الأسد لن يُغادِر دِمشق..و”إسرائيل” أعلنت حالةَ التأهُّب القُصوى
دولة الاحتلال الإسرائيلي سَتكون في قَلب التَّحالُف الأميركي الجَديد
ترامب يُريد حَربًا تُعيد لأميركا زَعامَتها المَفقودة وليس ضَرباتٍ عَسكريّة مَحدودَة.. وإسرائيل سَتكون الضِّلع الرَّابِع في عُدوانِه الوَشيك على سوريا.. الأسد لن يُغادِر دِمشق وإن كان قَصْرُه مُستَهدَفًا.. وبوتين تَعهّد بالتَّصدِّي وتَراجُعه مُستَبعد.
كُنّا نَعتقِد أنّ العُدوان الذي يَعتزِم الرئيس الأميركي دونالد ترامب شَنَّه ضِد سوريا في أيِّ لَحظة سَيكون ثُلاثِيًّا، أي بِمُشاركة كُل من فرنسا وبِريطانيا إلى جانب أميركا، ولكن بَعد التَّهديدات الإسرائيليّة التي صَدَرَت اليوم “بإزالة الرئيس بشار الأسد ونِظامِه من خَريطَة العالَم في حال شَنْ إيران هُجومًا انتقاميًّا على إسرائيل انطلاقًا من الأراضي السُّوريّة”، باتَت لدينا قناعة بأنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي سَتكون في قَلب التَّحالُف الأميركي الجَديد، وأداةً رئيسيّة من أدَوات هُجومِه، وأنّه من غير المُستَبعد أن تكون إيران وحزب الله على قِمّة قائِمَة الاستهداف أيضًا.
إسرائيل أعلنت حالةَ التأهُّب القُصوى تَحسُّبًا لرَدٍّ انتقاميٍّ إيرانيّ لاستشهاد سَبعةِ إيرانيين كانَوا من بين ضحايا القَصف الصَّاروخي الإسرائيلي لقاعِدة “تيفور” الجَويّة العَسكريّة قُرب حِمص قَبل يومين، ولكنّنا نَجزِم بأنّها تَتحسّب أيضًا لرَدّات انتقاميّة خاصّة من سوريا و”حزب الله” بسبب دَورِها الرَّئيسي في العُدوان الأميركي الجَديد، خاصَّةً بعد أن هَدَّد وزير إسكانها يواف غالانت “بأنّ الوَقت قد حانَ لاغتيالِ الرئيس الأسد”، واتّصال الرئيس فلاديمير بوتين هاتِفيًّا اليوم ببنيامين نتنياهو تُحَذِّره مِن المُشارَكة.
الرئيس ترامب افْتَعَل ذَريعة استخدام الأسلحة الكيماويّة في الغُوطةِ الشرقيّة، لأنّه يُريد حَربًا كُبرى على الأرض السُّوريّة، وليس مُجرَّد ضَربات صاروخيّة لتَحويل الأنظار عن هَزيمَتِه على أرضِها، واقتراب حَبل العَزل من رَقبَتِه في الدَّاخِل الأميركي، بعد وُصول التَّحقيقات إلى مَكتَبِه ومُحاميه في قَضايا الفَساد وتَزوير الانتخابات الرِّئاسيّة.
عندما يَكتُب الرئيس ترامب تغريدة يُؤَكِّد فيها “أنّ الصَّواريخ قادِمة إلى سوريا، وبأنّها سَتكون بارِعة وذَكيّة وحديثة، وعلى روسيا التي تَعهّدت بِصَدِّها الاستعداد”، فإنّ هذا “إعلان حرب” شامِلة من قِبَل رئيسٍ مَهزوم ومَهزوز في الوَقتِ نَفسِه، يُحاوِل استعادة مَركَز القِيادة العالميّة التي ذَهبَت إلى قِوىً جَديدة مِثل روسيا والصِّين، لانشغالِه بجَمع المِليارات وابتزاز قادَة عَرب، وفضائِحِه الجِنسيّة والسِّياسيّة.
الرئيس الأسد ربّما يُغادِر القَصر الجُمهوري الذي سَيكون أحد الأهداف الرئيسيّة لأيِّ قَصْفٍ أميركيّ، جَنبًا إلى جنب مع مَطاراتٍ عَسكريّة وَمَدنيّة ومَقرّات لأجهزةٍ أمنيّة داخِل العاصِمة دِمشق وخارِجها، ولكنّه لن يُغادِر سورية مِثلما تُروِّج التَّسريبات الإسرائيليّة والأميركيّة، وحتى العَربيّة أيضًا، فهو لم يُغادِرها وأُسرَته عِندما وصلت القَذائِف الصَّاروخيّة إلى بُعد أمتارٍ مِن قَصْرِه، وظَلَّ في مَوقِعِه يَتحمّل المَسؤوليّة لسَبع سنوات خَسِر في بَعض مَراحِلها أكثر من 60 بالمِئة من الأراضي السُّوريّة، فهَل سَيُغادِرها الآن بعد أن استعادَ مُعظَم الأراضي السُّوريّة، وآخرها الغُوطة الشرقيّة، بِمُساعَدة حُلفائِه الإيرانيين والرُّوس و”حِزب الله”؟
إسرائيل تُهدِّد بإزالة الرئيس الأسد ونِظامِه من خَريطة العالم، وهُناك مَثَل يقول “من يُريد أن يَضرِب لا يُكَبِّر حَجره”، وكان أمامها أكثر من عِشرين عامًا لتَنفيذ تهديداتها هذهِ ولم تَفعَل، وما يَجَب أن تَخشاه إسرائيل أنّها هي المُهدَّدة بالاختفاء مِن الوُجود، إذا ما انْدَلعت شرارة الحَرب، لأنّ صواريخ المُقاوَمة قد لا تستطيع الوُصول إلى أميركا، ولكنّها قَطعًا ستَصِل بِعَشرات الآلاف إلى جَميع مُدُنِها ومُستوطناتِها ومَطاراتِها من أكثر من جَبهة.
قُلناها، ونُكرِّرها اليوم بأنّها حَربٌ لن تَكون طَريقًا في اتّجاهٍ واحِدة، والغَزو الأميركي للعِراق ومن سَبقه من قَصف وحِصار لم يُزِل العِراق من الخَريطة، وها هو العِراق يتعافَى، ويبدأ في استعادة قُوّته ومَكانته بِشَكلٍ مُتسارِع، وسوريا مَوجودة على الخَريطة مُنذ ثمانِية آلاف عام بينما لم يَزِد عُمر “إسرائيل” عن سَبعين عامًا، ولم تَنتَصِر في أيٍّ من حُروبِها الأخيرة التي خاضَتها على مَدى 35 عامًا، وعلى الذين يُهدِّدون أخذ هذهِ الحَقائِق المُوثَّقة بِعَين الاعتبار.
خِتامًا نقول بأنّه عِندما يكون خَيارُنا بين الوُقوف في خَندق سوريا المَظلومة وشَعبِها ومِحوَرِها المُقاوم، وبين خَندق العُدوان الأميركي الإسرائيلي وحُلفائِه، فإنّنا نختار الخَندق الأوّل دونَ تَرَدُّد، وأيًّا كانَت النَّتائِج، لأنّ سوريا عَزيزةٌ علينا، وتُواجِه مُؤامرة يَتخفّى أصحابها، والمُشارِكون فيها خَلف أقنعة وذرائِع عديدة مُختَلِفة ومُختَلَقة، انتقامًا من كُل مَواقِفها المُشَرِّفة في خِدمَة القَضايا العَربيّة، وعلى رأسِها قَضيّة فِلسطين.
نَأسف أن يَقِف بعض العَرب في خَندق العُدوان على سوريا، مِثلما وَقفوا في خَندَقِه ضِد العِراق وليبيا واليَمن، ولكنّنا على ثِقَةٍ أنّ هذا الوَضع العَربيّ المُزري المُتخاذِل لن يَطول بِإذْن الله.. والأيّام بَيْنَنَا.
عبد الباري عطوان – رأي اليوم