اخبار محليةالرئيسية

محمد عفيف… شهيداً من البطولة الى الأسطورة

بقلم - حنا أيوب

لم يسجل التاريخ الحديث ملاحم كتلك التي خطتها المقاومة الوطنية في لبنان، وعلى رأسها المقاومة الإسلامية المتمثلة بحزب الله، تلك المقاومة التي وقفت عصية على الانكسار، لم تضعف أمام تهديدات العدو الإسرائيلي ولا انحنت لمحاولاته الوحشية لبث الرعب في قلوب اللبنانيين.

بالأمس، ارتقى الأخ العزيز الحاج البطل محمد عفيف النابلسي شهيداً في غارة إسرائيلية استهدفت منطقة رأس النبع، ليترك وراءه إرثًا من البطولة والصمود. لم يكن الشهيد مجرد مسؤول في المقاومة، بل كان رمزًا للثبات والتحدي في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، التي ظنّت لوهلة أنها تستطيع كسر إرادة المقاومين، متناسية أن من تواجهه ليس فقط مجاهداً شجاعًا، بل عقلاً متنوراً حكيماً صلباً يجمع بين القوة في ساحات الجهاد والبصيرة في المنابر.

كان الحاج يعلم أن المسار الذي سلكه لن يكون سهلاً، وأنه يقود إلى اغتياله واستشهاده، لكنه لم يتراجع قيد أنملة عن قول كلمة الحق وعن الدفاع عن المقاومة وعن فلسطين في زمن العمالة والخيانة الإعلامية. كان مدركاً أن الكلمة الحرّة في وجه الظلم والاستبداد سوف تكلفه حياته، ومع ذلك استمر، متحدياً العدو الإسرائيلي من قلب الضاحية الجنوبية، غير آبه بالمخاطر، ورافضاً أن يسكت صوته أمام آلة القتل والدمار.

حاولت إسرائيل باغتيالها الحاج محمد عفيف إسكات صوت المقاومة في لبنان، لكنها واهمة إن اعتقدت أن ذلك سيكسر إرادة المقاومة والشعب الحر، الذي يواجه جبروتها وظلمها ووحشيتها.

في لبنان، كما في المقاومة، جحافل من الإعلاميين والمسؤولين القادرين على حمل الأمانة واستكمال المسيرة. شخصيات تملك من العزم والإرادة ما يجعلها تتابع المسار بكل ثبات، تردد صدى الكلمات التي جعلت للحق صوتا وسط ظلام التآمر والصمت.

لقد ظنت إسرائيل أن باغتيالها الحاج محمد عفيف ستسكت صوت المقاومة الذي أزعجها وكشف جرائمها، لكنها تجاهلت أن إرادة الأحرار لا تخمد، وأن المقاومة التي تتغذى على دماء الشهداء لا تعرف الهزيمة. الشهيد الحاج محمد لم يغادر ميدان المعركة، بل انتقل من ميدان البطولة في هذه الدنيا إلى سجل الأساطير، ليبقى اسمه خالداً في ذاكرة الأمة، وشاهداً على أن الحق لا بد أن ينتصر، مهما طال الزمن.

أما بعد، يا شهيد الأمة وشهيد القدس، فلكَ في القلب كلامٌ لا ينفد، ومعانٍ تتسامى فوق حدود الكلمات. اعذرني اليوم، فإننا نبكيك بكاء الرجال، دموعاً لا ضعف فيها، بل هي نارٌ تسري في العروق، تشعل عزماً وتجدد العهد.

وغدا، وفي كل قادمٍ من الأيام، سيقف المقاومون وقفة العزّ، يستلهمون من روحك الثبات، ومن دمك الطريق إلى النصر. سنبقى على العهد، لا نحيد ولا نتراجع، مؤمنين بأن دماء الشهداء هي النبراس الذي يضيء لنا ظلمات هذا العالم.

ولا يسعني في وداعكَ إلا أن أقول لك كلمة واحدة، تختزل كل معاني الامتنان والعرفان: شكراً. شكرا على نبلكَ وأخلاقكَ وفروسيتكَ، شكراً لأنكَ أثبت أن البطولة ليست شعاراً، بل فعلٌ يزلزل أركان الطغيان.

والله أعلم بما تُكنّه القلوب، وعليمٌ بما تخفيه الصدور، وسيشهد العالم يوما أن دماء الشهداء لن تذهب سدى، بل ستنبت نصراً يليق بمقامهم العظيم.

وفي الختام، سلامٌ عليكَ يا حاج، وعلى روحكَ الطاهرة وذكركَ الطيب. سنظل نردد صدى كلماتكَ في وجه العدو:

“هل كنت تعتقد أنّنا سنضع أيدينا خلف رقابنا ونوقع لك وثيقة استسلام؟ هل كنت تعتقد أنّنا سنرفع الأعلام البيضاء المذلّة؟ هل بلغ بك الخيال والجموح حدّاً أن تحلم بمستوطنات صهيونيّة على أرض الجنوب أو دويلة عميلة على غرار ما مضى من زمن؟ جوابنا لك أنّ النار بالنار، والدم بالدم، والحديد بالحديد.”

رحم الله الشهيد الحاج محمد عفيف، وجعل شهادته نبراساً ينير درب المقاومة، وعبرةً للأجيال التي تؤمن بأن الحق هو السبيل الوحيد للانتصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى