اخبار محليةالرئيسية

سلطة الأمر الواقع في دمشق: البقاع اللبناني لنا

حسان الحسن

هل من قبيل الصدفة أن تبادر المجموعات التكفيرية المسلحة في سورية إلى فتح جبهة مع لبنان، من جهة الحدود الشمالية- الشرقية، في الوقت الذي يمعن فيه العدو “الإسرائيلي” في ارتكاب جرائم القتل والترهيب في حق اللبنانيين، ويتوسع في احتلال المزيد من الأراضي السورية، واستهداف ما تبقى من قدراتٍ عسكريةٍ كانت في حوزة الجيش العربي السوري المنحل؟ ويتزامن ذلك مع ذهاب الولايات المتحدة إلى ممارسة أقصى الضغوط على السلطات اللبنانية، لإقحامها في أتون أزمةٍ داخليةٍ، من خلال دفع الحكومة إلى افتعال مواجهةٍ مع المقاومة في لبنان، لتسليم سلاحها، تحت عنوان برّاقٍ وخدّاع، وهو “بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيدها أي (الدولة)”، في وقتٍ يتمسك فيه الكيان الصهيوني بإبقاء احتلاله وتحصين مواقعه في الجنوب اللبناني، ومنع اللبنانيين من العودة إلى القرى الحدودية المحاذية لفلسطين المحتلة، والإمعان في خرق السيادة اللبنانية، واستهداف المواطنين، وشن الغارات على مختلف المناطق اللبنانية، خصوصًا في البقاع والجنوب.

