
لا تزال الحرب المارونية ـ المارونية مستعرة ، وتطاول شظاياها المسيحيين وتالياً اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية. ولم تفلح بكركي في لجم هذه الموجة غير المسبوقة التي تدفع كل طرف ماروني إلى إلغاء آلاخر سياسياً واستئصال نزعة الانتقام لديه أو الاقل الحدّ منه. يأتي هذا الفريق إلى الحكم فيحصد رؤوس من هم في الخندق المعارض له مهما بلغت درجة كفايتهم ونزاهتهم. ثم يغادر الحكم مخلّفاً في الادارات رؤوساً برسم القطع على يد من سيليه. وهكذا دواليك.
ولم تهتد القيادات المارونية اليوم إلى (modus vivendi) أي «طريقة تعايش» تنظّم الاختلاف من دون أن تفضي إلى أي نوع من التصادم. ولم تبذل الرهبانيات المارونية ـ وهي التي يُعوّل عليها الكثير وتكتسب إحتراماً كبيراً يوماً بعد يوم ـ أي جهد فاعل لضبط الأداء على مستوى التفاعلات السياسية داخل الطائفة، بعكس ما درجت عليه سابقاً، ربما ليقينها بأنّه «فالج لا تعالج»، وأنّ من الأجدى تحييد مؤسساتها، خصوصاً التعليمية والاجتماعية عن رذاذ التجاذبات. أما الرابطة المارونية التي عُرف عنها جهوزيتها للمبادرة إيجاباً في كل مرّة يكون فيها التباعد هو قدر القوى المارونية المؤثرة، فهي غائبة عن السمع لأنّها عاجزة عن القيام بهذا الدور كون تركيبتها تسووية قائمة على جمع الأضداد في مجلس تنفيذي واحد من دون برنامج واضح، وفي ظل غياب رؤية وتصور جريئين لمقاربة الأسباب العميقة للخلافات المارونية، والعجز عن وضع آلية لتنظيم هذه الخلافات حول عنوان عريض: الحفاظ على الوجود والهوية، والبقية من التفاصيل. والرابطة أصبحت مستقراً لتجاذبات يُنتظر أن يتمكن مجلسها التنفيذي من تجاوزها ووضع حد لها، وأن يستطيع أيضاً المحافظة على الانسجام بين أعضائه. في حين أنّ لا دور ظاهراً للمجلس العام الماروني لاختلاف وظيفته عن تلك المنوطة بالرابطة. من هنا يصعب التحدث عن حدّ أدنى من التلاقي الماروني، لأنّ هناك انقساماً حول طبيعة وجود لبنان ودوره. فهناك مِن بين القيادات من يرى في دولة لبنان الكبير خطأ إستراتيجياً اقترفه البطريرك الياس الحويك في العام 1920، وهناك من يرى أن لا حلّ إلّا بالفدرالية، وهناك من يتمسك بلبنان كما أراده الحويك. على أنّ هناك إجماعاً لدى المسيحيين كافة بوجوب الخروج من الصيغة المركزية المحدّدة للدولة، إلى صيغة اللامركزية الموسّعة والمقترنة بالإنماء التوازن الذي يجذر الإنسان بأرضه ويوفّر له إحتياجاته ويؤدي له حقوقه الاقتصادية والاجتماعية.
ويتوقع أن تتواصل حرب الإلغاء أو الحذف أو التهميش المارونية في الأشهر المقبلة بوتيرة متصاعدة، خصوصاً مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي في أيار 2026، حيث لن يتوانى أي فريق عن استخدام أي سلاح لتسجيل نقاط على غريمه كائنة ما تكون تكلفتها المعنوية وأثرها السلبي على الشارع الماروني بأسره. والمفارقة، فإنّ سجالاً يدور اليوم حول بعض مواد قانون الانتخاب الحالي الذي سبق أن وضعه نواب «الجمهورية القوية» وتكتل «لبنان القوي» بالتكافل والتضامن. وهذا القانون المعروف بـ«التفضيلي» هو الذي وضع الشارع المسيحي في قبضة «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». والاستحواذ على كتلتين نيابيتين وازنتين. ولأنّ الواقع السياسي الداخلي مفتوح على كل السيناريوهات في ضوء ما أثاره موضوع حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، مستتبعاً بخطة الجيش الخاصة بهذا الموضوع، من تباينات وتحليلات ومواقف متعارضة او متقاربة، فإنّ من الصعب على الأفرقاء الموارنة الالتقاء على أرضية مشتركة لصوغ خطوط رئيسة على المتنافسين الموارنة أن يلتزموا بها، وهي أن تخلو التصريحات الإعلامية المحتدمة في ما بينهم من أي تشهير وقدح وذم، ووقف حملات التخوين، وعدم اللجوء إلى العنف في حل المشكلات السياسية. وهذه المطالب سبق أن صاغ ما يشابهها بعض عقلاء الموارنة ومنهم الأباتي بولس نعمان، قبلان عيسى الخوري، إرنست كرم وسواهم، في مطالع التسعينيات، ووافق عليها الأقطاب السياسيون، واقترنت بتوقيع الرؤساء أمين الجميل، سليمان فرنجيه، شارل الحلو، وعميد الكتلة الوطنية ريمون اده، ورئيس حزب الكتائب جورج سعادة، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس حزب «الوعد» إيلي حبيقة. إنّ أياً من بنود الورقة التي وقّعتها هذه الشخصيات لم تُنفّذ على الأرض. وجاء «لقاء قرنة شهوان» بعكس ما كان يُتوخّى منه لتعمّد إبقاء قوى مسيحية وازنة خارجه. ومن بعد عكست «قوى الرابع عشر من آذار» موازين القوى على الأرض على قاعدة: «غالب ومغلوب»، وقد أُصيب الجانب المسيحي فيها بعطب رئيس تمثل برفض «التسونامي»، أي العماد ميشال عون، الدخول في هذا التحالف إعتراضاً على محاولة عزله وتهميشه بعيد عودته من منفاه الباريسي. على أنّ الحرب المفتوحة بينه وبين جعجع انتهت إلى إتفاق لم يدم طويلاً وهو «إتفاق معراب»، على قاعدة «أوعى خيك» الذي استحال «إحذر من خيك». وهو بدلاً من أن يكون فرصة ونموذجاً في الوحدة الداخلية، تحول خيبة، فيما تنفس المتوجسون من حصريته للتمثيل الماروني، فالمسيحي الصعداء. لكن كل ذلك لا ينفي أنّ «القوات» و«التيار» هما الطرفان الأقوى في الشارع المسيحي، وأنّ المستقلين يخوضون حرباً شاقة من أجل العثور على موطئ قدم لهم على جغرافيا هذا الشارع. إنّ ذلك كله يؤشر إلى أنّ الحرب المارونية ـ المارونية مستمرة بأشكال شتى، وتتزيا بلبوس شتى، وتتحصن بعناوين وذرائع شتى، لكن المردود واحد: مزيد من الانقسامات، ونسيان للملفات التي تؤرق المسيحيين وتجعلهم في خوف على مصيرهم بعد الذي حصل ويحصل مع الأقليات في سوريا احمد الشرع، وتناقص عددهم في الشرق، وخصوصاً لبنان، بفعل تنامي الهجرة في صفوفهم.
اكتشاف المزيد
– خدمات استئجار سيارات للتنقل في لبنان
مطاعم لبنانية
تقارير لبنانية
– قمصان رياضية للمنتخب اللبناني
– تذكارات الجيش اللبناني
استشارات مالية
– قوارب كاياك لمحبي المغامرات
أخبار لبنانية
نصائح مالية
أحداث سياسية
– مجوهرات مصنوعة من خشب الأرز
ad
وفي ما يتعلق بوطن الأرز، فإنّ التراجع المسيحي فيه يُعزى إلى غياب خطة منهجية واضحة ومحددة أقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، لربط الإنسان بأرضه، ليتمكن من القيام بدوره وممارسة حريته، وهي بالطبع مسؤولية الدولة وتليها مسؤولية الكنيسة. فمتى كان مثول المسيحيين في مؤسسات الدولة بدءاً من الحكومة فاعلاً، فإنّ من شأن ذلك أن يعيد اليها الثقة، مما يسهل على هؤلاء الإنخراط فيها والإفادة من خدماتها. على أنّ للكنيسة دوراً وحضوراً لا ينبغي الاستقالة منهما، وهي تفتقر إلى استراتيجية طموحة وعصرية، لكي تتخذ خطوات رائدة للحفاظ على وجودها التاريخي الذي يرقى إلى بدايات المسيحية انطلاقاً من هذه المنطقة. وفي حال التمنّع أو العجز، يكون ما فات قد فات ولات ساعة مندم.
الحرب المارونية ـ المارونية هي البوصلة، لأنّ الموارنة ليسوا تفصيلاً في حياة لبنان، وهم في أساس نشأة دولته، ويجب أن لا يدعوا أنفسهم يتحولون إلى تفصيل.