وحدة الجبل لن تتحقق بالغزل العذري بين “الإشتراكي” و”القوات”
لولا الغزل الإباحي الشديد النزوة بين القوات اللبنانية والحزب الإشتراكي لما كان هناك تهجير للجبل وأهل الجبل
تلْفِـتُنا هذه الأيام، رسائل الغزل العذري المتبادَلة بين حزبَيْ التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية.
وتبدو هذه الإنعطافة شبيهة بالدعوة الرهبانية المتأخِّرة وقد تجلّى فيها الحرص حتى الشغَف على مصالحة الجبل، ومصالح الجبل، ووحدة الجبل، واستنهاضهِ واستقراره وازدهاره، مع الدعاء بأن يتمخَّض هذا الجبل حصاناً أبيض بـدَل ذلك الفأر الأحمر.
ولكن ، لولا الغزل الإباحي الشديد النزوة بين القوات اللبنانية والحزب الإشتراكي، لما كان هناك تهجير للجبل وأهل الجبل وقرى الجبل، ولما كان الحزب الإشتراكي وحزب القوات اليوم، يقف كلاهما في الجبل على الأطلال المسيحية الدارسة.
ونحن أبناء الجبل نتمنى من شغاف القلب، أن تقوم علاقة صادقة صافية عميقة الجذور بين هذين الحزبين على قاعدة ما يؤمن به الأجاويد الدروز من ترفـعّ وخلقية ومناقبية إنسانية عالية، وعلى قاعدة وحدوِّية ثابتة شبيهة بما يؤمن به المسيحيون بالزواج الماروني الكهنوتي.
وإنَّ أخشى ما نخشى، أن تكون هذه الحميمية بينهما غزلاً إنتخابياً أشبه بزواج متعةٍ يحدّد العقدُ أوانَـهُ وطلاقَـهُ بعد السادس من أيار.
لعلّ ما يستـثير عندنا الخشية هو ما نعرف عن طبيعة الرجلين: وليد جنبلاط وسمير جعجع، في معزل عن عِلْم الفراسة الذي يستكشف طبيعة الشخصية من خلال مظهرية التكوين، وعن لغة الجسد التي تكشف فيه الإشارات خبايا النفوس.
إلاّ أنّ ما نستخلصه من قول كمال جنبلاط في كتاب: «الجدليات» أو «الفلسفة الجدلية للأضداد المتعاكسة»، نرى أن التناقض بين المظهرية والبواطن يخفي استنفاراً نفسياً موشّى بنزعة محجوبة وغضب مكبوت، بل لعلّ الإستعانة بالأسلوب الشعري في هذا المجال يكون أصدق تعبيراً على لسان المتنبي الذي يقول:
إذا رأيتَ نيوبَ اللَّيْثِ بارزَةً فلا تظنَّـنَ أنَّ الليثَ يبتسمُ
وهذا يعني: أنّه في وجود طبيعتين متواجهتين ومتضادتين لا بدّ من أن يكون هناك: فاعلٌ ومفعول.
وهي الحالة نفسها التي تنطبق على اتفاق «معراب» بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وبالرغم من أن الحزبين ينطلقان من بيئة واحدة تكيَّفتْ فيها وظائف الحياة في واقع تاريخي مشترك، إلاّ أن تناقض الشخصيات والتنافس على المصالح يظلان العائق دون نجاح الإتفاقات.
المصالحة في الجبل ليست شعاراً يُـرفع في المناسبات ، ولا تتحقق بمجرد أنها مساكنة بين فريق مستضعف، وفريق يهيمن بسطوة النفوذ كبديل من سطوة السيف.
ولأن للإنسان علاقة تراثية وتاريخية بالأرض التي يقطنها على ما يقول إبن خلدون، وهي تدخل في تكوينه البيولوجي والنفسي ولا يمكن فصله عنها.
فإنَّ مستلزمات المصالحة الحقيقية تنطلق من معالجة عمق المأساة النفسية والسياسية والتراثية في إطار تكافؤ الفرص والتوازنات.
إنّه التحدّي الذي يواجه الحزبين الإشتراكي والقوات، لعلّهما يفلحان فنرفع لهما القبّعات وإلاّ، فلن تتحقق وحدة الجبل المشطور بقصائد الغزل العذري، وتكثيف باقات الورد على نُصُب المهجّر المجهول.
بل يصبح معنى الورود إذ ذاك شبيهاً بما عناه الشاعر أمين تقي الدين في قوله:
هكذا تُـنْثَـرُ الزهورُ على النعشِ لتُخْـفي ما تحتَها مِـنْ فسادِ.
جوزيف الهاشم – الجمهورية