ثلاثة عناوين اختصرت مشهد الحرب المفتوحة على كافة الاحتمالات مع كيان العدو بالامس. كان يوم «الهلع» في الجليل، ويوم تجديد التهديد والوعيد من قبل قادة الاحتلال، ويوم نجاح حزب الله في استهداف منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، ومنصات القبة الحديدية قرب مستوطنة «كفربلوم « التي تبعد 8 كلم عن الحدود اللبنانية، بمسيّرتين انقضاضيتين، دون ان تنجح في اعتراضهما، وهو ما يعتبر تحولا نوعيا في المواجهة ويضع القيادتين العسكرية والسياسية في مأزق حقيقي على وقع تهديدات متهورة تتخوف من نتائجها الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك شريحة واسعة من الاسرائيليين الذين عبرت عنهم صحيفة «هآرتس» بالقول ان «المتدينين القوميين المتطرفين هم أكثر خطراً من حزب الله، ولهذا هم سيشعلون الحريق الآتي».
داخليا، المشهد على رتابته في مجلس النواب على هامش مناقشة موازنة «الغش» والتي يفترض ان تقر اليوم، ولا جديد في المناكفات الفارغة من اي مضمون لممثلي الشعب الذي يعيش معظمهم في «عالم آخر»، وسط انقسام افقي وعمودي حاد حيال المواجهة الدائرة في الجنوب. وبخلاف الحماوة التي طبعت الفصلين الاول والثاني من جلسة مناقشة مشروع موازنة اتسم الثالث والرابع ببرودة اقتصرت على انتقاد المشروع بضرائبه واصابته المواطن في الصميم، ولم يخرج عن الروتين المعهود في جلسات مماثلة.
حراك دبلوماسي؟
في هذا الوقت، تحركت العجلة الدبلوماسية من دارة سفير المملكة العربية السعودية الوليد البخاري، في اليرزة، من خلال اجتماع تحضيري ضم سفراء اللجنة الخماسية لمواكبة التطورات الخطرة جنوبا، والبحث ايضا في احتمال إطلاق مبادرة جدية تقود إلى تحريك ملف انتخاب رئيس للجمهورية، وفصله عن حرب غزة. وهو ما «نعت» نتائجه مسبقا، مصادر سياسية بارزة تحدثت عن صعوبة كبيرة في ايجاد «ثغرة» يمكن النفاذ منها لانتاج الاستحقاق الرئاسي، فيما التطورات الجنوبية تبقى «الشغل الشاغل» لتلك الدول على وقع ارتفاع نسق التوتر في الساعات القليلة الماضية في العلاقة بين الدوحة والقاهرة وعمان مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو، وخروجها الى العلن، وسط مخاوف جدية لدى ادارة بايدن من توجهات لديه لتوسيع رقعة «الحريق» في المنطقة، وضمنا اشتعال جبهة الشمال مع حزب الله.
تحذيرات اميركية واوروبية
علما ان واشنطن بدأت تتلمس خطورة توسع رقعة الحرب، وامكانية اشتعال كافة الجبهات اذا ما تعرض حزب الله لهجوم اسرائيلي، ما سيؤدي الى مواجهة واسعة النطاق، وما يحصل في البحر الاحمر على محدوديته اليوم بدأ يتحول الى خطر استراتيجي داهم، وقد حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد امس، من استمرار التوتر في الشرق الأوسط واضطراب الملاحة في البحر الأحمر، وقالت انه «يمكن أن يؤديا إلى رفع معدلات التضخم مجددا، وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف الشحن في الأمد القريب وعرقلة التجارة العالمية».
تهديد ووعيد
وعلى وقع تهديدات جديدة بتوجيه ضربة عسكرية قوية ضد لبنان، أكدت وسائل إعلام العدو انتشار عدد كبير من القوات الإسرائيلية قرب الحدود الشمالية. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، خلال لقائه بالقدس المحتلة مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني، إن الجيش الإسرائيلي سيوجه للبنان ضربة عسكرية «لن يتعافى منها»، في حال لم ينسحب حزب الله من الحدود، وطالب من تاياني العمل مع الحكومة اللبنانية لسحب حزب الله من جنوب لبنان، وحذّر من حرب من شأنها أن تلحق أضراراً جسيمة بالمواطنين اللبنانيين.
المأزق الاسرائيلي
في المقابل، لفتت مصادر سياسية بارزة الى ان هذه التهديدات تعبر عن حجم المأزق الاسرائيلي في ظل «صفر» انجازات في غزة، واشارت الى انه يمكن توقع اي شيء من قبل حكومة اليمين المتطرفة، لكنها نفت صحة المعلومات حول تبلغ لبنان مهلة زمنية اسرائيلية تنتهي آخر الجاري، لوقف عمليات حزب الله، تحت طائلة شن حرب مدمّرة. وفي سياق الاتصالات الدولية لمنع تمدد حرب غزة الى لبنان، يزور وزير خارجية اسبانيا بيروت، فيما أنهى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب زيارته الى نيويورك باجتماعه بأمين عام الامم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأكد بوحبيب استعداد لبنان لتطبيق شامل ومتوازن لقرار مجلس الامن ١٧٠١ وذلك ضمن حل متكامل يضمن الاستقرار واستدامة الهدوء. كذلك كان هنالك تطابق في وجهات النظر حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وتطبيق حل الدولتين للخروح من دوامة الصراع في الشرق الاوسط الذي ما يزال مستمراً دون حلول منذ اكثر من ٧٥ عاما».
لا انتصار في الحرب
في هذا الوقت، تحدثت وسائل اعلام العدو عن التجارب المريرة في لبنان، واكدت ان لا انتصار في غزة، لكنها اشارت الى وجود ازمة ذخائر وكشفت ان الجيش الاسرائيلي وسلاح الجو يقتصدان في «التسليح» ويحاولان الرقابة على استخدام الذخيرة الجوية للحفاظ على احتياطي لمواصلة الحرب، لا سيما إذا اندلعت حرب شاملة في الشمال. وتتزامن هذه التطورات مع تراجع القناعة لدى الاسرائيليين بتحقيق»الانتصار التام»، في غزة. وقالت صحيفة «هآرتس»هذا هراء، وهو شعار لحملة بائع فرشات، وليس أمام «إسرائيل» احتمالية للانتصار، سواء كان مطلقاً أو غير مطلق، بعد ضربة 7 أكتوبر، وبعد عدد الجنود والمدنيين القتلى وقضية المخطوفين. وقالت، ان الوجود في منطقة حضرية محتلة يحول القوات إلى قوات ثقيلة وثابتة، وهدف سهل للقضم وحرب العصابات. لا كتاب في التاريخ العسكري إلا ويذكر هذا النموذج بشكل ممل، بما في ذلك حروب «إسرائيل» في لبنان. ولذلك برأي «هآرتس» فان الانتصار المطلق الوحيد الذي يمكن تمنيه هو عزل رئيس حكومة الفشل والدمار، وتقديمه لمحاكمة الناخب ومحاكمة التاريخ.
اين الابناء؟
وفي تعبير واضح عن الاستياء من قياديي حكومة الحرب، الذين يخوضون معاركهم الشخصية بابناء الآخرين، قالت «هآرتس»، لقد عاد يئير نتنياهو في هذا الأسبوع إلى المجمع السكني الفاخر «ذي سليت»، الذي يقضي فيه وقته في ميامي بهدوء. لن يُقتل في خان يونس، في الوقت الذي يكرر فيه والده شعار «سنواصل الحرب حتى الانتصار الكامل». هو يقصد أن أبناء الآخرين سيواصلون هذه الحرب. وابن يوآف غالانت أيضاً لم يعد من المكان الذي يعيش فيه في شيكاغو من أجل الانضمام الى رجال الاحتياط في سلاح البحرية، في وقت يتفاخر فيه والده بقول سحب الدخان التي تنبعث من الدبابات والمدافع وسلاح الجو ستغطي سماء غزة. ويقصد أن أصدقاء ابنه سيحرقون المكان. أما ابن بتسلئيل سموتريتش فبلغ العشرين سنة، ولم ير أن التجند أمر واجب؛ فهو يتعلم في مدرسة دينية. في حين يعلن والده: وقف الحرب خطوة خطرة. ويقصد أن يقوم بعمل ذلك شباب آخرون، مثلاً عائلة آيزنكوت.
