هل تدفع جزين ثمن إشتباك بري ــ باسيل؟
معركة التيار مع عازار واحدة من الجبهات الداخلية المفتوحة التي عززها الصوت التفضيلي
جزين محكومة بالعيش المشترك. ليس شعاراً بل حياة الناس واجتماعهم. كل الدروب إليها من الشوف وصيدا والبقاع الغربي والجنوب، تجعل شرايينها متصلة في شكل طبيعي بشرايين جيرانها. الأكل كما الشرب. المواسم والوظائف والمدارس والجامعات والمصاهرات
لم تكد تصدر نتائج انتخابات 2018، حتى راح كل طرف يبرر خساراته وأرباحه. مضت تسع سنوات على انتخابات 2009. التسونامي البرتقالي الذي ضرب المنطقة في الانتخابات الماضية، واستحوذ على المقاعد المسيحية الثلاثة، انحصر نسبياً بعد خسارة التيار الوطني الحر أحد المقعدين المارونيين في أحد أبرز معاقل العهد، ليحتفظ بمقعدين ماروني وكاثوليكي.
عام 2009، أزاح زياد أسود وريث آل عازار السياسي، سمير عازار النائب عن جزين منذ 1992، بفارق خمسة آلاف صوت. اعتكاف الأخير عن السياسة، ساهم في انفلاش حالة «النمر الأسود»، لكن إبراهيم سمير عازار كان يتحين الفرصة لاستعادة كرسي والده الراحل.
في الانتخابات الفرعية عام 2016 التي أجريت بعد وفاة النائب الماروني ميشال حلو، لم يتمكن «صياد الطرائد» من اختراق قبضة التيار البرتقالي على المقاعد الثلاثة. ليل الأحد الفائت، لم تكتمل فرحة مناصري عازار بفوز شيخهم ولا مناصري أسود بفوز محامي الدفاع عنهم. الفريق الأول كان ينتظر فوز أبو زيد، منافس أسود. أما الفريق الثاني، فقد كانت أولويته في المعركة، إسقاط عازار بصفته ممثل «الرئيس نبيه بري في عروس الشلال».
أما الآن، وقد طويت صفحة الانتخابات، صارت زمالة عازار وأسود، في الندوة النيابية، أمراً واقعاً. فهل تنقلب نعمة التنافس بينهما تحصيل خدمات لجزين أم تتحول الزمالة إلى نقمة وحرب تصفية حساب تدفع ثمنها جزين؟
يقول قيادي عوني في جزين إن لا أحد يعتبر النتائج مرضية له. يستعرض مطولات من العتب على أكثر من جهة: أولاً، «على الجزينيين الذين رفعوا رصيد عازار من ثلاثة آلاف صوت مسيحي قبل عامين إلى أكثر من ستة آلاف في غضون عامين». وثانياً «على الحليف حزب الله وأهالي بلدات الريحان الذين حجبوا أصواتهم عن ابن مليخ أمل أبو زيد على رغم مواقفه المعتدلة وخدماته وتوظيفاته». أما العتب الأكبر، فــ«على رئيس التيار جبران باسيل الذي وافق على قانون انتخابي كهذا وعلى ضم صيدا إلى جزين». ليس أكبر من العتب سوى «كابوس إبراهيم عازار». ليس لأنه «ظل بري في جزين فحسب، بل لأنه كرس نفسه زعيماً وليس وارث مقعد أبيه فقط». يهمس جزينيون بأن «الإقطاع العائلي عاد وها هو بري يخرق في جزين كما خرق في قلب دائرة جبيل وكسروان بفوز صديقه مصطفى الحسيني بالمقعد الشيعي الذي خسره مرشح حزب الله الشيخ حسين زعيتر».
حلول عازار الأول في ترتيب الأصوات بين مرشحي اللوائح الأربع ضمن دائرة صيدا وجزين، استدعى من خصومه تفحص النتائج والأقلام. أعرب عازار عن رغبته «بالتعاون مع الجميع لما فيه مصلحة جزين وإنمائها»، معتبراً أن صفحة الانتخابات صارت وراء ظهرنا. غير أن زياد أسود سارع لقطع الطريق على زميله الجديد. بعد ساعات من إعلان النتائج، قال أسود: «بحسب وجهة نظر عازار للتعاون، فإذا كان على قاعدة ما كانوا يعملون عليه في السابق، لا أعتقد». اللافت للانتباه أن النائب المنتخب (المقعد الكاثوليكي) سليم الخوري، نجل النائب السابق أنطوان الخوري الذي كان عضواً في كتلة بري (حقبة تسعينات القرن الماضي)، قال إن «الخط السياسي الذي ينتمي إليه عازار يختلف عن خطنا ولا أعتقد أن هناك إمكاناً للتعاون معه»!
