د. هشام الأعور – هوية بصرية بلا هوية: عرض ضوئي لا يصنع مشروع دولة

في لحظة يُفترض أن تكون مفصلية في إعادة تعريف الدولة السورية ومشروعها، اختار نظام أحمد الشرع أن يقدّم “هوية بصرية” لرمز جديد – العقاب الذهبي – بدل أن يقدم إجابات حقيقية على واقع سياسي مأزوم ومجتمع مفكك.
وراء الخيول، والمؤثرات، والعروض المبهرة، تختبئ سلطة عاجزة عن صياغة عقد وطني جامع، فتلجأ إلى التجميل البصري لتغطية فشلها في بناء مشروع شامل يستوعب الجميع: السنة المعتدلين الذين خُذلوا، والأقليات التي تم استثمارها رمزيًا دون تمكين حقيقي.
في ظل غياب أي رؤية سياسية واضحة، جاء حفل إطلاق الهوية البصرية للعقاب السوري الذهبي كعرض متكلف ومفرغ من المعنى. خيول تدور في حلقة مفرغة، رايات ترفرف بلا دلالة، ومؤثرات صوتية وبصرية لا تخفي فراغ الرسالة. أما الشعار، فبدا مستنسخًا من تصاميم أندية رياضية وشركات تجارية، بلا أي جذور ثقافية سورية أو روح رمزية تعبّر عن حاضر البلاد أو مستقبلها.
كان من المفترض أن يشكّل هذا الحدث مناسبة لتأسيس سردية وطنية جامعة، لكنه تحول إلى واجهة شكلية، تنقل صورة لسلطة تحاول صناعة وهج خارجي يخفي انعدام الرؤية داخليًا. فبدلاً من تقديم مشروع سياسي يُجيب عن أسئلة السوريين المعلقة، لجأت الدولة إلى الرمز، كأنها تقول: لا نملك مشروعًا، لكننا نملك عرضًا.
المشكلة لا تكمن في العرض بحد ذاته، بل في التوقيت والسياق والمضمون. سوريا، الغارقة في التشرذم السياسي والاجتماعي، لا تحتاج إلى شعارات مصممة بعناية، بل إلى صيغة تعاقد وطني تُنهي دوامة الإقصاء وتعيد الاعتبار للمواطنة.
السنة المعتدلون، الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين تطرف الفصائل وضعف الدولة، لا يطلبون رمزًا، بل حماية وعدالة وشراكة. أما الأقليات، من العلويين والدروز والشيعة إلى المسيحيين، فهم ليسوا مجرد “حضور رمزي” يُستدعى عند الحاجة لتجميل الصورة، بل شركاء فعليون في صنع الدولة السورية منذ تأسيسها.
أي مقاربة جادة لإنقاذ سوريا لا يمكن أن تستثني أحدًا، ولا يمكن أن تُبنى على تغليب فئة أو مذهب أو تيار. الهوية السورية ليست شعارًا، بل مشروع تعايش طويل، يتطلب شجاعة سياسية ومصارحة تاريخية، لا عروضًا احتفالية باردة.
ختاما، الهوية البصرية لا تُنتج دولة. الأعلام لا تصنع وحدة. وما أُطلق في هذا الحفل ليس مشروعًا وطنيًا، بل صورة غرافيكية متقنة تغلّف فراغًا سياسيًا خطيرًا.
سوريا لا تحتاج إلى عقاب ذهبي يُحلّق في فراغ رمزي، بل إلى أرضية سياسية صلبة تُبنى عليها شراكة حقيقية بين مكوناتها إلى دولة تحترم مواطنيها قبل أن تستعرض رموزها.