هلع وسقوط هيبة «القبة»
ميدانيا عاشت مستوطنات الجليل ساعات من «الهلع» اثر انذار خاطىء بوجود عملية تسلل من الحدود اللبنانية، وقد عم الشلل نحو 9 مستوطنات لساعات طويلة، واستدعيت قوات كبيرة من جيش الاحتلال لتمشيط المنطقة لييتبين بعد ذلك عدم صحة المعلومات. وفي تطور نوعي جديد للمقاومة، وبعد ساعات على معلومات نشرها الاعلام العبري عن قذائف هاون جديدة ادخلها حزب الله الى ارض المعركة تحدث اضرارا اشد فتكا، نجحت مسيرتان انقضاضيتان في استهداف منصات القبة الحديدية في أحد مواقع منظومة الدفاع الجوّي قرب مستوطنة كفربلوم وحققتا فيها إصابات مباشرة. وأكد بيان للجيش الإسرائيلي فشل منظومات الدفاع الجوي في اعتراض المسيرتين. ووفقا لمصادر مطلعة، فان هذه العملية الاستثنائية جاءت في توقيت شديد الاهمية تزامنا مع ارتفاع حدة التهديدات الاسرائيلية، وفيها «رسالة» ردعية واضحة من المقاومة لتبريد «الرؤوس الحامية» في «اسرائيل»، فهي اثبتت عمليا امتلاكها القدرة على تعطيل منظومة الدفاع الجوي في اي مواجهة مفتوحة، ما يعني عمليا ان «الطريق» ستكون مفتوحة امام الصواريخ الدقيقة للوصول الى اهدافها الحساسة والاستراتيجية.
انتقام اسرائيلي في كفركلا
وفي وقت لاحق، اعلن حزب الله عن استهداف موقع الرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلّة بالأسلحة الصاروخية، وحقق فيه إصابات مباشرة، وفي ساعات المساء شن الطيران الاسرائيلي غارات عنيفة على احد الاحياء في كفركلا ما ادى الى تدمير 13 منزلا، وتدمير احد المجمعات التجارية في البلدة. فيما تعرضت منذ ساعات الفجر، أطراف بلدات طيرحرفا وعلما الشعب والضهيرة ومنطقة البطيشية لقصف مدفعي مركز، تزامن مع عملية تمشيط شملت محيط موقع الحدب بالأسلحة الرشاشة المتوسطة والثقيلة، وإلقاء قذائف ضوئية فوق محيط الموقع والاحراج المتاخمة. كما تعرضت اطراف بلدة طير حرفا جهة المثلث من بلدة الجبين لقصف مدفعي. ايضا، تم استهداف منزل غير مأهول يعود للمواطن رضوان عطايا في بلدة طير حرفا بغارة، أثناء تشييع والدة الشهيد علي عطايا. والاستهداف هذا، هو الرابع. واستهدفت مسيرة بصاروخ، واديًا في الاطراف الشمالية لبلدة المنصوري. كما استهدفت غارة اسرائيلية جبل حانين في البازورية. كما استهدفت غارة إسرائيلية بركة الجبور في جزين.
ماذا دار في اجتماع «اليرزة»؟
في هذا الوقت، تحركت العجلة الدبلوماسية باجتماع في دارة سفير المملكة العربية السعودية الوليد البخاري، في دارته في اليرزة، ضم سفراء اللجنة الخماسية، الأميركية ليزا جونسون، الفرنسي هيرفي ماغرو، القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل آل ثاني، والمصري علاء موسى، في اجتماع تحضيري لمواكبة التطورات الخطرة جنوبا، والبحث ايضا في احتمال إطلاق مبادرة جدية تقود إلى تحريك ملف انتخاب رئيس للجمهورية، ووفقا لمصادر مطلعة فإن هذه الحركة لا تعني ان الانتخاب سيحصل في القريب العاجل بل هي تؤسس لتحريك المياه الراكدة في المستنقع الرئاسي في الفترة المقبلة، لكن من بين أبرز النقاط التي وردت في نقاشات امس هو التأكيد على أن دور «الخماسية» لا يحل بأي شكل من الأشكال مكان إرادة اللبنانيين التي تنعكس في مجلس النواب. كذلك، كان تأكيد على التقارب في الموقف بين «الخماسية» ورئيس مجلس النواب لناحية الفصل بين الملف الرئاسي والتطورات في غزة والمنطقة.
