المقاومة حقّ لا يسقط.. والدولة لا تبدّد عناصر قوّتها

لبنان ليس تفصيلاً هامشياً في مشروع إخضاع المنطقة، بل يتصدّر قائمة الاستهداف، لأنه شكّل بمقاومته عقبةً كأداء في وجه الاحتلال ومشاريع الهيمنة.
المقاومة في لبنان، حقّ تضمنه المواثيق الدولية وينص عليه الدستور اللبناني بوضوح. وحق اللبنانيّين في المقاومة والدفاع عن أرضهم لا يسقط، ولا تستطيع أيّ قوة في العالم مصادرته، طالما أنّ العدو الصهيوني يحتلّ أرضاً لبنانية ويواصل اعتداءاته وانتهاكاته اليومية للسيادة اللبنانية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
لقد تمكّن لبنان، بفضل المقاومة، من تحرير معظم أرضه وبناء توازن ردع مع العدو. وهذا ما دفع بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين والإقليميين إلى مؤازرة الكيان الصهيوني، بشنّ حرب كونيّة متعددة الأوجه والأساليب ضدّ قوى المقاومة ودولها. وهذه الحرب غير المسبوقة ابتدأت بـ “الربيع العربي” المتأسرل، ووصلت إلى ذروتها باستخدام الإرهاب المتعدد الجنسيّات ضدّ سورية وصولاً إلى الإبادة الجماعيّة التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزة والعدوان المتواصل على لبنان.
والعدوان الصهيوني على لبنان لم يقتصر على ارتكاب “إسرائيل” المجازر بحق المدنيين والأطفال ولا على تدمير المنازل والمؤسسات ولا على جرف القرى والحقول، بل كان هناك عدوان من نوع آخر تولّته غرف سوداء تديرها جهات استخباريّة ومراكز أبحاث غربيّة، صاغت خططاً خبيثة لتحويل لبنان كياناً هشّاً فاقداً التماسك من خلال تغذية الغرائز الطائفية والمذهبية والانعزالية، وتقويض الانتماء الوطنيّ الجامع.
ونتيجة ذلك، فإنّ لبنان يواجه اليوم تحدّياً وجودياً هو الأخطر في تاريخه الحديث، حيث إنّ العدو الصهيوني، مدعوماً من قوى دولية وإقليمية، يسعى إلى فرض شروطه على لبنان وتجريده من عناصر قوّته. وهذا ما تضمّنته ورقة المبعوث الأميركي توم برّاك، والتي وافق عليها معظم وزراء حكومة نواف سلام، من دون أن يرفّ لهم جفن، أقله من ترتيب بنودها المجدولة “إسرائيلياً”.
على أيّ حال، فإنّ ورقة برّاك، لم تحُز على موافقة لبنانيّة مكتملة، وقد نشهد مسارات قانونيّة ودستوريّة تؤدي إلى إسقاطها، كما أنها لا تلغي حقاً كفله الدستور اللبناني والمواثيق الدوليّة، فاللبنانيون برغم كل الضغوط والتحديات، يمتلكون حقاً طبيعياً وفرصاً حقيقية للدفاع عن وجودهم وحقوقهم، ولن يفرّطوا بذلك مهما اشتدّ الحصار واشتعلت المواجهة.
إن الفرصة المتاحة للبنان لبسط سيادة الدولة على كامل أراضيه المحتلة، لا تمرّ عبر نزع عناصر القوة، بل عبر الاستثمار فيها ومضاعفتها. فسلاح المقاومة لم يكن يوماً عبئاً على الدولة، بل كان حصنها المنيع، وضمانة ردع حقيقية في وجه العدو. وإنكار هذه الحقيقة أو التغاضي عنها، هو تفريط بفرصة قيام دولة قوية وقادرة، وبمبدأ السيادة والكرامة الوطنية.
إنّ بناء لبنان القويّ لا يتمّ إلا بالحفاظ على عناصر القوّة التي أثبتت جدواها في معارك التحرير والدفاع عن لبنان. والأرض التي ارتوت بدماء الشهداء لا تُستعاد إلا بالمقاومة، وهذه الدماء ستبقى نبراساً مضيئاً، ولا كرامة لمن لا يصونها…
*عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية*