عيّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حسن محمود رشاد رئيسا جديدا لجهاز المخابرات المصرية في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر من العام الجاري.
بالتزامن مع ذلك، تم تعيين عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، مستشاراً للرئيس ومنسقاً لأجهزة المخابرات ومبعوثاً خاصا للرئيس.
يتمتع رشاد بخبرة تزيد عن 34 عامًا في العمل الاستخباراتي، وكان فيما سبق نائبًا لعباس كامل وتخرج من الكلية الفنية العسكرية. وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال أيضًا أنه كان مسؤولاً سابقًا عن العلاقات مع إيران في جهاز المخابرات المصرية. هذا التعيين غير المتوقع، نظراً لعلاقة عباس كامل الشخصية الوثيقة جداً مع السيسي، وعلاقاته الجيدة مع الأجهزة الأمنية الأمريكية والاسرائيلية ومسؤولي حماس، فضلاً عن توقيت إقالته (التطورات المهمة حالياً في المنطقة)، أثار العديد من التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية. وأرجعت بعض المصادر ذلك إلى موافقته على مطالب حماس وسعيه لإقناع السيسي بالتفاوض مع إسرائيل وإقناع المسؤولين الإسرائيليين بقبول بعض شروط حماس وإنهاء الصراع.
يرى مسؤول مطلع في المخابرات المصرية أن الكشف عن بعض المعلومات السرية عن اتصالات وعناصر إسرائيلية في مصر، فضلا عن الاتفاقيات المصرية الإسرائيلية، هو السبب وراء تحرك السيسي للإطاحة بعباس كامل.
البعد الآخر لأهمية هذا التحول هو وضع المخابرات العامة في مصر؛ وباعتباره أهم وكالة استخبارات في هذا البلد، فإن رئيس المخابرات العامة له نفس رتبة وزير، وبالإضافة إلى واجباته الأمنية والاستخباراتية، فهو أيضا مسؤول عن المهام السياسية والدبلوماسية في القضايا الرئيسية المتعلقة بمصر لا سيما في القضايا الداخلية والخارجية. فيما يواصل عباس كامل ومعه رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووزير الخارجية القطري دفع عملية المفاوضات المتعلقة بالاتفاق السياسي لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين حماس والكيان الصهيوني منذ أكثر من عام.
وفيما يلي نستعرض الأسباب التي أثيرت في الأوساط السياسية والإعلامية حول أسباب وسياقات تغيير رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية:
الفرضية الأولى: تراجع مكانة عباس كامل بسبب فشله في إدارة القضايا بيد عدد من وسائل الإعلام المقربة من الإخوان المسلمين ومعارضي مصر، بالاضافة الى إقالة عباس كامل نتيجة فشله في قضايا غزة (عملية اتفاق وقف إطلاق النار واستمرار احتلال النظام الصهيوني لمحور فيلادلفيا) والسودان وليبيا (استمرار الأزمة والتهديد لمصالح مصر في جيران هذا البلد) الخ. كما اعتبر البعض أن ذكر اسم عباس كامل في قضية الرشوة للسيناتور الأمريكي بوب مينينديز، هو سبب الضغط الخارجي على السيسي وإجباره على إقالته بالكامل. تجدر الإشارة إلى أن مينينديز أدين بالرشوة وإساءة استغلال منصبه والعديد من الجرائم الأخرى من قبل المحكمة الأمريكية في يوليو من هذا العام. وقد وردت في قضيته اتهامات مثل التعاون مع أشخاص تابعين للحكومة المصرية مقابل الحصول على أموال وذهب وغيرها. كما سلطت بعض وسائل الإعلام الأخرى المقربة من جماعة الإخوان الضوء على خوف الرئيس المصري من وصول من حوله إلى السلطة، وكتبت أن السيسي قضى على شريكه الأخير في انقلاب 2013. واعتبرت هذه المجموعة من التحليلات إقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان المشتركة ووزير الخارجية المصري في الأشهر الأخيرة في السياق نفسه.
الفرضية الثانية: ترقية عباس كامل فسرت وسائل الإعلام والشخصيات المقربة من الحكومة المصرية تغيير رئيس جهاز المخابرات في البلاد على أنه ترقية لمنصب عباس كامل، وأنه أمر طبيعي بناء على قرار الرئيس. ومن بينهم عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق وعضو مجلس الشيوخ المصري، في مقابلة مع قناة الحرة الأمريكية، مع التأكيد على النقاط المذكورة، ووصف سياسات مصر بأنها مبنية على مؤسسات البلاد. وليس الأفراد. ونفى تماما شائعة تدخل دول أجنبية في إقالة وتنصيب مسؤولين في مصر واعتبر الحزب الصهيوني مسؤولا عن فشل مفاوضات وقف إطلاق النار وليس عباس كامل!
ومن خلال دراسة الفرضيات المطروحة حول أسباب وسياقات تغيير رئيس هيئة الإعلام المصرية، يبدو أن أياً من فرضيات ترقية عباس كامل أو خفض رتبته غير صحيحة؛ لأن ترقيته يمكن أن تؤجل لحين الاستقرار النسبي للأوضاع في المنطقة ومصر. كما أن التدهور في منصبه لا يتناسب مع منحه منصب مبعوث الرئيس؛ وفي الوقت نفسه، فإن الصداقة الوثيقة للغاية والثقة الخاصة التي يكنها الرئيس كامل تضعف فرضية تدهوره.
وفي هذا الصدد، كتب مايكل وحيد حنا، مدير البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية، في صحيفة نيويورك تايمز: عباس كامل هو أحد الأشخاص القلائل الذين يثق بهم الرئيس المصري، ولا أعتقد أنه سيتم عزله من منصبه.
وبناءً على ذلك، يبدو من المرجح أن تقوم مصر، من خلال تقييم التهديدات واتجاه التوترات في المنطقة، وخاصة الصراع العسكري المحتمل بين إيران والكيان الصهيوني، بتغيير تكتيكاتها وتوظيف قوة جديدة بما يتوافق مع الوضع الأمني الجديد. ونتيجة لذلك، سيكون جهاز المخابرات أكثر نشاطا وقد عد العدة لذلك. بمعنى آخر، ربما يجهز الرئيس المصري نفسه لتفاقم الوضع في المنطقة بهذا التغيير.