اخبار محليةالرئيسية

عون في الرياض: سلفة محدودة بانفراجات اقتصادية وسياسية!

جورج شاهين - الجمهورية

لم تكن الزيارة التي يعتزم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون القيام بها إلى المملكة العربية السعودية مفاجئة. فقد كان معلناً أنّ الرياض ستكون وجهته الأولى في زياراته الخارجية التي تخضع إلى برمجة دقيقة تقوده إلى باريس من بعدها، قبل جدولة المتبقي منها. وهي ستكون مناسبة لإطلاق مجموعة من المبادرات السعودية، وأولها فتح صفحة جديدة لدخول الصناعات اللبنانية والمنتجات الزراعية إليها وإحياء خط الترانزيت وفك الحظر عن سفر السعوديِّين إلى لبنان، تكون قد حققت مبتغاها. وهذه بعض التفاصيل.

تلبيةً لدعوة وجّهها إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتوجّه عون مطلع الأسبوع إلى الرياض في زيارة قصيرة يلتقي خلالها الملك سلمان بن عبد العزيز، ويجري محادثات مع ولي العهد تتناول ما يمكن تسميته فتح صفحة جديدة في التعاطي مع المملكة بصفتها الدولة الخليجية والعربية الكبرى وبوابة لبنان إلى دول مجلس التعاون الخليجي ومعبراً رئيساً لإعادة ترتيب العلاقات بين البلدَين ومع أكبر الاقتصادات الدولية، إيذاناً بإحياء العلاقات الاقتصادية والتجارية كما كانت قبل ثلاث سنوات على الأقل، ومن أجل تعزيز كل أشكال التعاون من دولة إلى دولة، فزمن التعاطي مع المملكة بأشكاله السابقة المتفلتة من بعض الهوامش انتهى، وباتت كل خطوة أو مبادرة رهن جدواها ومردودها على المملكة والجهة المستهدفة معاً.

ليس في ما سبق أمراً جديداً ولا تقف أهميته عند حرص عون على أن تكون إطلالته الدولية والعربية الأولى من بوابة الرياض كما كانت خاتمة زياراته إليها كقائد للجيش. فهي ستستضيف بعد فترة قصيرة أكبر قمة دولية تجمع الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وقد بوشرت الاستعدادات تحضيراً لها لتشكّل تحوّلاً دولياً كبيراً على طريق وقف الحروب في العالم، وخصوصاً تلك التي كانت واشنطن طرفاً فيها بشكل من الأشكال قبل الروس ودول أخرى كانت في مواجهتها. وكل ذلك يجري في إطار الخطة التي وضعها ترامب لنيل جائزة «نوبل للسلام»، وهو على قاب قوسَين أو أدنى منها إن أنهى الحرب الروسية – الأوكرانية بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى تطويق حروب الشرق الأوسط لتكون ساحتا قطاع غزة ولبنان وما تفرّع منهما من ساحات المواجهة آخر الحروب العربية – الإسرائيلية التي انطلقت قبل 75 عاماً ونيّف، كما بالنسبة إلى تطويق ذيول المواجهات المحتملة في بحر الصين قبل أن تندلع شرارتها وقد تعدّدت المطبّات التي تمّ تجاوزها.
إلى هذه المعطيات التي تتحكّم بالزيارة الرئاسية للرياض، يبدو أنّ لبنان يراهن على هذه الخطوة الأولى للعهد الجديد بطريقة تتجاوز ما يمكن أن تنتهي إليه اليوم. فاللبنانيّون لم يعودوا يؤمنون بحصيلة كبيرة لخطوات متواضعة وقد شبعوا من الخطوات التي زجّت بلبنان في آتون الحروب والمحاور الكبرى التي لا ناقة لأبنائه فيها ولا جمل. وكل ما يُريدون تحقيقه أن تستوي العلاقات مع بعض الأنظمة والدول الخليجية والعربية والدولية الصديقة وبناء علاقات من دولة إلى دولة بدلاً من أن تكون لمصلحة فئات أو طوائف ومذاهب تغنيهم وتفقر اللبنانيّين، وقد كان آخر النماذج فاقعاً لا يتحمّل عبء التفسير وعبثه عندما تغيب الدولة وتقوى الدويلات.
على هذه الخلفيات، تتحدّث المراجع المعنية بالتحضيرات الجارية، أنّه لم يكن من السهل إعادة ترتيب العلاقات بين بيروت والرياض قبل إقفال كل الطرق والمعابر التي استخدمت بيروت ومعها المعابر البرية والبحرية الفالتة، بوابة لزج اللبنانيِّين في محاور انتهت إلى مجموعة من العقوبات التي تسبّبت بنكبات في بعض القطاعات الاقتصادية والتجارية كما السياسية، وخصوصاً إن عاوَد المراقبون التذكير بمجموعة الأسباب الموجبة التي جاءت بالقطيعة والعقوبات السعودية التي تلت أعمال تهريب المخدّرات المموّهة بالرمان والليمون والشاي، عدا عن استخدام شاحنات النقل العابرة للدول والقارات التي استخدمت المعابر اللبنانية لنقلها وتأمين عبورها الآمن من إيران وسوريا والعراق إلى الدول الخليجية عبر دول ثالثة كانت إفريقية بمعظمها، وهي التي عادت بالخسائر الكبرى على لبنان.
ولمن فاتته تفاصيل عدة من تلك المرحلة التي ضاعفت من الأزمة النقدية والمالية التي كان يعيشها اللبنانيّون، فلا يمكنه تجاهل ما سُميَ «المبادرة الكويتية» الهادفة إلى إعادة «بناء جسور الثقة» مع لبنان التي حملها إلى بيروت وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح في 22 كانون الثاني 2022، لما فرجت الأزمة من نواحٍ محدودة جداً. فهي الخطوة التي أدّت إلى تقليص حجم العقوبات والخسائر التي نجمت ليس عن أعمال التهريب في حدّ ذاتها، لا بل زادت من وطأة الأزمات التي عاشها اللبنانيّون وما خلّفته عملية تفجير مرفأ بيروت في آب 2020، والتي خلّفتها جائحة «كورونا» وما تسبّبت به من نكبات وإغلاق عام وشامل، ليَزيد منها الحصار الخليجي الشامل، بعدما انضمت دول مجلس التعاون الخليجي إلى برامج العقوبات السعودية بفارق ساعات قليلة تلتها.

