النائب فضل الله: المقاومة على الأرض تقدر كيفية المواجهة في الميدان
أكّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أنّ العدوّ “الإسرائيلي” لم يستطع تحقيق أي من أهدافه بإعادة المستوطنين إلى الشمال وإبعاد المقاومين”، وقال: “نحن لن ندخل في أي تفاصيل متعلّقة بالمفاوضات ونرى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قادر على تحقيق مصلحة الوطن”.
في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب؛ تناول فضل الله تطورات العدوان الصهيوني على لبنان، ولفت إلى أنّ: “الاحتلال لم يحتل أي قرية بالرغم من الغارات الهائلة”، مشددًا على أنّ: “المقاومة على الأرض تقدر كيفية المواجهة في الميدان”، وأنّ “ملف وقف إطلاق النار هو بيد الرئيس بري بالتعاون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي”.
في ما يلي النص الكامل لكلمة النائب فضل الله:
بعد مرور شهر على العدوان الواسع على بلدنا، جيش الاحتلال لم يترك وسيلة من وسائل القتل إلّا واستخدمها من ارتكاب المجازر ضدَّ المدنيين واستهداف رجال الانقاذ والقطاع الصحي والاستشفائي والمؤسسات الانسانية والمساجد والكنائس والحسينيات إلى وتدمير المنشآت المدنية والبلديات على رؤوس العاملين فيها، واستهداف الجيش اللبناني واليونيفل واستخدام القنابل العنقودية في حرب أراد العدو لوحشيتها وقساوتها أن تمهّد لتصفية المقاومة وشعبها من الوجود، فما تعرَّض له بلدنا ومقاومتنا تزول به الجبال. ولكنَّ هذه المقاومة؛ لأنّها تعتمد على الله أولًا وآخرًا؛ ومعها شعبها المضحي والشجاع؛ فهي باقية وراسخةٌ رسوخ الإيمان، ورسوخ الجبل العاملي وسهل البقاع وبحر الضاحية ورسوخ لبنان بشماله وجبله وعاصمته.
إنّ كلَّ هذه الجرائم ضدَّ الانسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال تهدف إلى إخضاع لبنان ودفعه إلى الاستسلام، وإلى فرض معادلات جديدة يتسيَّد فيها كيان الاحتلال على المنطقة، ويملي شروطه على شعوبها ودولها، ليشطب فكرة المقاومة من ذاكرة الشعوب حتَّى لا يرفع أحدُ في وجهه سلاحًا للدفاع عن نفسه، أو حماية شعبه أو ردعه عن بطشه. لقد خطط العدو لهذه الحرب ووضع أهدافها منذ سنوات، وكان يحاول في كلِّ مرة أن يقتنص الفرص؛ تارة بعنوان معركة بين الحروب، وطورًا بعنوان ضربة استباقية حدَّدها في 11 تشرين الأول في العام 2023، كما أقرَّ وزير حرب العدو، ولكن جرى تأخيرها طوال هذه المدة ليتفرغ لحرب الإبادة في غزة قبل أن يوَّسع حربه على بلدنا.
لكنَّ الصورة التي رسمها نتنياهو لمشروعه آخذة بالتبدَّل، وما اعتقده انتصارًا سريعًا يبني عليه مشروعه الجديد بتصفية حزب الله وإحداث تغييرات بنيوية في لبنان والمنطقة، لم يكن سوى استعجال المتغطرس الذي ظنَّ أنه باغتيال قائدنا وإخوانه الشهداء وارتكاب المجازر المروِّعة بحق شعبنا يحقق أهدافه كاملة. ولاقاه في ذلك أعداء لبنان وشعبه باستعجال حصاد ثمار العدوان على المستوى السياسي، سواء بالدعوة إلى فرض معادلة سياسية جديدة في لبنان أم بتكوين شرق أوسط جديد، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين.. إذ قلب المقاومون البواسل على خط الحدود المشهد،ـ وبدأت المقاومة مرحلة جديدة عنوانها التصدي للعدوان على لبنان والدفاع عن الوطن، واستلهم المقاومون تعاليم السيد الشهيد وما رسمه من خطط لمثل هذا اليوم، وقد بثَّ في قلوبهم روحًا استشهاديَّة بطوليَّة قلَّ نظيرها، ولم تشهدها المقاومة بهذا المستوى منذ انطلاقتها.
لقد عمد الاحتلال إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة، من خلال التدمير الممنهج للقرى والبلدات، خصوصًا في الجنوب وعلى خط الحدود، لتنفيذ مشروعه القديم الجديد باقامة ما يسميه المنطقة العازلة. وهو ما خطَّط له منذ العام 1978 وصولا إلى حرب العام 2006، فمشروعه الحقيقي هو جعل جنوب الليطاني جزءًا من كيانه، كما صرَّح علنًا بعض مسؤوليه. وهو بالتأكيد ما ستحبطه سواعد المقاومين وصمود شعبنا.
إنَّ خطورة هذا المشروع الصهيوني ضدَّ بلدنا تدفع شعبنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى التمسك بمقاومته، ويجعل المقاومين على امتداد مساحة وطننا ومنطقتنا أكثر إصرارًا على التصدي لهذا العدوان واحباط أهدافه. ولذلك لا خيار لنا في لبنان، بعد الاتكال على الله والثقة بنصره، إلَّا سواعد المقاومين الأبطال وما تفرضه في الميدان من وقائع يومية هي مفخرة للبنان والأمة جمعاء. وغير ذلك رهانات على سراب، فلا مجتمع دولي يتحرك ولا هيئات أممية تقف موقفًا صريحًا ضد الجرائم البشعة. وما يُسمى الحس الإنساني للدول المهيمنة في العالم سقط في غزة، كما سقط في لبنان، فلا يحمي شعبنا إلّا التمسك بحقه بالمقاومة والدفاع عن نفسه وتلاحم بنيه في مواجهة هذه الحرب الوحشية.
صحيح أنَّ شعبنا حزين ومتألم ويدفع ثمنًا كبيرًا لاعتماده خيار المقاومة ومناصرته قضيَّة إنسانية محقَّة، ولكنّه شعبٌ صامدٌ صابرٌ قوي العزيمة، ويعتمل في قلبه الغضب المقدَّس وروح الثورة. وهو يتصرَّف بما تمليه عليه ثقافته بوطنية وشجاعة وحكمة، ولا يتخيلَّن أحد ما يملكه هذا الشعب من إرادة صلبة عصيَّة على الانكسار يفجِّر غضبه في وجه المحتلين، ويتمسك بحقه المشروع في الدفاع عن النفس والأرض والمقدسات. ولن تستطيع قوَّة على وجه الأرض شطب مقاومته من المعادلة، أو إلغاء دوره الريادي في لبنان والمنطقة. وعلى الواهمين أن يستفيقوا من نشوة نتنياهو ومن معه، وهؤلاء لم يتعلّموا من دروس الماضي القريب والبعيد، وهم لن يحصدوا سوى الخيبة والخسران والعار، فالأمور بخواتيمها. والمقاومة بمقدار ما هي رجالٌ في الميدان يبذلون الدم، أيضًا شعبهم الوفي الذي تتوالد فيه المقاومة جيلاً بعد جيل، فلا تسقط الراية مهما كانت التضحيات والصعاب، . وفي الإطار نفسه، ندعو شعبنا ألّا يعير بالًا للأراجيف والأضاليل والمحرضين، وللذين يستيقظون في كل يوم على وهمٍ بأن يكون لبنان من دون المقاومة وحزبها وبيئتها، تلك أضغاث أحلام وستبقى أوهام الخائبين.. مقاومتكم قويَّة لأنكم أقوياء وأوفياء. وشعار شعبنا اليوم: “المقاومة هي الرد وقوافل الشهداء تصنع النصر”.
إننا نعمل اليوم على خطوط ثلاثة، وهي:
أولا: الميدان وله رجاله البواسل، وإدارته الميدانية المرنة التي تقدِّر ظروف المعركة ومتطلباتها. وقد بلغ مستوى التحكم والسيطرة حدوده المطلوبة، وخيار قيادة المقاومة مواصلة القتال بكل الوسائل التي تحتاجها المواجهة من أجل منع العدو من تحقيق أهدافه، وإجباره على وقف عدوانه. إذ لم يتمكّن من تحقيق أي من أهدافه المعلنة بإعادة المستوطنين أو احتلال جنوب الليطاني. وهو ما تبينه المواجهة البريَّة؛ فبالرغم من كثافة النيران والغارات وزجّ جيش العدو بنخبة قواته، يدافع المقاومون، وأغلبهم من أبناء القرى والبلدات، ببطولة نادرة عن أرضهم، ويقاتلون على حافة الحدود، من الجهتين داخل مئات الأمتار اللبنانية وخلفها باستهداف تجمعات العدو في المستوطنات القريبة والبعيدة، بينما ألاف المقاومين المتأهبين للالتحاق بالجبهة ينتظرون بفارغ الصبر دورهم للمشاركة في واجب الدفاع عن بلدهم كي يحققوا للسيد الشهيد أمنيته بتدمير جيش العدو على أرض الجنوب.
إنَّ ثبات المقاومين في الميدان في المعركة البرية ومواصلة المقاومة إطلاق صواريخها على قواعد الاحتلال العسكرية على مدى جغرافي واسع، ووفقًا لما تقتضيه خطة المعركة والأهداف المرسومة، هو بحدِّ ذاته دليل على فشل العدوان في تحقيق أهدافه المرحلية المعلنة.
ثانيًا: على المستوى السياسي، ومنذ بدء جبهة الإسناد قبل سنة، دولة الرئيس بري والحكومة تتوليان التفاوض مع الموفدين الدوليين، من أجل الوصول إلى وقف العدوان. واليوم يسعيان إلى الوصول إلى مرحلة وقف إطلاق النار، وهذا الملف يتابع بدقة وتنسيق كامل بين قيادة حزب الله ودولة الرئيس بري، ولسنا بوارد الدخول في أي تفصيل يتعلَّق بهذا الأمر، بل متروكٌ للجهود السياسيَّة التي تجري على أكثر من صعيد.
ثالثًا: ملف النزوح ومع تقديرنا العالي للوقفة الوطنية، وللمبادرات الحزبية واأهلية وللجهود الرسمية، وكلها تصب في إطار استيعاب حجم النزوح وتداعياته، فإنّ تشكيلات حزب الله وحركة أمل تعمل بالطاقة القصوى، للتخفيف عن اهلنا، وندعوا الجميع إلى التعاون، ولن ندخل في أي سجال مع أحد لأنَّ المطلوب هو وقفة انسانية وطنية، وملف اعادة الاعمار بيد أمينة، صاحبة الوعد والعهد، وعودة شعبنا إلى كل قرية وبلدة وبيت من خط الحدود في الجنوب إلى أقصى البقاع مرورًا بضاحية بعزَّة وكرامة هو وعد المقاومين وعهدهم لشعبهم الأبي.
وأختم بكلمة للأهل والمقاومين:
لأهلنا الصامدين والثابتين في جهات الوطن المختلفة، تدفعون اليوم ضريبة الدم دفاعًا عن تراب الوطن والمقدسات والكرامة والحرية والسيادة.
لعوائل الشهداء:والجرحى ألامكم وتضحياتكم هي جهاد في سبيل الله من أجل إحقاق الحق ونصرة المظلومين وهي دماء عزيزة تطهر تراب الوطن وتصنع مستقبل حريته.
للرجال الأشداء أصحاب الايمان الراسخ والهمم العالية، المرابطين على حدود النار، من الناقورة إلى شبعا المنغرسين في التراب حتى الشهادة: تحرسون اليوم سياج الوطن، وكرامة شعبه، ولا تأبه سواعدكم لأطنان القذائف ورائحة الموت وما أذكاها في سبيل الله. هذا يومكم الموعود، ووعدكم الصادق، وعهدكم لروح سيدنا الشهيد وقائدنا الحبيب السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه. تلتزمون وصيته: بأن تخوضوا اللجج وتبذلوا المهج” صونأ لشرف لبنان وكرامته وحمايةً لأرضه وشعبه.