هي نهاية العالم بالنسبة إلى الكثيرين من الإنكليز، فتعيين الألماني توماس توخيل مدرباً لمنتخبهم هو آخر ما كانوا يطمحون إليه بالتأكيد.
الواضح أن توخيل نفسه يعرف هذا الأمر، لذا وفي أوّل تعليقٍ له على قرار تعيينه، قال: “أعتذر لكنني أحمل جواز سفر ألمانياً، لكن الكل يعرف مدى عشقي للدوري الإنكليزي ولإنكلترا. أنا هنا للفوز بكأس العالم ولإضافة نجمةٍ ثانية”.
إذاً الضغوط بدأت قبل وصول توخيل الى مقعد المدرب، فهو لا يحمل مهمة فنية فقط، إنما اكثر من ذلك بكثير.
هو يدرّب اليوم المنتخب الذي لطالما اعتبر ألمانيا “عدوة” له في كرة القدم، إذ حتى المباريات الدولية الودية بين المنتخبين دخلت كتب التاريخ بسبب أحداثها، وخلّد كلّ طرف ذكرى منها يتغنى بها، وأراد من خلالها إزعاج خصمه إلى الأبد.
هي عداوة يقال إن الإنكليز كانوا وراءها بمجرد رفعهم كأس العالم عام ١٩٦٦ على حساب الألمان بفعل هدفٍ وهمي احتُسب للنجم جيف هيرست في المباراة النهائية التي استضافتها بلاده.
الأدمغة المفقودة
لكن الواقع أن الأمور تغيّرت منذ ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، إذ إن إنكلترا لم تعد تلك البلاد القادرة على إنجاب الأدمغة التدريبية، والدليل أن افضل المدربين لديها في الدوري الإنكليزي الممتاز كانوا من إسبانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها من البلدان القريبة والبعيدة عنها.
من هنا، وبعد تجارب سيئة عدّة، ومنها الأخيرة مع المدرب غاريث ساوثغايت، كان القرار بالعودة إلى المدرب الأجنبي.
صحيح أن المدافع السابق أوصل منتخب “الأسود الثلاثة” إلى المباراة النهائية لكأس أوروبا في دورتين متتاليتين، لكن هذا الأمر لم يكن الإنجاز المطلوب بل إن الإنكليز يريدون رؤية منتخبهم على منصة التتويج، ويريدون رؤية منتخبٍ يتطوّر بشكلٍ مطّرد، وهو ما لم يحصل في عهد ساوثغايت.
لذا نادى البعض منذ زمنٍ بمدربٍ أجنبي، إذ إن هؤلاء يعتبرون أن المنتخب الإنكليزي كان أفضل أيام تولي السويدي زفن غوران إيريكسون تدريبه، حيث صار أول أجنبي يتولى الإشراف عليه. والمسألة عينها رآها قسمٌ من النقاد عندما أشرف الإيطالي فابيو كابيللو على منتخب البلاد التي تُعتبر مهد اللعبة.
من هنا، حضر الكلام عن استقدام البرتغالي جوزيه مورينيو بعد تجاربه الناجحة في الكرة الإنكليزية، لا بل إن قائد مانشستر يونايتد السابق الإيرلندي روي كين طلب من الاتحاد الإنكليزي التعاقد مع الإسباني جوسيب غوارديولا عند نهاية عقده مع مانشستر سيتي.
لكن بما أن هناك استحالة لحصول هذه الخطوة، كان توخيل أفضل الممكن، وهو الذي يعرف الكرة الإنكليزية جيّداً، ويهوى إشراك اللاعبين الإنكليز كما بدا عندما درّب تشلسي لفترةٍ قصيرة وقاده بسرعة لإحراز لقب دوري أبطال أوروبا على حساب السيتي في عام ٢٠٢١.
ولهذا السبب أيضاً وقف مانشستر يونايتد في الصيف وقبل أسابيع قليلة في صف الذين أرادوا التعاقد معه في إنكلترا، وذلك رغم خروجه قبل أشهرٍ من موسمٍ سيئ جداً مع بايرن ميونيخ.
مقامرة ومغامرة
لذا، وانطلاقاً من هذه النقطة، يُطرح سؤالٌ مهم: هل توخيل الرجل المناسب لإنكلترا، وهل يمكن اعتباره من المدربين الأهم في عالم الكرة؟
الجواب هو أن الاتحاد الإنكليزي “يقامر” بهذا التعيين، فاذا كان الأخير يعتبر أنه تعاقد مع مدربٍ يتمتع باسمٍ معروف وبخبرة واسعة في التعامل مع ضغوط الإعلام، وقدرة على مساعدة لاعبيه على التطور، وخاصة صغار السن منهم، فقد فاتته مسألة مهمة وأساسية. المدرب السابق لماينتس وبوروسيا دورتموند، لم يستمر في منصبه لفترة طويلة في الأندية الكبيرة التي أشرف عليها، سواء مع باريس سان جيرمان الفرنسي أو تشلسي أو بايرن ميونيخ.
ومع الأخير كان توخيل السبب في تدهور النادي البافاري على مختلف الأصعدة، ولقي انتقادات لاذعة ومباشرة من قبل بعض اللاعبين والإداريين حتى قبل أن يخرج من منصبه. واللافت أن الإدارة وقبل نهاية الموسم كانت قد أعلنت عن رحيله لتخفيف ضغوط الانتقادات التي دمّرت في نهاية المطاف كل طموحات وأهداف النادي العريق، والدليل أنه فقد حتى لقب “البوندسليغا” الذي سيطر عليه طوال ١١ موسماً متتالياً.
ما قد يشفع لتوخيل هو مسألة واحدة، وهي أنه يحب اللاعب الإنكليزي، وقد سعى إلى التعاقد مع أكثر من لاعب من إنكلترا خلال تواجده في بايرن حيث اعتمد على المدافع إيريك داير الذي اختفى من الحسابات الأساسية بعد رحيله. كما أنه عرف إخراج الأفضل من الهدّاف هاري كاين فجعل منه سلاحاً أقوى مما مضى، ليتوّج في نهاية المطاف هدافاً لأوروبا.
تجربةٌ جديدة لتوخيل الذي لم يفكر الاتحاد الألماني في جعله مدرباً لمنتخبه، ما يعني أن لديه المزيد ليقدّمه. وتجربةٌ جديدة أيضاً للكرة الإنكليزية التي ربما ستكره الألمان أكثر في حال فشل توخيل في رفع منتخبها المليء بالمواهب نحو أعلى درجةٍ على منصة التتويج المونديالية.