تفاؤل مصري!
وفي هذا السياق، اكد السفير المصري ان الاجتماع كان تشاوريا، وتم خلاله وضع «خريطة طريق» للتحرك المقبل من قبل السفراء حيال الشان الرئاسي، ومن بينها التواصل مع القوى السياسية. واشار الى ان الاجتماع الخماسي سيعقد قريبا، والسفراء لمسوا توجهات ايجابية لدى القادة اللبنانيين للخروج من الازمة، دون ان يوضح ماهية المؤشرات المشجعة، رافضا القول ان الوضع اختلف اليوم عما سبق. لكنه اقر بان الحرب على غزة تحتل المشهد الاقليمي. وقال انه جرى تقييم للاتصالات التي يجريها كل سفير على حدة وسيبني على الشيء مقتضاه.
لا معطيات جديدة
ووفقا للمعطيات،لا جديد لدى دول السفراء يمكن اي يغير المعطيات الداخلية، فالثنائي الشيعي وحلفاءه لا يزالون متمسكين بفرنجية مرشحا وحيدا، ولا تظهر المعارضة في المقابل اي استعداد للتحاور حول الملف، والانتظار يبقى سيد الموقف بانتظار ان تتبلور نتائج الحرب في غزة حيث لا تعويل جدي على انفراجات داخلية في وقت سيتركز الجهد على عدم حصول انفجار اقليمي واسع.
نتانياهو «صداع» للحلفاء
وتجدر الاشارة الى ان اللقاء الدبلوماسي عقد على وقع ازمة مفتوحة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ودول «الاعتدال» العربي ومعها واشنطن حيث تحول الى «صداع» جدي للجميع. وبدت ملامح الازمة واضحة في توتر العلاقات مع كل من مصر وقطر والأردن، وكذلك واشنطن، وذلك بسبب سياساته التي تقول المعارضة الاسرائيلية إنها تضع «إسرائيل في خطر». ففي غضون الساعات الماضية، بدأت تتصدر أزمات نتنياهو مع القاهرة، والدوحة، وعمان، عناوين وسائل الإعلام في «إسرائيل»، وبحسب الاسرائيلي، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تلقي اتصال هاتفي من نتنياهو، فيما وجهت الخارجية القطرية انتقادات مباشرة وعلنية له شخصيا، فيما اتجهت حكومته إلى تهديد الأردن بوقف تنفيذ اتفاقية المياه بين البلدين…
توتر على كافة الجبهات
ومحاولة الاتصال الهاتفي الفاشلة التي أجراها نتنياهو مرتبطة بالتوترات الأخيرة مع الجانب المصري، والتي أثارت غضبًا متزايدًا بسبب التصريحات الإسرائيلية بشأن محور فيلادلفيا، واتهام «إسرائيل» لمصر أمام محكمة العدل الدولية بعرقلة المساعدات الإنسانية إلى جنوب غزة، ولفتت صحيفة «معاريف» امس الى ان الحرب في غزة تضع العلاقات الإسرائيلية المصرية أمام تحديات صعبة. لم تتوقف أزمات نتنياهو السياسية عند مصر، إذ تسرب تسجيل له الأربعاء، يوجه فيه انتقادات حادة لقطر ولعلاقات واشنطن مع الدوحة، هذا الانتقاد دفع قطر إلى الرد بحدة، إذ قال متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصار ان نتنياهو يعرقل ويقوض جهود الوساطة لأسباب سياسية ضيقة بدلا من إعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح. اما الازمة مع الاردن فهي على خلفية امتعاض نتنياهو من تصريحات الملكة رانيا ووزير الخارجية أيمن الصفدي ضد الحرب، وبناءً عليه هددت تل أبيب بعدم تمديد اتفاقية المياه مع عمان. هذه التوترات يضاف اليها التوتر المتصاعد مع واشنطن حيث اكد موقع «واينت» أن مقربين من الرئيس الأميركي جو بايدن نصحوه بالتبرؤ من نتنياهو والإعلان عن فقدان الثقة به، وهم يعتبرون انه يخوض الحرب لأسباب سياسية.