إلى مختلف هذه المعطيات التي لا يمكن تجاهلها عشية الزيارة الرسمية الأولى إلى الرياض، ينبغي التنبّه إلى تحكيم المنطق والعقل إلى كل ما سبق من ملاحظات يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وإن انتهت الزيارة إلى إجراءات سعودية تُشكّل انفراجاً في إعادة استيراد المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية اللبنانية وإعادة فتح خطوط الترانزيت بين لبنان وأراضي المملكة عبر الأراضي السورية والأردنية وفك حظر سفر السعوديِّين إلى لبنان، لإعادة ترميم ما تهدّم قبل البحث في مبادرات كبرى منتظرة إن أحسن اللبنانيّون التعاطي مع ما هو مطلوب منهم.
ومَن يعود إلى الورقة الكويتية يُدرك أنّ ما يُطرَح اليوم هو تكرار لمضمونها وأبرزه: إلتزام لبنان بكافة استحقاقات اتفاق الطائف، وقرارات الشرعية الدولية وجامعة الدول العربية ومدنية الدولة اللبنانية (أي عدم عسكرتها) واعتماد سياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً، ووضع إطار زمني محدّد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الرقم 1559 (2004) الخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، والقرار الرقم 1680 (2006) في شأن دعم سيادة لبنان واستقلاله السياسي والتأييد التام للحوار الوطني اللبناني، والقرار 1701 (2006) الخاص بسلاح «حزب الله» ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساسي في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية. وصولاً إلى وقف تدخّل «حزب الله» في الشؤون الخليجية، والتعهّد بملاحقة أي طرف لبناني يشارك في أعمال عدائية ضدّ دول مجلس التعاون.
يبقى المهم إعادة التذكير بهذه العناوين تمهيداً لهذه الزيارة، لتتحوّل نتائجها سلفة مسبقة ومحدودة تكون مقدّمة لمبادرة أخرى أكثر أهمية ومنها إحياء هبة المليارات الثلاثة لتسليح الجيش بأسلحة فرنسية، والتي ستكون مدار اهتمام المؤتمر السعودي – الفرنسي المنتظر، لترسم نهاياتها في زيارة عون المقبلة إلى باريس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى