العلامة الخطيب: نحن بديل عن الدولة لأنها ليست موجودة ولكننا نريدها أن تكون موجودة

جدد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب التمسك ببناء دولة قادرة تحمي أبناءها وتحقق الاستقرار لهم ، وقال: “إننا نريد سلطة ودولةً حقيقية تقوم بواجبها في الحفاظ على سيادتها وعلى كرامة ابنائها، وتقوم بخدمة أبنائها”.
وأكد أننا “رجال الظروف الصعبة ورجال الصبر، ولن نتراجع ولن نترك ولن نهجر من أرضنا، ولن نترك العدو يهين كرامتنا ويهين بلدنا وينتزع استقلالنا الذي دفعنا وما زلنا ندفع ثمنه دماً وألماً ودُموعاً”.
وكان العلامة الخطيب شارك أمس في الحفل التأبيني لمناسبة مرور ثلاثة ايام على استشهاد علي وبلال شعيتو الذي اقيم في حسينية بلدة الطيري في قضاء بنت جبيل، وألقى كلمة في حضور حشد من علماء الدين والفعاليات والشخصيات الاجتماعية والسياسية والتربوية ورؤساء بلديات ومخاتير ومواطنين .
واستهل العلامة الخطيب كلمته بالتعزية بالشهداء، وقال: “لقد سالت دماء كثيرة في هذا الطريق في الماضي واليوم، فالشهداء عبّدوا طريق الاستقلال الحقيقي للبنان في مواجهة العدوان الذي شنّه العدو على لبنان في العام 2006 ، وكان التحرير سنة 2000 ثم تأكّد في 2006 وكان أول استقلال حقيقي للبنان لأنه حرّر إرادة اللبنانيين وإرادة أهل هذا البلد في مواجهة الذين يريدون أن يفرضوا على لبنان قرارهم وإرادتهم ، وأن يكسروا إرادة اللبنانيين، فكسرنا إرادتهم وحرّرنا بلدنا وحققنا الاستقلال الحقيقي الذي أنجز في العام 2006، هذا هو الاستقلال الذي حصل اليوم. نحن ندفع ثمناً لصمودنا الذي لم يكن ينتظره العدو بعد أن كان غير منتظر لهذه الإرادة الصلبة لأبنائنا الذين وقفوا على تخوم قرانا وبلداتنا أمام العدو ومنعوه من أن يجتاز الحدود ويحتل هذه الأرض الطيبة وهذه الأرض الصلبة بإرادة أهلها، بإرادتكم أنتم، و بإرادة هؤلاء الشهداء الذين تقدموا للدفاع عن لبنان في مواجهة ليس العدو الإسرائيلي فقط وإنما في مواجهة العالم الذي وقف خلفه وحماه ودعمه بالسلاح وحماه بالقانون وبالإعلام، هؤلاء لم يستطيعوا أن يجتازوا الحدود ويحتلوا أرضنا مرة أخرى، فحمينا لبنان بهؤلاء الأبطال وبوجودكم أنتم وبصمودكم في هذه الأرض المباركة التي كان يريد العدو أن يخرجكم منها وأن لا يعيدكم إليها، ولكنكم ها أنتم اليوم تتواجدون في هذه الأرض وتصمدون فيها رغم إرادته وغصباً عنها”.
وتابع: “أنتم اليوم تدفعون ثمن هذا الصمود وهذه المواقف التي تمنع العدو من أن يدخلها مرة أخرى وأن يأخذ منها هذا الإنجاز الذي تحقق في العام ألفين. نحن في العام ألفين كنا ننتظر أننا سندفع ثمنا كبيراً للإنتصار والتحرير لبنان، وكل ما نراه الآن هو من ذلك الإنتصار، من تلك المرحلة التي كانت مرحلة فارقة، ليس في لبنان فقط، وانما في العالم العربي والعالم الإسلامي. لقد كنتم النموذج الذي يحرر أرضه بإرادته وبإمكاناته الضعيفة، ولكن بإرادته الصلبة و الشجاعة وبتضحياته الكبيرة والعظيمة التي لا تتزعزع ولا تتراجع. أنتم اليوم تدفعون مجدداً ثمن هذا الصمود وثمن هذا الإنجاز ولذلك كان ينبغي على اللبنانيين جميعاً أن يقدروا هذا الإنجاز الذي تحقق على أيديكم وعلى أيدي هؤلاء الشهداء، ومنهم اليوم علي وبلال شعيتو، هؤلاء الذين يعرفون قيمة التضحية، أنتم الذين تعرفون قيمة الكرامة. متى يعرف جوهر الإنسان؟ ومتى تعرف جواهر الشعوب؟ تعرف عند المواقف الكبيرة. في هذه المواقف الكبيرة يعرف جوهر الشعوب، وتسجل الشعوب إما هزيمتها وانعدامها وانهزامها وإما تسجل كرامتها وبطولتها وثباتها.فالشجر المزروع في هذه الأرض كلما قُطع منها جذع نبت وأصبح أقوى، نبتت أغصانه وأصبح أقوى، نحن أقوى من الأشجار، نحن من الشجرة التي قال الله سبحانه وتعالى (زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يُضيء) . ان جُذورنا في هذا الأرض تمتد إلى هذا التاريخ وإلى هذا الماضي العريق، إلى بطولات سبقت في هذا الجبل، إلى جبل عامل ومواقفه المشرفة، وقد بقي على طول هذا التاريخ على تلك المواقف الشجاعة وبتلك التضحيات الكبيرة. نحن اليوم امتداد لهذا التاريخ، نحن نثبت اليوم كما أثبتنا كل يوم أنه لا يمكن لأحد أن يخرجنا من هذه الأرض، فاليوم علي وبلال دفعوا ثمن هذا الصمود وهذا البقاء في هذه الأرض، وعلينا أن نتحمل و أن نصبر على المزيد من الشهداء، ولكن المهم النتيجة، كلنا سنموت، ولكن نحن اليوم نموت بشرف، نموت من أجل قضية، نموت من أجل استقلالنا و من أجل حريتنا على هذا الطريق الذي زرعه وابتدأه الإمام السيد موسى الصدر، حيث زرع فينا هذه القوة وهذه الشجاعة ، وفي ابنائنا وفي أولادنا في حركة أمل وفي حزب الله وفي كل أبنائنا الذين حملوا السلاح دفاعاً عن شرفهم وعن كرامتهم وعن لبنان”.
وقال: “الدول عادة هي التي تعمل على استنهاض شعبها للدفاع عن حدودها وعن استقلالها وعن كرامتها، لكن أنتم لم تكونوا بحاجة لأحد. الدولة اللبنانية المتخلفة المتراجعة،ليس هناك دولة أيها الإخوة، هناك للأسف قبائل و طوائف في هذا البلد، ليس هناك شعور بالوطنية عند الكثيرين، ولكن أنتم الذين لم تقفوا يوما من الأيام خلف شعار الطائفية والعصبية، ولم تدخلوا لبنان في معارك طائفية ومن أجل نتائج وأهداف طائفية، إنما أنتم دفعتم الأثمان عن كل لبنان وحباً بكل اللبنانيين، وأن يكون اللبنانيون جميعاً وحدة واحدة يقومون بواجبهم في الدفاع عن سيادتهم و كرامتهم وفي الدفاع عن أرضهم وعن استقلالهم. الاستقلال بكم تحقق والحمد لله كما قلت أنه في المواطن الصعبة تعرف جواهر الشعوب والأمم والأشخاص. نحن اليوم في مرحلة نسجل فيها تاريخاً جديداً في لبنان، ولذلك نحن نفتخر بالذين يستشهدون، لأنهم لا يستشهدون في الزواريب ولا يستشهدون من أجل أهداف طائفية، وإنما يستشهدون من أجل أهداف أسمى، من أجل كرامة اللبنانيين ومن أجل كرامتنا وللحفاظ على قرانا وحدودنا ومزارعنا وعلى أعراضنا، لذلك اليوم يسجل لنا هذا التاريخ. المجد يسجل بهذه المواقف، أنتم اليوم تسجلون المجد ليس لكم فقط، بل أنتم اليوم عنوان العرب وعنوان المسلمين وأنتم اليوم عنوان اللبنانيين ولو أنكر من أنكر ، لكن الحقيقة ساطعة ولا يستطيع أحد أن يحجب نور الشمس”.
واردف : “أيها الأبناء الطيبون، أيها الثابتون الصامدون، اصبروا قليلاً فإن شاء الله وراء هذا الصبر النصر بإذن الله. نحن نريد بلداً آمنًا مستقراً، نريد سلطة ودولةً حقيقية تقوم بواجبها في الحفاظ على سيادتها وعلى كرامة ابنائها، نحن نريد دولةً تقوم بخدمة أبنائها. فمن الذي يقوم بخدمة هذه المناطق؟ الدولة؟ ليس هناك من دولة، نعم هناك الجيش اللبناني إلى جانب المقاومة وإلى جانبكم أنتم الموجودون، أنتم الذين تقدمون الخدمات لأنفسكم، نحن نريد دولةً، نحن نريد أن تتحقق هذه الدولة وأن توجد هذه الدولة، وأن تخفف عما نقوم به بديلاً عنها. نحن بديل عنها لأنها ليست موجودة، نحن نريدها أن تكون موجودة، ولا نريد ولا يصح أن ندفع ثمن استقلال لبنان وكرامة اللبنانيين وحدنا، لكننا إنما حملنا السلاح وقاتلنا واستشهد أبناؤنا لأن الدولة غير موجودة وإضطررنا لحمل السلاح وللقتال، وهنا نحن أعطينا المجال للدبلوماسية وأن تقوم الدولة بتحرير ما بقي محتلا من أرضنا بعد توقيع الإتفاق الذي لم يلتزم به العدو ،وما زال يمضي في نهج العدوان وفي نهج القتل، فالناس يريدون الدولة، الدولة ليست عبارة عن شعار، الدولة عبارة عن فعل ، وليس بالكلام تتحقق السيادة وليس بالكلام تتحقق مطالب الناس وكراماتهم ، الناس تريد أن ترى شيئا على الأرض، بالدبلوماسية او بغير الدبلوماسية ،المهم أن تتحقق ثقة الناس بكم. الناس تريد الدولة، الناس تريد الجيش لكن الجيش ممنوع عليه أن يقوم بالدفاع عن لبنان. حينما أمر فخامة رئيس الجمورية الجيش وأوعز للجيش أن يتصدى للعدو الإسرائيلي قامت الأصوات لتهاجم رئيس الجمهورية، هؤلاء ألا يستحون من أنفسهم؟.. فوق أنهم مقصرون في الدفاع عن أرضهم وعن وطنهم وعن سيادتهم يهاجمون فخامة رئيس الجمهورية ويهاجمون المقاومة ويهاجمون بيئتها، هؤلاء الفاشلون الذين يعبّرون عن فشلهم، وعن الفراغ الذي يولده تراجعهم وخيبتهم وفشلهم في أنهم لم يستطيعوا أن يبنوا دولة. قذارتهم التي يعبرون عنها كما نرى في وسائل التواصل الإجتماعي، للأسف نحن لا نلتفت إلى هؤلاء ولكن اللبنانيين جميعاً هم إخواننا و أهلنا من كل الطوائف وهم موجودون في الجنوب في كل مناطق الجنوب، والجنوبيون يعيشون معاً أخوةً متحابين، نحن نريد أن نكون شعباً واحداً يدافع عن شرفه وعن كرامته ويقف في وجه العدوان ويحقق الأمن والكرامة لأبنائه”.
وختم الخطيب: “من هنا نحن خلف الدولة حينما تقوم الدولة، نحن نريد أن تتحقق الدولة ونحن سنساعد، بل نحن اليد الأولى التي ستمتد لبناء الدولة. نحن حققنا كل ما يمكن أن تحتاجه وأن يحتاجه بناء الدولة.ولذلك نقول لهؤلاء المقصرين، القرار عندكم، خذوا القرار ببناء الدولة واخرجوا من عصبياتكم وأنانياتكم وجبنكم واخرجوا من هروبكم عن القيام بالواجب، وحينها ستتحقق الدولة وسيكون الشعب اللبناني كله وراءكم وخلفكم. نحن في هذه الأوقات والظروف الصعبة ، بل نحن رجال الظروف الصعبة ونحن رجال الصبر، لن نتراجع ولن نترك أرضنا ولن نهجر من أرضنا، ولن نترك العدو يهين كرامتنا ويهين بلدنا وينتزع استقلالنا الذي دفعنا وما زلنا ندفع ثمنه دماً وألماً ودُموعاً. لا يمكن لنا أن نتخلَّى عنه على الإطلاق. كل حبة تُرابٍ في هذه المنطقة، في الجنوب، في البقاع في الضاحية، كل حبة تُرابٍ مجبولةٍ بدماء ابنائنا، ولكن نحن نرضى بهذا الثمن لأن الكرامة ليس لها ثمن ولأن حفظ الأوطان ليس له ثمن، نحن نسجل أمجادنا وعطاءنا في سبيل لبنان، أما الآخرون فمدعوون إلى الإنضمام إلى هذه القافلة لنقف سوياً لنحافظ على بلدنا بلداً حرًّا مستقلًا بالفعل وبالعمل وبالعطاء وليس بالشعارات. بارك الله بكم ورحم الله شهداءكم، بارك الله بشهدائنا، كل شهدائنا، سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين، وكل الشهداء من حركة أمل و حزب الله، و من أهل القرى المدنيين الذين سقطوا على هذا الطريق وقدسوا هذه المناطق وقدسوا هذه القطعة من الأرض التي هي مقدسة بهؤلاء الشهداء ومقدسة بثباتكم وصمودكم. إصبروا قليلا”.