معركة التيار مع عازار واحدة من الجبهات الداخلية المفتوحة التي عززها الصوت التفضيلي على مستوى القضاء. أقر أسود بأنه لم يكن يعرف من سيفوز، هو أم أبو زيد عن أحد المقعدين المارونيين. الأسباب كثيرة لهزيمة الأخير وأبرزها حجب حزب الله وحركة أمل أصوات جمهورهما في الريحان عن اللائحة البرتقالية وتجييرها لمصلحة عازار. في المقابل، اختبر أسود شعبيته المسيحية، فأعطته 7 آلاف و270 صوتاً تفضيلياً. في حين حصل أبو زيد على 5 آلاف و16 صوتاً، منهم أكثر من ألف صوت شيعي من الريحان.
وكما كان متوقعاً، تمكنت لائحة «الوطني الحر» وحلفائه الصيداويين من تأمين حاصلين انتخابيين (20 ألفاً و127 صوتاً)، ما وفر فوز التيار باثنين، الماروني أسود والكاثوليكي الخوري (نال 708 أصوات تفضيلية فقط). لم يكن من الممكن أن يتكرر مشهد العام 2009، بفوز البرتقاليين بالمقاعد الجزينية الثلاثة بسبب قوة تمثيل اللوائح المتنافسة في الدائرة. بالنسبة لأسود، فقد انتصر على جبهتين: أولها، خارجية، قاصداً أصوات حزب الله وحركة أمل في المنطقة، وثانيها، داخلية ضد أجنحة في التيار كانت ترغب في عدم ترشيحه مجدداً ودعمت أبو زيد على حسابه، غير أن المزاج الجزيني لم ينجرف إلى لعبة الإغراء بالأموال.
في الوقت ذاته، أظهرت ماكينة «لكل الناس» (تحالف سعد وعازار) أن إبراهيم عازار «خرج من جلباب أبيه، ليؤسس زعامة خاصة به». قبل عامين، اتهم بأن الـ6693 صوتاً التي نالها «كانت شيعية من الريحان وبأنه لا يملك حيثية مسيحية». بعد تسع سنوات، نال عازار رقماً مضاعفاً بلغ 11 ألفاً و663 صوتاً، حاصداً أعلى نسبة أصوات تفضيلية بين المرشحين الجزينيين ومؤمناً للائحته التي تضم أسامة سعد، حاصلاً انتخابياً وفر الفوز لهما معاً. بتجزئة الرقم الذي حصل عليه عازار، يظهر أن نحو 5 آلاف و800 صوت من الناخبين الشيعة، منحوا أصواتهم التفضيلية لعازار، وهو أمر جعل الأخير يزور المصيلح غداة المعركة ليعلن من هناك اعتزازه بفوزه بأصوات الشيعة. لم يجزم عازار في أمر الكتلة التي سينضوي فيها، وقال: «الكفّة تميل إلى حيث تكون مصلحة جزين».
«القوات» و«الكتائب» بلا حاصل
على رغم الجهود التي بذلتها ماكينة القوات اللبنانية في جزين، لم يحصد مرشحها الكاثوليكي عجاج حداد سوى 4 آلاف و394 صوتاً تفضيلياً ضمن لائحة «قدرة التغيير». في حين حصد زميله الماروني الكتائبي جوزيف نهرا 472 صوتاً. لم تبلغ اللائحة عتبة الحاصل الذي بلغ 12 ألفاً و522 صوتاً، لأسباب عدة أبرزها ضعف حيثية مرشحها السني عن صيدا ورفض بعض القواتيين تسمية حداد، فضلاً عن عوامل أخرى سياسية وتنظيمية.
كما أن ترشُح أمين رزق ضمن لائحة تيار المستقبل، في مقابل تلاقي القوات والكتائب في لائحة واحدة، قلص رصيد والده نائب جزين السابق إدمون رزق الذي كان قد حظي سابقاً بشعبية تخطت جزين إلى بلدات الريحان. علماً أن رزق الأب ترشح في الدورة الماضية، ليخلفه نجله هذه المرة.
أمال خليل – الأخبار