أزمة مياه لبنان تتفاقم… تحذيرات من فقدان الموارد السطحيّة والجوفيّة معًا!
شانتال عاصي - الديار

في وقت لم يلتقط فيه لبنان أنفاسه من أزماته الاقتصادية والسياسية، يطلّ خطر بيئي داهم يعمّق معاناة البلاد: موجة الجفاف الأشد على الإطلاق، تضرب مختلف المناطق اللبنانية وتُهدد الأمن المائي والغذائي للسكان، وسط تحذيرات رسمية من كارثة بيئية متفاقمة.
فقد شهد فصل الشتاء الماضي تراجعا حادا في كميات المتساقطات، وهو ما انعكس بوضوح على مستوى المياه في الأنهار والبحيرات والخزانات.
شحّ تاريخي في الموارد المائية
أشارت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني إلى أن مستوى المياه في بحيرة القرعون، أحد أكبر الخزانات الاصطناعية في لبنان، انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عقود، ما يجعل الوضع المائي في البلاد أكثر خطورة من أي وقت مضى.
ووفقًا للمصلحة، فإن التدفقات إلى بحيرة القرعون خلال موسم الأمطار الأخير لم تتجاوز 45 مليون متر مكعب، مقارنة بمتوسط سنوي يبلغ نحو 350 مليون متر مكعب، ما يعكس عجزا هائلا في الموارد المائية. الأسوأ من ذلك، أن الكمية الحالية المخزّنة في البحيرة، والتي تبلغ حوالي 61 مليون متر مكعب، غير صالحة للاستخدام نتيجة التلوث الشديد، مما يُفقد الخزان وظيفته الأساسية كمصدر للمياه والطاقة.
وفي هذا السياق، صرّح رئيس المصلحة المهندس سامي علوية، بأن هذه السنة تُعتبر الأكثر جفافا مقارنةً بالسنوات 1989، 1990 و1991، التي كانت تُعدّ حتى اليوم من أكثر السنوات قحطًا. وأضاف أن محطات توليد الطاقة الكهرومائية المرتبطة بحوض نهر الليطاني توقفت عن العمل بالكامل بسبب انعدام المياه اللازمة لتشغيلها، ما يُفاقم أزمة الطاقة في البلاد ويُضيّق هامش الخيارات أمام الحكومة.
وبسبب هذا الوضع الحرج، بدأت المرافق الحكومية في تقليص ساعات ضخ المياه للمواطنين، حيث انخفضت في بعض المناطق من 20 ساعة يوميا إلى أقل من 10 ساعات، ما يُنذر بصيف قاسٍ يعاني فيه المواطن من انقطاع مزدوج في الكهرباء والماء، في ظل درجات حرارة آخذة بالارتفاع.
تغيّر المناخ يضغط على الموارد المائية
هذا، ولا يمكن فصل الأزمة المائية الراهنة في لبنان عن تداعيات الاحتباس الحراري وتغير أنماط الطقس العالمية، التي باتت تُشكّل أحد أكبر التحديات البيئية التي تواجه العالم، ولبنان ليس استثناءً. فقد أدّت التغيرات المناخية، على مدى السنوات الأخيرة، إلى اختلال واضح في المواسم المناخية التقليدية، بحيث بات فصل الشتاء يشهد كميات أقل من المتساقطات، موزعة بشكل غير منتظم، فيما تزداد حرارة الصيف وتطول فتراته.
هذه الاختلالات أسهمت في زيادة تواتر موجات الجفاف، والتي لم تَعُد مجرد ظواهر موسمية عابرة، بل تحوّلت إلى أزمة بنيوية متكررة تؤثر في دورة المياه الطبيعية. ومع تزايد درجات الحرارة، ترتفع معدلات تبخر المياه من التربة والأنهار والخزانات، ما يُقلل من كفاءة تخزين المياه السطحية، ويؤدي إلى فقدان سريع للرطوبة من التربة الزراعية، وبالتالي يُضر بالإنتاج الزراعي ويهدد سبل عيش آلاف العائلات.
Susan Boyle is So Skinny Now and Looks Gorgeous
PalGame
She Was Everyone’s Dream Girl In 90’s, This Is Her Recently.
Direct Sharing
إضافة إلى ذلك، فإن التربة الجافة والمُرهَقة تفقد قدرتها على امتصاص مياه الأمطار عند هطولها، ما يُقلل من عملية إعادة تغذية خزانات المياه الجوفية، التي تُعدّ مصدرا أساسيا للمياه في العديد من المناطق الريفية. هذا التراجع المزدوج – في كل من الموارد السطحية والجوفية، يخلق ضغطًا غير مسبوق على أنظمة توزيع المياه، ويزيد من احتمال نشوب نزاعات محلية حول تقاسم المياه في فترات الذروة.
تداعيات ظاهرة النينو
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أزمة الجفاف الحالية لا ترتبط فقط بالاحتباس الحراري وتغير المناخ، بل تتعزز أيضا بفعل ظاهرة “النينيو” المناخية، التي شهدت نشاطًا ملحوظًا خلال العام الجاري. وتُعد النينيو من الظواهر الطبيعية الدورية التي تؤثر في النظم الجوية والمناخية في مختلف مناطق العالم، حيث تؤدي إلى تسخين غير طبيعي لسطح المحيط الهادئ، ما ينعكس على أنماط الأمطار ودرجات الحرارة حول العالم، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط.
في لبنان، تُسهم النينو في تأخير أو تقليص كميات الأمطار الشتوية، وزيادة فترات الجفاف في الربيع والصيف، وهو ما حصل هذا العام بشكل واضح. فقد ساهمت هذه الظاهرة في تعطيل الدورة الطبيعية لهطل الأمطار، ما حدّ من تغذية الأنهر والينابيع، وعمّق من أزمة المياه التي يشهدها البلد حاليا. وتُظهر بيانات مراكز الأرصاد العالمية أن سنوات النينيو غالبا ما تترافق مع تراجع حاد في الموارد المائية في بلدان شرق المتوسط، ما يُفسّر جزئيا الانخفاض الكبير في منسوب بحيرة القرعون، وتوقف محطات الطاقة الكهرومائية.
مخاطر على الأمن الغذائي والصحة العامة
تُهدد هذه الأزمة المائية أيضا القطاع الزراعي الذي يعتمد بشكل أساسي على الري من مصادر سطحية مثل نهر الليطاني. وبتراجع المياه، يصبح إنتاج المحاصيل مهددا، ما قد يرفع من أسعار الأغذية ويزيد من انعدام الأمن الغذائي. كما أن تلوث المياه، الذي أكدته المصلحة الوطنية، قد يُعرض السكان لخطر الأمراض المنقولة مائيا، في غياب البنية التحتية الكافية لمعالجة المياه وتنقيتها.
أمام هذا الواقع الخطير، يبدو أن لبنان بحاجة ماسّة إلى خطة طوارئ وطنية لإدارة الموارد المائية، تتضمن خطوات فورية لحماية ما تبقى من مياه نظيفة، وترشيد استهلاكها، ومعالجة التلوث، بالتوازي مع العمل على تطوير بنى تحتية مقاومة للجفاف وتحديث السياسات الزراعية والمائية.
ورغم التحديات السياسية والاقتصادية الجسيمة، إلا أن خطر الجفاف يجبر الجهات المعنية على التحرّك السريع، قبل أن تتفاقم الأزمة إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها، وتتحول إلى كارثة إنسانية وبيئية متكاملة الأركان.