
إذا كانت لقاءات الموفد الأميركي توم برّاك مع المسؤولين اللبنانيين قد ركّزت على الجانب المتصل بمصير سلاح «حزب الله»، فإنّ اجتماعه مع وليد جنبلاط أُضيف اليه بُعد أساسي آخر يتعلق بالتطورات الدراماتيكية التي حصلت في السويداء، خصوصاً انّ الزائر الأميركي «منغمس» في تفاصيلها.
لم يكن سهلاً على جنبلاط أن يخالف مزاج غالبية الدروز في لبنان، والذي شحنته مجازر السويداء والانتهاكات في حق أبنائها بالغضب الشديد والانفعال الكبير.
بهذا المعنى، اختار جنبلاط السباحة عكس تيار العواطف المتأججة في طائفته، على بُعد أقل من عام من الانتخابات النيابية المقبلة، معتمداً خطاباً غير شعبي في مقاربة أحداث السويداء وتداعياتها على لبنان، ما دفع القريبين منه إلى الاستنتاج بأنّه أثبت مرّة أخرى خصوصية موقعه، كزعيم يقود الناس ولا يقودونه.
بقي جنبلاط في عزّ مواجهات السويداء مصراً على الدعوة إلى الحكمة والحوار والحل السياسي وعدم الاستعانة بالكيان الإسرائيلي، محاطاً بشيخ عقل الطائفة الدرزية سامي أبي المنى ومجموعة من مشايخ الطائفة الذين التقوا معه على الخطوط العريضة للمقاربة نفسها.
وخلال اللقاء بين جنبلاط وبرّاك في كليمنصو، حضر ملف السويداء بقوة على طاولة البحث، خصوصاً انّ برّاك هو المكلّف من إدارته الملف السوري. كذلك حضرت قضية سلاح «حزب الله» على وقع استراتيجية «العصا والجزرة» التي يعتمدها الموفد الأميركي في محاكاته للوضع اللبناني. وترجح مصادر مطلعة على حيثيات موقف جنبلاط، أن يكون الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» قد انطلق في نقاشه مع برّاك حول واقع السويداء، من ضرورة تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار وتحصينه، ثم إطلاق مسار عملية سياسية لترتيب العلاقة بين السويداء والدولة السورية على أساس بناء الثقة المتبادلة واحتواء الهواجس عند الطرفين.
ووفق العارفين، يعتبر جنبلاط انّ الوضع المعقّد يحتاج إلى أعلى مقدار ممكن من رباطة الجأش وضبط الأعصاب وليس صبّ الزيت على النار وتجييش النفوس، وهو يفترض أنّ تثبيت الهدوء سيسمح بإيجاد بيئة مناسبة للمعالجة السياسية، «أما المسار التصعيدي فسيأخذ دروز السويداء اكثر فأكثر نحو «إسرائيل» التي من مصلحتها إحباط اي حل سلمي». وتبعاً لتقديرات جنبلاط، وفق القريبين منه، فإنّ تل أبيب هي المتضررة الأساسية من عودة الهدوء إلى السويداء، لأنّ من شأن ذلك ان يعرقل مخططها للاستثمار في الفتنة الطائفية من أجل خدمة مصالحها، في حين انّ المستفيد الأكبر من نجاح وقف إطلاق النار هما الموحدون الدروز واحمد الشرع.
ad
وعلى مستوى الواقع اللبناني، بنى جنبلاط موقفه على القواعد الآتية:
ـ لا للانخراط في اقتتال السويداء.
ـ لا لنقل المواجهة إلى لبنان.
ـ لا انتقام من السوريين.
ـ لا توتر مع السُنّة.
وفي اقتناع جنبلاط، انّ هناك مسؤولية مشتركة لدى طرفي النزاع في الدفع نحو الحل المأمول، استناداً إلى المعادلة الآتية: على الدروز الامتناع عن إلقاء السويداء في أحضان الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الشرع أن يعرف كيف يدير العلاقة مع الأقليات السورية بنحو يطمئنها إلى حاضرها ومستقبلها.