بين النجمة والعهد قصة حب لم تبصر النور يوماً، فالودّ مفقود بين الطرفين مهما حاول الطرفان تلوين الصورة المرسومة في ذهن جمهوريهما. هما بـ «الكراهية» التي وصلا إليها تجاه بعضهما البعض تخطيا في سنواتٍ قليلة من المنافسة الضارية بينهما تلك الحماوة التي عرفتها كرة القدم اللبنانية في عزّ أيام النجمة والأنصار. وها هو «الأصفر» يقف في وجه «النبيذي» لإطلاق نزالٍ جديد على لقب مسابقة كأس لبنان التي ستقام مباراتها النهائية غداً الأحد الساعة 17.00 على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية.
أن تصل الأمور إلى حدّ طلب وزير الشباب والرياضة محمد فنيش إلى مجلس الوزراء «تأمين» الجيش اللبناني (إلى جانب قوى الأمن الداخلي) للأمن في مباراة في كرة القدم، يعني أن الوضع مأزوم. هو أمرٌ معلوم أصلاً ولا داعي لتجميله، فالكل يعرف المشاعر التي يكنّها كل طرفٍ للآخر، إن كان إدارياً أو جماهيرياً، فما يحكى في الخفاء هو غيره في العلن. وقد يكون هذا «جزءاً» من اللعبة، وقد يكون أكثر من ذلك.
بطبيعة الحال، كثيرون يسألون اليوم عن السبب الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه حالياً. نتحدث عن الكراهية المتفاقمة بين جمهوري النجمة والعهد. وهو سؤال مشروع ومطروح بقوة ومبرَّر أيضاً، فعلاقة الندية الكروية أصبحت هامشية، وما متابعة مناوشات ومعارك جمهوري الفريقين عبر مواقع التواصل أو حتى خلال وجود أحدهما في مباراة لا تجمعه مع الطرف الآخر إلا الدليل القاطع على أن كلّ ما يحصل قد تخطى الأطر الرياضية، وفي حالاتٍ معيّنة حتى الأخلاقية. طبعاً لا يجوز التعميم هنا لأن قسماً كبيراً من جمهوري الفريقين يتبع فريقه وفق حبٍّ كروي من دون أي بُعدٍ آخر، لكن تأثير الفئة السلبية على طابع المنافسة بين الفريقين يبدو كبيراً حالياً، لا بل إنه بات مسألة أمنية وسط المخاوف التي تُطرح قبل كل موقعة بينهما، ليتعدى الأمر بالتالي مسألة «التزريك» التي وصلت حتى عبر عهداويين إلى النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي تناقل كثيرون صورته وهو يهنئ (مدركاً أو جاهلاً) العهد على لقبه السادس.
النجمة أحبّ العهد ثم كرهه
تاريخياً ارتبط اسم العهد بالنجمة بشكلٍ غير مباشر، فالنادي الأصفر عُرف باسم نجمة العهد الجديد. وهذه التسمية تغيّرت عام 1993 مع وصول عبدو سعد إلى الرئاسة التي شغلها عام 1995 حيث وضع الأسس في ولايته للصعود إلى الدرجة الأولى، قبل أن يصعد الفريق إلى الأضواء للمرة الأولى في عهد رئيسه السابق الحاج أمين شري، يؤكد سعد في حديثٍ مع «الأخبار» أنه في بداية المشوار كان جمهور النجمة هو جمهور العهد «عندما كنت أذهب لمباريات النجمة، كان جمهور الأخير يهتف للعهد، لدرجة أوعز إليّ أحد الإداريين النجماويين وقتذاك بأن بعض زملائه يخافون من تسرّب الشعبية النجماوية إلى العهد، وذلك في عهد الرئيس عمر غندور». ويضيف: «كانوا يشجعوننا لإحساسهم بالقرب منا». وتذكر مصادر في تلك الفترة أن الجمهور بلونيه لم يحمل أيّ ضغينة إلى الملعب، فهو بحسب مصدرٍ عاصرَ تلك الفترة شعر بأن إداريي العهد محبون للنجمة وهذا كان سبباً إضافياً لمتابعة الفريق «النبيذي» وتشجيعه. وبحسب المصدر نفسه، ظهرت السلبية من جهة بعض الإداريين العهداويين تجاه نادي النجمة انطلاقاً من إرادة إثبات الوجود، وسط شعورهم بأن هناك من يسعى لمحاربتهم.
سعد، بدوره، يطلق موقفاً سياسياً، لا علاقة له بالرياضة، عندما يؤيد اليوم ترشيح عمر غندور الذي يسميه «أيقونة كرة القدم اللبنانية» في الانتخابات النيابية، وهو برأيه دليل على عمق العلاقة التاريخية بين رؤساء الناديين. لكنه في نفس الوقت يرى أن العهد لم يأخذ الكثير من جمهور النجمة بل إن اختلاط الجمهور المحبّ للفريقين في مناطق واحدة أثّر بشكلٍ أو بآخر على علاقتهما. الواقع أن هذا الكلام صحيح، إذ منذ صعود العهد إلى الدرجة الأولى صبّت فئة من مناطق الأوزاعي والضاحية مثلاً جماهيرياً في مدرجات الفريق الأصفر، كما أن لاعبين صغاراً وجدوا مساحة إضافية للانخراط في نادٍ للدرجة الأولى، فأصبح ملعب العهد قبلةً لهم تماماً كما كان ملعب النجمة مرجعاً بالنسبة إلى كل ناشئ يرغب في إيجاد الطريق إلى الأضواء. لكن نجماويين قدماء يخالفون هذا القول، إذ يعتبرون أنه حتى في اعتماد العهد لموسى حجيج مدرباً هو «جزء من مخطط مدروس لاستقطاب جمهور النجمة»، رغم أن هذه الفكرة قد لا تبدو واقعية لأن من ترك المدرجات النجماوية والتحق بنظيرتها العهداوية لأهواء سياسية أو طائفية أو حتى كروية، سبق أن فعلها منذ مواسم سابقة، وما ازدياد أعداد جمهور العهد إلا بفعل النجاحات التي حققها على أرض الملعب موسماً بعد آخر.
مواقع التواصل «بنزين في النار»
يروي لاعب معروف سابق في العهد أنه قبل إحدى المباريات مع النجمة على ملعب بيروت البلدي، وهي كانت مباراة غير مؤثرة بالنسبة إلى فريقه طُلب منه ومن زملائه عدم الاحتكاك بلاعبي النجمة لكي لا يتعرضوا للإصابات وهم الذين كانوا يقفون على أبواب استحقاقٍ آسيوي. ويختصر «هذه مسألة لن تحصل بعد اليوم أقلّه بعد التعرّض لإداريي العهد في الجانب الشخصي». والأمور وصلت إلى ما وصلت إليه برأي أمين سرّ العهد الحاج محمد عاصي بسبب مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً فهي برأيه لعبت دوراً رئيسياً في إثارة الفتنة بين جمهوري الفريقين… «وهناك مشغّلون لها بعضهم أسماؤهم معروفة، وهو الأمر المؤسف في هذا الإطار». برأي عاصي بدأ الكره للعهد عندما بدأ في المنافسة على البطولات، وتحديداً بعد عام 2008 عندما أحرز لقبه الأول في بطولة الدوري. لكن الصفاء خطف الألقاب من أمام النجمة ولم يكرهه الأخير؟ يجيب عاصي موضحاً أن «أغلبية جمهور النجمة والعهد هم أبناء بيئة واحدة أي من نفس المنطقة الجغرافية، لذا ولدت حساسية في قلب البيت الواحد والشارع الواحد والعائلة الواحدة وحتى المدرسة الواحدة». ويتابع: «لكن هناك حلقة مفقودة عبر تغذية هذه الكراهية بهذا الشكل الكبير والفاضح، وإدارة العهد تعمل على تبريد الأجواء، تماماً كما حصل في حالة رفع يافطة مسيئة لمدير الكرة في النجمة جمال الحاج، حيث تمّ العمل فوراً على معالجة الموضوع بطريقة حازمة».
مصدر عهداوي رفض الكشف عن اسمه يلتقي في كلامه مع عاصي، لكنه يحمّل النجمة مسؤولية إعلان الحرب، وذلك عبر البيانات الإدارية التي لم تعمد يوماً إلى تبريد الأجواء، في وقتٍ لم يكنّ فيه العهداويون أي حقدٍ تجاه الرموز النجماوية والدليل برأيه أن «جمال الحاج نفسه انتقل إلى العهد ولعب معه ودربه وتم تكريمه، كما هي حالة يوسف فرحات ومحمد حلاوي». عاصي يغمز من قناةٍ معيّنة عندما يقول: «يمكنكم أن تسألوا إذا ما كنا نسيء في اجتماعاتنا للنجمة أو إدارته، لكن لن نرضى أن تبقى الأمور هكذا وسنعمل مع القضاء والجهات الأمنية لوقفها ضمن الأطر القانونية لمعاقبة الأشخاص المسيئين إلينا شخصياً ومن خلفهم، لأن هناك توزيع للفتنة بشكلٍ مدروس». ومن دون شك فإن أمين سر نادي العهد هو أكثر المكروهين من قبل النجماويين. أما السبب فهو برأيه «أنني كنت في قلب تأسيس نادي العهد وقد اشتريت الرخصة من مالي الخاص، ومنزل أهلي في المصيطبة سُجّل كمركز لنادي العهد الذي خدمته لاعباً ورئيساً وإدارياً». ويختم: «الشجرة المثمرة تُرشق بالحجارة».
النجمة «يكره الظلم»
كره النجمة للعهد أفرزه شعور بالظلم تعرّض له النادي بحسب محبيه، وفي البحث عن الأسباب تجد كلمة «العهد». هو «عهد العهد» بحسب مصدرٍ نجماوي، تماماً كما كان «عهد الأنصار» في يومٍ من الأيام، وهو ما أعاد إلى الجمهور مشاهد الظلم الذي عاناه فريقهم برأيه. ظلمٌ يرفض النجماويون أن يعيشوا في أتونه مجدداً، ويرفضونه رفضاً قاطعاً فقرروا مقاومته. كلامٌ كبير وخطير، ولا يتجاهله نائب رئيس النجمة صلاح عسيران عند سؤاله عنه، فيجب: «الناس لا يحبون الظلم والواضح أن ما يحصل في بعض الأحيان هو نتاج ظلم تم التخطيط له للإساءة الى النجمة من دون حدود ومن دون توقف». ويعقّب: «هناك أناس يحسدون هذا النادي على قدرته على جمع كل الشعب اللبناني، فبغمزةٍ تجد 30 ألف شخص في الملعب، وهم يمثلون شيئاً أساسياً يسمى اللُحمة الوطنية، وهو أمر بدا واضحاً من خلال ازدياد أعداد الجمهور النجماوي القادم من طرابلس وعكار بفضل الزميل معتز زريقة صاحب الحيثية الشعبية في المنية والضنية». لكن هل مجرد الشعور بالظلم واستعادة مشاهد تعليب المباريات وتحيّز الحكام هو سبب كافٍ لمعارك قد تسبّب حرباً أهلية؟ أو لعدم الاعتراف حتى بأفضلية العهد الفنية. يجيب عسيران: «علينا أن نتخلص من قاعدة ضربني وبكى وسبقني واشتكى، فجمهور النجمة يعتبر أن البطولات تسرق منه في المكاتب أحياناً، وبالتالي العهد أو غيره من أصحاب هذه البطولات أصبح مكروهاً بالنسبة إليه». وهل كرهتم الصفاء؟ يجيب: «لا لم يكره أحد الصفاء لأنه أحرز البطولات بتعبه وجهده، ولكن أن ترى أن فريقاً وفي آخر مراحل الدوري يُقدم على التعاقد مع أفضل اللاعبين في الفرق الأخرى، فإن هذا الأمر يثير الريبة كونه يؤثر بلا شك على هؤلاء اللاعبين في مواجهاتهم مع العهد».
جولة على نجماويين قدماء تعكس أيضاً سبباً إضافياً للكره النجماوي للعهد إذ هناك شعور عند جمهور النجمة بأن العهد كان له دور في منعه من دخول المباريات عبر مؤامرات حاكها ضده من خلال وجود سلطة له في الاتحاد ولها تأثير كبير في القرارات. وهذا أمر يرى البعض أنه سقط بالضربة القاضية في الأيام الأخيرة، وخصوصاً مع المساعي الاتحادية لتأمين حضور الجمهور لنهائي كأس لبنان. لكن رغم كل هذا الكلام الناري وعشية الموقعة القوية بين الفريقين، تجد تبريداً للنار أيضاً من الناحية النجماوية، إذ يقول عسيران: «تقدّمنا بشكاوى كثيرة على أشخاص أساؤوا عبر «الفايسبوك» للنجمة قبل غيره، وذلك من خلال اسماء وهمية، فهم يسيئون الى علاقتنا مع العهد، لذا لا نعتبرهم نجماويين بل يحاولون جرّ الناس إلى كلامٍ غير مقبول بحق المنافسين أو إدارة نادي النجمة، وهذا يضرّ بالنادي ولا يفيده». ويختم: «مهما حاولوا نراهم خصماً لا عدواً، ومنافساً وليس عدواً، ولا نريد إلا أن تكون المنافسة ضمن الشروط والأصول».
قبل أيام كان هناك شعور عام لدى مراجع أمنية عدة بأن الكل بغنى عن توتير الأجواء في البلاد بسبب مباراة كرة قدم. وهذا الجو كان قد وصل إلى الجهات الأمنية منذ فترةٍ ليست بقصيرة وتحديداً قبل لقاء الفريقين الأخير في الدوري اللبناني، وعند توقّع الوصول الى مباراة حاسمة بينهما، حيث علمت «الأخبار» أن قائد سرية الضاحية العقيد محمد ضامن كان قد أبلغ بصراحة بأنه لا يمكن لقوى الأمن تأمين المباراة، وبالتالي كان هناك طلب الى قيادة الجيش اللبناني لتأمينها، وذلك بسبب جو الشحن الجماهيري الذي وصل إلى أوجّه قبل أسابيع قليلة.
وفي ظل الكلام عن أن مباراة نهائي الكأس على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية ستمرّ بسلام في حال كان هناك قرار من الدولة، فإنه مما لا شك فيه أنه رغم عدم تخصّص الجيش بتأمين الملاعب والمباريات بعكس قوى الأمن التي دُرّب عناصرها على ضبط الشغب أو أي أحداث مشابهة، فإن قراراً جريئاً (رآه البعض صعباً قبل اتخاذه) اتخذه مجلس الوزراء بالموافقة على طلب وزير الشباب والرياضة محمد فنيش المُستَنِد إلى طلب الاتحاد اللبناني لكرة القدم تكليف الجيش مؤازرة قوى الأمن في حفظ أمن نهائي الكأس، ما يعني ببساطة: ممنوع الإخلال بالأمن وخصوصاً قبل أسبوعٍ فقط على اليوم الانتخابي المرتقب.