تعقيبًا على ما تقدم، تؤكد مصادر عليمة ومتابعة لمجريات التطورات على الحدود الشمالية- الشرقية، أن ” المجموعات التكفيرية المسلحة تصر على “تصوير” الإشكال الذي وقع في الأيام الفائتة، في قرية “حوش السيد علي” الحدودية على أنه “مواجهة مع حزب الله”، وفي الحقيقة أن سبب هذا الإشكال، هو محاولة عناصر تكفيرية مسلحة سرقة أغنام كانت ترعى في الجهة اللبنانية، فتصدى لهم راعي الأغنام، وعلى الفور، حضر أقرباؤه إليه، وتمكنوا من قتل ثلاثة مسلحين تكفيريين”، بحسب تأكيد المصادر، وبناءً على ما ورد في الرواية اللبنانية الرسمية أيضًا. وإذ بعملية سرقة أغنام تلهب الحدود. ولا ريب أن هذه المنطقة الحدودية المذكورة، هي “أرض قابلة للانفجار”، على خلفية الاحتقان المذهبي، الذي سببه الخطاب التكفيري المتطرف والمعتمد من “الحكم السوري” الجديد ضد مكوّنٍ أساسيٍ من مكونات المجتمع اللبناني، كذلك إثارة هذا “الحكم” النعرات المذهبية، إلى حدٍ وصلت فيه أوهام المسلحين التكفيريين إلى التهديد “باحتلال ضاحية بيروت الجنوبية”. وذلك للتغطية على عجز حكم الأمر الواقع في دمشق، الصاغر أمام العدو “الإسرائيلي”، والذي يتوسع يوميًا في الداخل السوري، ويمعن في التعدي على سيادة الدولة السورية. فوجد هذا الحكم الخاضع لتركيا، والعاجز عن افتعال أي مشكلةٍ أو مواجهةٍ مع دول الجوار السوري، عدا لبنان الذي ظن فيه التكفيرون أنه “الحلقة الأضعف”، والمكان المناسب لتصدير أزماتهم الأمنية والاقتصادية والمعيشية إليه. أضف إلى ذلك، قد يكون هذا “الحكم” فاقدًا للسيطرة على عددٍ كبيرٍ من المجموعات الإرهابية التي تدور في فلكه، خصوصًا الأجانب، كالشيشان والإيغور والأفغان وبعض العرب وسواهم. ومعلوم أن هذه المجموعات غير قابلةٍ للانخراط في “مشروع دولةٍ” على الإطلاق، لأن ذلك مخالف للنهج التكفيري الإلغائي الذي يرفض قبول أي فكرٍ أو نهجٍ مخالف لتعاليم هؤلاء الإرهابيين.
ولا ريب أيضًا أن وجود هؤلاء المسلحين التكفيريين في سورية على ساحل البحر المتوسط، وبقاءهم على غيهم، سيؤدي إلى أزمة مع الأوروبيين، على اعتبار أنهم يشكلون خطرًا على الأمن القومي الأوروبي.
أضف إلى ذلك، فقد جاء البيان الأخير لمجلس الأمن في شأن “مجازر الساحل السوري”، بتوافقٍ روسيٍ- أميركيٍ، ليؤكد أن “إرهابيي سورية هم خطر على الأمن العالمي”.
إذًا، لقد بات “حكم دمشق” أمام مشكلةٍ معقدةٍ مع المجتمع الدولي، فكيف سيتصرف مع “المجموعات غير المنضبطة”، في ضوء إصرار المجتمع الدولي على إنهاء حالتها؟. وبالطبع، إن أفراد هذه المجموعات غير قادرين على العودة إلى بلادهم، حيث تنتظرهم المحاكم والملاحقات القضائية والأمنية. لذا تعرضهم قيادتهم راهنًا لتولي مهمةٍ إقليميةٍ جديدةٍ، وهي “الاستعداد للالتفاف على حزب الله من الشرق”، في وقتٍ تحاول فيه الولايات المتحدة و”إسرائيل”، “تشديد الخناق” على كل صوت مقاوم، عبر العقوبات المالية وسواها، والتي تعززها الجرائم والأعمال العدوانية “الإسرائيلية” من الجنوب و عبر الأجواء اللبنانية. لذا حاولت “جبهة النصرة في تنظيم القاعدة”، إيهام الرأي العام، بأنها تشتبك مع حزب الله في المناطق “الحدودية الشرقية”، ولم تقر بسرقة عناصرها للأغنام.
وفي شأن الأوضاع على الحدود الشرقية، تؤكد مصادر متابعة لمجريات الأوضاع على هذه الحدود أنها “تشهد هدنةً هشة”، على حد تعبيرها. وتستند المصادر برأيها هذا إلى “ما حدث أخيرًا، (أي بعد سريان الهدنة) في قرية “حوش السيد علي”، حيث أقدم مسلحو “النصرة” على إطلاق النار على موكب تشييع أحد ضحايا الحوداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وذلك بعد انتشار الجيش اللبناني في مداخل البلدة وبعض أحيائها، وانسحاب المسلحين التكفيريين إلى الجانب السوري من الحدود، بعدما أحرقوا البيوت ونهبوا الممتلكات في “حوش السيد، في انتظار إعادة “ترسيم الحدود” مجددًا، بحسب ما توصلت إليه الاتصالات اللبنانية- السورية، إثر الحوداث الأخيرة”. غير أن أهالي المنطقة فوجئوا بمطلب طرحته “السلطات السورية” الجديدة، ويفضي بـ “ضم سهل البقاع بأكمله إلى الأراضي السورية”، بحسب ما تنقل مصادر أهلية.
في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع على الحدود الشرقية وسواها، فإن من يطّلع على التاريخ السوري، يدرك تمامًا أن هذا البلد المكوّن من غالبية مسلمة، تولى فيه الزعيم المسيحي البروتستناتي فارس الخوري رئاسة الحكومة ووزارة الأوقاف، وقد شكّل الخوري أحد أركانه، وكان من أبرز من مؤسسيه، لا يمكن أن يُحكم ــ أي هذا البلد ــ “بنهج إلغائي تكفيري”، مهما حاول أصحاب هذا النهج ومن يقف خلفهم من رعاة إقليميين ودوليين تلميع صورة التكفير والإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى