هو النهائي المثالي الذي يحب أن يراه كل عاشق لكرة السلة اللبنانية. هو النهائي الذي سعى إليه فريق الحكمة منذ 8 أعوام، وذلك ضمن سعيه المتواصل إلى اللقب الغائب عن خزائنه منذ 20 عاماً، وتحديداً منذ أن أحرزه للمرة الأخيرة في ختام موسم 2003 ـ 2004.لكنّ الواقع أنك لا تشعر غالباً بأن البطولة غابت عن الفريق الأخضر لهذه المدة الطويلة، إذ لطالما كان هذا النادي العريق محور الكثير من الأحداث التي احتلت العناوين، إن كان من النواحي الإدارية أو الفنية. أضف أنه حتى في عدم فوزه باللقب فقد خلق حالة استثنائية في المستديرة البرتقالية تركت دائماً انطباعاً إيجابياً، فبدا وكأنه صاحب بصمة لا تُنسى في كل موسمٍ عجز فيه عن الفوز بالبطولة.
كفاح وشجاعة
هي مسألة بطلها جمهوره الكبير بالدرجة الأولى، والذي لم يترك فريقه حتى في أسوأ حالاته، فوقف خلفه داعماً في قاعة أنطوان شويري في نادي غزير، ليبقى على العهد الذي تركه رئيسه الراحل، وليبقى الحكمة مثالاً للنادي المكافح والشجاع الذي لم يستسلم، فوجد دائماً من يقف خلفه ويدعمه في كل ما يحتاج إليه، ليعود هذه المرة للوقوف على مسرح النهائي الكبير.
إنجازٌ لم يتوقّع جمهور «الأخضر» أن يحصل، وهو لم يتوقّع أيضاً أن يكون فريقه في «فاينال 8» بطولة الدوري السوبر لغربي آسيا، والذي سيقام في العاصمة القطرية الدوحة.
قد يخسر الحكمة سلسلة النهائي أمام الرياضي لكنه لن يُهزم يوماً
قبل بداية الموسم الحالي، بدا الوضع ميؤوساً منه، إذ لا مال في خزينة النادي، وانفراط عقد اللجنة الإدارية، وتالياً خسارة الحكمة لأبرز نجومه وحتى مدربه الذي عرف ولادته السلوية فيه لاعباً ومدرباً.
هنا حلّت الصدمة على مشجعي الفريق الذين عاشوا خيبةً وغضباً في آنٍ معاً، لكن «زمن المعجزات» لم يكن قد حلّ بعد، وفجأة انقلبت الأمور بسحر ساحر، فكانت النهاية الدراماتيكية لنادي دينامو لبنان وانتخاب هيئة إدارية جديدة للحكمة برئاسة المحامي راغب حداد، ودعم النائب جهاد بقرادوني، أشبه بنقطتَي تحوّل وانطلاق.
هنا، سارع الحكمة إلى التوقيع مع كل ما كان متاحاً في السوق، واتفق أيضاً مع المدرب جاد الحاج الذي كان قد قاد دينامو نفسه إلى نهائي بطولة الموسم الماضي.
حالة شعبية
الكل أراد أن يكون واقعياً، خصوصاً بعد مرحلة أولى لم يُوفّق فيها فريق منطقة الأشرفية ببعض عناصره الأجانب حتى بدأت الصورة النهائية تكتمل في هذا الجزء من القصة، إذ بعد خسارته صانع الألعاب الأميركي المميّز بيار جاكسون، كان التعويض بآخر لا يقلّ شأناً، وهو ملك التسديدات الخرافية مواطنه جوناثان غيبسون. وبعد الحيرة التي أصابت المتابعين حول التفضيل بين الجنوب سوداني دانغ أكوث والأميركي كلاي أنطوني إيرلي، كانت إصابة الأخير وانفجار القدرات الهجومية للأول في مبارياتٍ كبيرة ومن ثم بناؤه على أدائه المميّز ليصبح أحد أهم عناصر الفريق وأسلحته، بمثابة منعطفٍ آخر في مسيرة النجاح الذي تُرجم بتفوّقٍ على “بيروت” في سلسلة مباريات «الفاينال 4»، وذلك بعدما رشّح كثيرون الفريق الذي يحمل اسم العاصمة اللبنانية للعبور إلى النهائي، وخصوصاً بعدما عرف حالة استقرار في بداية الموسم بعكس الحكمة الذي خسر لمصلحة خصمه، مدربه جو غطاس ونجومه لاعب الارتكاز الأميركي كليف ألكسندر، وصانع الألعاب علي مزهر، والنجم الدولي الهدّاف سيرجيو الدرويش.
لكن كيف لا يعود فريقٌ وهو مزوّد بأصوات مشجّعين أوفياء جعلوا من عبارة «إنت وقلبك قولو حكمة» الوقود الذي أشعل محرّكات اللاعبين. مشجّعون تقاطروا إلى قاعة غزير التي لم تتسع لهم يوماً، وافترشوا الطرقات في المناطق اللبنانية أخيراً لمتابعة فريقهم المفضّل عبر شاشاتٍ عملاقة، فأصبحت هذه الحالة «تراند» تعمل على تظهيرها الروابط الحكماوية والقواعد الجماهيرية في أكثر من منطقة، خصوصاً عندما يلعب الفريق خارج أرضه، ليتحوّل الحكمة إلى حالةٍ شعبية على غرار ما شهدناه في محيط ملعب غزير أحياناً، ومن ثم في زحلة وبسابا، وغيرهما من المناطق التي تستعد حالياً لنسخ المشهد خلال خوض فريقها إحدى المباريات النهائية في أرض غريمه التقليدي النادي الرياضي.
هنا يتأكد الجميع بأننا لا نتحدّث عن فريقٍ رياضي فقط أو عن فريق كرة سلة حمل المجد إلى لبنان في بدايات العصر الحديث للعبة ودفع الأندية الأخرى إلى وضع كل إمكاناتها من أجل اللحاق به ونسخ إنجازاته. هنا نحكي قصة نادٍ قد يخسر سلسلة النهائي، لكنه لن يُهزم يوماً لأن جيلاً يسلّم آخر أمانةً اسمها الحكمة.