
المذكرة التي تحمل عنوان «التمديد والاستمرار» التي حملها الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك في المغلف الحساس والسرّي، لم تحد قيد أنملة عن الهدف الأساس للمطلب الأميركي ـ الإسرائيلي، وهو نزع السلاح الثقيل لحزب الله والتخلص من ترسانته الصاروخية. وكل النقاشات التي تدور في فلك هذا المطلب تصبّ في الاتجاه نفسه، ما دفع مصدر سياسي رفيع إلى الاستعانة بمثل «مارتا مارتا … فيما المطلوب واحد».
وقال المصدر الرفيع لـ«الجمهورية»، انّ المفاوضات بطبعتها الثالثة لا تختلف كثيراً عن المقترح، ولم تغيّر لجهة طلب الجدول الزمني ورفض العدو الإسرائيلي أن يقوم بأي خطوة قبل ان يقبل حزب الله بتسليم السلاح، اولاً من خلال انتزاع التزام خطي منه تعلنه الحكومة، وثانياً القبول بالمقترح الأميركي كما جاء في الورقة الأولى.
وكشف المصدر انّ حزب الله أوقف الكلام والتفاوض في انتظار الأخذ بمطلبه وهو الانسحاب الإسرائيلي والتزام العدو بوقف إطلاق النار. وقد شرح رئيس مجلس النواب نبيه بري للموفد الأميركي خلفيات مطالب حزب الله وهواجسه، خصوصاً انّه منذ تاريخ إعلان وقف إطلاق النار سقط له 270 شهيداً في استهدافات جيش الاحتلال الذي يفرض واقعاً لا يمكن القبول به، عدا عن ممارساته وانتهاكاته على الأرض لجهة منع الأهالي من ترميم او إعادة بناء منازلهم او حتى الوجود في بعض الأحياء، ولم يشأ برّاك ان يلتزم بأي موقف ضاغط على إسرائيل، بل على العكس بدا متناغماً جداً معها لجهة الإصرار على حصرية السلاح بيد الدولة من خلال الجدول الزمني الذي تضمنته الورقة الأميركية الأولى، والذي يبدأ بـ 15 يوماً تشمل وقف العمليات العدائية وإعادة تفعيل آلية الإشراف الـmechanism ومساعدة الجيش اللبناني في تعزيز الانتشار، وتليها المرحلة الثانية من 15 إلى 60 يوماً تتضمن إعلان مجلس الوزراء الالتزام بالاتفاق وتأكيد الأهداف، ثم تبدأ إسرائيل بالانسحاب مقابل تفكيك الجيش لـ50 في المئة من البنى التحتية لحزب الله شمال الليطاني، والمرحلة الثالثة من 60 إلى 90 يوماً تستكمل إسرائيل الانسحاب وحزب الله تفكيك الترسانة في بيروت الكبرى، والمرحلة الرابعة تشمل التفكيك الكلي واستكمال المفاوضات حول خطة إعادة الإعمار والبدء بتنفيذ رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعودة لبنان دولة مزدهرة قابلة للحياة…
وأكّد المصدر انّ برّاك لم ينقل أي رسالة إيجابية من إسرائيل، كالقيام بخطوة أولى هي الالتزام بوقف إطلاق النار، بل على العكس بدا ضاغطاً في اتجاه قبول لبنان المقترح قبل الأول من آب.
ad
وحذّر المصدر من انّ أي ضربة يمكن ان تقوم بها إسرائيل ربما تتجاوز الأهداف العسكرية لحزب الله لتشمل أهدافاً سياسية ضاغطة على الدولة اللبنانية.
التطمينات بديل الضمانات؟
ولاحظ زوار عين التينة، انّ الرئيس بري بدا مرتاحاً بعد لقائه برّاك.
إلى ذلك، اعتبر مرجع سياسي مطلع على فحوى محادثات برّاك في بيروت، انّ الأخير كان دقيقاً في ما صرّح به بعد خروجه من عين التينة. َوكشف المرجع لـ«الجمهورية»: انّه بات واضحاً أن «لا ضمانات أميركية للبنان، لكن روحيتها قد تنعكس بشكل آخر»، مشيراً إلى انّه «ربما يكون البديل عن الضمانات المتعذرة تطمينات من أعلى المستويات الأميركية».
سحب اليد الأميركية
وفي السياق، أبدت مصادر سياسية خشيتها من المسار الذي يمكن أن يسلكه الوضع في لبنان بعد زيارة برّاك، خصوصاً لجهة المعلومات التي رشحت عن وقائع المناقشات التي أجراها مع المسؤولين، وفيها يعلن أنّ واشنطن ستسحب يدها من الوساطة إذا لم يلتزم لبنان ببند نزع السلاح الوارد في اتفاق وقف النار. وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»: إنّ «سحب اليد الأميركية تعني كثيراً من السلبيات للبنان، سواء على المستوى السياسي والعسكري والأمني او على المستوى الاقتصادي، حيث يمكن أن يتعرّض لبنان لعملية عزل دولية وعربية، عقاباً له على موقفه».
ad
لكن الأخطر، وفق المصادر نفسها، هو «أنّ إسرائيل قد تجد الفرصة سانحة لتصعيد الوضع مع لبنان بنحو غير مسبوق، مستفيدة من التغطية السياسية الأميركية. وفي هذا السياق، يمكن التوقف عند الاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أخيراً في واشنطن مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكان اللافت فيها التزام الجميع الصمت حول النتائج. لكن ما رشح يوحي أنّ الرجلين توافقا حول كثير من الملفات الإقليمية.
جولة برّاك
وفي اليوم الثاني من زيارته للبنان، زار برّاك عين التينة، والتقاه الرئيس بري، في حضور السفيرة الاميركية ليزا جونسون والمستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب علي حمدان، وتناول اللقاء الذي استمر لأكثر من ساعة وربع الساعة، تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية.
وبعد اللقاء اكتفى برّاك بالقول: «اللقاء مع رئيس المجلس كان ممتازاً، ونعمل قدماً للوصول إلى الإستقرار وعليكم ان تتحلّوا بالأمل».
ورداً على سؤال حول سبب رفض الولايات المتحدة الأميركية إعطاء الضمانات التي يطلبها لبنان، قال إنّ «المشكلة ليست في الضمانات»، مضيفًا: «سنصل إلى الاستقرار». واستكمل، «مستمرّون بالعمل ونحرز تقدّمًا وعليكم أن تتحلّوا بالأمل».
وكان برّاك قال لدى وصوله إلى عين التينة: «إني متفائل من زيارتي للبنان… أميركا لن تتخلّى عن لبنان».
الوقت يدهمنا
ad
ولاحقاً أكّد برّاك، انّ «الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد أن يساعد لبنان في هذه الاوقات العصيبة». وقال في حديث إلى قناة «الجديد» إنّ «هناك اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. والجانبان يجدان صعوبة في تطبيقه، ونحن في لبنان للمساعدة في إحلال السلام، لكن هناك جدولاً زمنياً والوقت يدهمنا، لذا نضغط للتوصل إلى توافق». وقال: «انا لا أطلب حصر السلاح بل ثمة قانون يقول انّ هناك مؤسسة عسكرية واحدة، وعلى لبنان ان يقرّر كيف سيطبّق هذا القانون. ويجب نزع الاسلحة الخفيفة والثقيلة».
ورأى انّ «على الحكومة اللبنانية أن تقرّر كيفية حصر السلاح، وهذا ليس من مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية».
وعن موقفه حول عدم إعطاء ضمانات باحترام إسرائيل لوقف اطلاق النار قال: «انا لست مفاوضاً، ودوري هو وسيط سياسي للتأثير الإيجابي بين الاطراف. فالوقت يدهمنا في ظل ما يحصل في المنطقة. لذا يجب إرساء الاستقرار». واكّد انّه «يجب إصلاح القطاع المصرفي في لبنان»، لافتاً إلى انّ «هناك رؤية 2030 في السعودية، وعلى اللبنانيين أن يبحثوا كيف يمكن استقطاب مشاريع مشابهة». واضاف انّ «الاستقرار في سوريا سيؤمّن الاستقرار في لبنان»، مشيراً إلى انّ «الحكومة السورية الآن جيدة وعلينا دعمها. ولبنان مورد كبير جداً وسيساعد سوريا». وشدّد على انّ «لدينا فرصة للتوصل إلى حل واتفاق بين دول المنطقة».