د. هشام الأعور /كلمة حق إلى سماحة شيخ العقل ابي المنى : عن الجبل؛ الكرامة؛ والموقف المنتظر

بالألم والحزن، طالعنا سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان ، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، بتصريح تلفزيوني، وهو يُعبّر عن خيبة أمله من نظام المجرم أحمد الشرع في سوريا، الذي كان يأمل منه سماحته خيرًا، بعد أن رأى فيه، على حد قوله، بصيصًا من الأمل لا يزال موجودًا. ولكن، هل حقًا كنتم تعتقدون، سماحتكم، أن من احترف القتل والتكفير، ومن استباح المدن والقرى، ومن اعتدى على الأطفال والنساء والشيوخ، يمكن أن يُرجى منه خير؟ هل كنتم تتوقعون أن يولد من رحم الإرهاب سوى المزيد من الدمار؟ شيخ في مقامكم يعلم جيدًا أن فاقد الشيء لا يُعطيه، وأن من تربّى على عقيدة الذبح لا يمكن أن يمنح الوطن رحمةً أو وحدة.
سماحة الشيخ… تتحدثون عن وطن سوري موحد، سائر على طريق التسوية، لكن الواقع أمامنا يصرخ بعكس ذلك. ما نراه ليس إلا تمزيقًا لهذا الوطن، باسم الدين تارة، وباسم الحرية تارة أخرى. أي وحدة يمكن أن تُبنى على دماء الأبرياء؟ وأي تسوية تلك التي تُبنى على صمت المجتمع الدولي، وعلى دعم خارجي لأطراف امتهنت الفوضى والخراب؟
بل ولعلّ الأدهى من كل ذلك، سماحة الشيخ، أن ما تقوم به عصابات أحمد الشرع في بعض مناطق الجنوب من اعتداءات ممنهجة على أبناء السويداء لم يعد خافيًا على أحد. أتحدث عن تلك العصابات التي لم تكتفِ بقتل شباب الجبل، بل أمعنت في إذلال الأهالي، والتنكيل بالمشايخ، فحلقت شواربهم ولِحاهم في مشهد لا يليق لا برجال الدين ولا بمن يزعم احترام الدين. أتُراك تقبل بذلك يا سماحة الشيخ؟ هل ترى في هذه الممارسات طريقًا إلى التسوية والوحدة؟ أم هي إذلالٌ مقصود ومحاولة لتركيع جبل لا ينحني؟
سماحتكم، حين يتحدث رجل الدين لا يجب أن ينطق بلسان السياسة أو بمصالح الأطراف، بل بلسان الحقيقة. والحقيقة، كما يعرفها كل من نجا من المجازر أو دفن أبناءه، أن ما جرى ويجري لا يشبه لا عدلًا ولا إصلاحًا.
تقولون إنكم تسعون إلى تسوية. تسوية مع من؟ مع من يتفاخر بذبح أبنائنا؟ مع من يُقيم إمارات على أنقاض قرانا؟ باسم الدماء الطاهرة التي سُفكت، وباسم كل أمّ لم تجد لولدها قبرًا، ندعوكم إلى موقف مختلف، لا تهادن فيه. ادعوا إلى الدفاع عن الأرض والعِرض. ادعوا إلى حماية الناس، لا إلى المساومة على كرامتهم. السياسة ليست مكانكم، ولا ينبغي لرجل الدين أن يكون شاهد زور على مآسي شعبه.
نحن لا ندعو إلى الارتهان، ولكن نُذكّر أن المجرم أحمد الشرع الذي يحاول فرض سطوته العقائدية والسياسية، أسوأ من الأسرلة، وأن التتريك الذي يُعيدنا قرونًا إلى الوراء، أسوأ من كل عدو خارجي. يكفينا مزايدات، وليُترك للموحدين الدروز، لأبناء الجبل، أن يختاروا مع من يكونون، وكيف يواجهون هذا الطوفان المتوحش. الاستكانة لهؤلاء، حتى لو تحت ضغط الواقع، ليست حلاً، بل وصفة لمجزرة تلو مجزرة.
بعد كل ما جرى، وبعد أن أعلن الكثيرون نصرهم على جثث النساء والأطفال، لم نسمع حتى مجرد إدانة. أما أولئك الذين التزموا الصمت، فهم شركاء في الجريمة. ومن لم يقف مع غزة وهي تُقصف وتُحاصر، لن يقف مع السويداء إن هوجمت، ولا مع جبل العرب إن حوصر. إنهم قوم لا يؤمنون بالثوابت، بل يمارسون المواقف بالمقلوب، ويبررون الخيانة بالواقعية.
ولا أحد يدعو إلى الاحتماء بالعدو، لكن دعونا نسأل بوضوح: أليس الجولاني يمارس الأسرلة من الباب الخلفي؟ أليس هو من يسعى إلى ضمان بقاء سلطته عبر التنسيق مع المحتل؟ أليس هو من يقدم نفسه ككاسحة ألغام للاحتلال، كي يُثبت موقعه، ولو على حساب وحدة سوريا؟ كيف يمكن لقاتل بالأمس أن يتحوّل فجأة إلى ضامن للأمن أو إلى شريك في مستقبل الوطن؟
هذه هي الأسئلة التي تحتاج إلى شجاعة في الإجابة، لا إلى تلطيف للواقع ولا إلى تزيين للكارثة. والمطلوب اليوم من سماحتكم، ومن كل من بقي في موقع روحي أو أخلاقي، أن يقول الحق، لا أن يتوارى خلف لغة المسايرة. فزمن الحياد انتهى، وزمن المواقف الرمادية لم يعد مقبولًا، لا من الضحايا ولا من التاريخ.