤدي الا الى تمسكه بموقفه بعدم عرض التعديلات المقترحة على التصويت في الجلسة العامة، وما على الكتل الجادة في خوض الاستحقاق في موعده، الا ان تبدأ ببناء حساباتها على هذا الاساس.
ووفق مصادر نيابية، فان الاتجاه بات واضحا لتعليق العمل بانتخاب المغتربين للنواب الـ6 في الخارج، وذلك لانعدام جهوزية المراسيم التطبيقية التي تنظم العملية الانتخابية، وسيكون على المنتشرين الراغبين بالمشاركة في الانتخابات الحضور الى لبنان اذا ارادوا التصويت.
معركة عـ«المكشوف»
فالمعركة باتت تخاض على المكشوف، كما تقول تلك الاوساط، خصوم «الثنائي» يريدون خرق البلوك الشيعي، عبر الرهان على تصويت الخارج الذي يصب نظريا لمصلحتهم لانعدام تكافؤ الفرص، وهو ما لن يسمح به الرئيس بري الذي يدرك جيدا ان المسألة بمثابة «اطلاق للنار» على الرأس، ومن هنا يمكن فهم ما قاله امام بعض الزوار بان التعديل لن يمر الا «فوق جثته».