العلامة فضل الله: لبناء دولة قوية وقادرة على مواجهة كل الضغوط

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة عيد الأضحى، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، بعدما أم حشود المصلين، ومما جاء في خطبته السياسية: “يطلّ علينا عيد الأضحى في مرحلة هي من أصعب المراحل الّتي مرّت وتمر على هذا البلد، حيث يستمرّ العدو ورغم قرار وقف اطلاق النّار الّذي جرى وبرعاية من الدّول الضّامنة والّتي أخذت على عاتقها الزام العدو بهذا القرار، باستهدافاته والتي كان اخرها ما شهدناه بالأمس في الضاحية الجنوبية والذي تبعه بغارة على بلدة عين قانا الجنوبية إضافة إلى سيل التهديدات التي طاولت العديد من المواطنين وفي مختلف المناطق والتي جاءت بحجج واهية، وأثبتت كذب ادعاءاته وعدم صحتها وخصوصا منعه للجيش اللبناني من الدخول إلى الأماكن التي أراد استهدافها والكشف عليها وهو يسعى إلى الضغط على هذا البلد حتى يستسلم للأهداف التي يريد تحقيقها في لبنان والتي تمس أمنه وسيادته ويبدي انزعاجه من حالة الاستقرار التي بات يعيشها هذا الوطن والتي ترجمت بالأعداد الكبيرة للوافدين إليه وفي أجواء الحوار والتلاقي التي شهدناها بين أركان الدولة والمقاومة والأجواء الإيجابية التي بدأت تظهر والتي ستسهم في حل الكثير من المسائل الخلافية بدلا من التصادم الذي كان يريده العدو ويسعى إليه”.
ونوه ب”الموقف الرسمي الموحد ضد العدوان الذي سيفشل اهداف العدو ويربك مشروعه ويمنعه من تحقيق ما يريد”.
وأضاف: “إننا أمام ما يجري نعيد التأكيد على اللبنانيين إلى التحلي بالصبر والثبات والصمود والتوحد في مواجهة هذا العدو الذي لا يستهدف طائفة أو مذهب أو موقع سياسي بقدر ما يريد الاطباق على هذا البلد والتحكم بقراراته وان يكون له اليد الطولى فيه”، داعيا إلى “العمل الجاد لبناء دولة قوية تملك قرارها وخياراتها وقادرة على مواجهة كل هذه التحديات والضغوط. وهنا نعيد ما قلناه سابقًا أن في هذا البلد الكثير من القدرات والامكانات إن كان على صعيد الدّاخل أو الخارج ممّا يمكن الاستفادة منه لبلوغ هذا الهدف. ومن المؤسف أن نجد أن هناك من يسعى لإضعاف مواقع القوة فيه ومن يصرّ على نقل المعركة مع العدو لتكون في الدّاخل والّذي نراه في التّراشق الدّاخليّ الّذي يمسّ باستقراره ووحدته ومنعته ممّا لا يزيد البلد إلّا ضعفًا ويجعله في مهبّ رياح من لا يريد خيرًا لهذا البلد. ولا بدّ هنا من أن ندعو الحكومة إلى ضرورة بالاهتمام القضايا الاجتماعيّة والمعيشيّة والاقتصاديّة الّتي بات ينوء الشّعب تحت أثقالها بل نجد من يعمل على زيادتها من خلال فرض ضرائب جديدة تفاقم من معاناته فيما يبقى الإعمار لما تهدّم حيث تعاني آلاف العائلات اللبنانيّة من التّهجير رهينة الشّروط الّتي تمسّ بأمن هذا البلد وإن كنّا بدأنا نلمس بعض الخطوات على هذا الصّعيد والّتي نأمل أن نرى نتائجها قريبًا وتكون قادرة على تجاوز الضّغوط الّتي لا تزال تقف أمامه”.
وتابع: “مشهد آخر من مشاهد المعاناة الّتي نعيشها، هو ما نشهده في غزّة والّذي يستكمل في الضّفّة الغربيّة، حيث يستمر العدو بحصاره المطبق على الشّعب الفلسطيني والمجازر الّتي ترتكب بحقه والّتي باتت تثير المشاعر في العالم الغربي وتهز أحاسيس الكثيرين ممن تجاوزوا كل الاعتبارات ليهتفوا بالحريّة لفلسطين، ومع الأسف لا نشهد مثل هذا الحضور على الصّعيد العربي والاسلامي وعلى مختلف الأصعدة، في الوقت الّذي ينبغي أن يكون ذلك على رأس أولويّات العرب والمسلمين. إننا نحيي مجدّدًا صمود الشّعب الفلسطيني الّذي يقدّم أنموذجًا في الصّبر والتّضحية والمقاومة. إننا في أجواء هذا العيد ندعو إلى أوسع حملة تضامن مع الشّعب الفلسطيني وإن لم يكن بالممارسة الفعليّة فإن أقل الواجب أن نرفع الصّوت عاليًا لنصرته. وهنا لا بدّ أن نقدّر الدّور الّذي يقوم به اليمن في دعمه للشّعب الفلسطيني والّذي يثبت كل يوم أنّه أمين على عروبته وإسلامه، وندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة إلى الاقتداء به وأن تتجاوز في ذلك كلّ الحسابات الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة لحساب قضيّة فلسطين الّتي لن يبلغوا عزّتهم وحريّتهم واستقرارهم وأمانهم إلّا بإيجاد حلّ عادل لها”.
وأخيرًا، توجّه فضل الله بالتّهنئة للمسلمين بهذا العيد سائلين المولى أن “يحمل إليهم هذا العيد تباشير الأمن والأمل والسّلام ويعزّز أواصر الوحدة في ما بينهم الّتي نشهدها اليوم في الحج حين يقف الحجّاج بكلّ تنوّعاتهم على صعيد واحد يطوفون معًا ويسعون معًا ويضحون معًا ويرجمون الشياطين معًا ويبتهلون إلى الله ويذكرونه معًا، وما نريده هو أن تنعكس هذه الأجواء الإيمانيّة والوحدويّة على كل أرجاء العالم الإسلامي وتساهم في وأد الفتن فيه، ونحن أحوج ما نكون إلى هذه الرّوح في مواجهة التّحديات الّتي تعصف بهم وأن يساهم العيد في إدخال الفرح على كلّ الّذين يحتاجون إلى أن نقف معهم ممن فقدوا أعزّاء وأحبّة الّذين يؤكّدون كل يوم عن مدى صبرهم وثباتهم وعزّتهم، وان نقف مع كل من يعانون ويتألّمون في الحياة بأن نمدّ أيدينا إليهم لنخفّف عنهم وأن ندخل السّرور إلى قلوب أطفالنا وأرحامنا وجيراننا وكلّ من حولنا ليكون هذا العيد شاملًا يتّسع للجميع كما أراده الله”.