عرس كأس لبنان حسمه النجمة بهدفٍ وحيد، ليفقد الأنصار اللقب ويستمر مسلسل مآسيه هذا الموسم. لكن النتيجة ليست الشيء الفني الوحيد الذي يمكن الحديث عنه، بل الصورة الفنية التي ظهر عليها الفريقان، والتي تترك انطباعات عدة عن شكل ما تبقى من الموسم بالنسبة إليهما
هدف وحيد سجله حسن معتوق من ركلة جزاء في الدقيقة التاسعة أهدى النجمة بطاقة الى الدور نصف النهائي لمسابقة كأس لبنان لكرة القدم على حساب غريمه التقليدي الأنصار.
“الدربي” الذي شهده ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية كان بحسابات فنية خاصة طبعاً، لكنها في الوقت نفسه تعكس فكر المدربين: الألماني ثيو بوكير والتشيكي فرانتيتشيك ستراكا بما خص نظرتهما للمرحلة المقبلة، حيث سيكون تركيز الأول على الدوري والكأس، والثاني على تحسين مركز فريقه محلياً ووضعه على السكة الصحيحة آسيوياً.
وهنا يأتي السؤال: لماذا فاز النجمة، ولماذا خسر الأنصار؟
البداية من ناحية الفريق الفائز، حيث بدا الأمر الواضح ان بوكير اقتنع بالتشكيلة التي اعتمدها اخيراً، وتحديداً منذ اشراكه حسن العنان على حساب حسن المحمد. قوة النجمة الاساسية حالياً هي في ثبات مستواه، والكيميائية الرهيبة الموجودة بين الخطوط الثلاثة، والربط القوي بينها، والتي يعود لبوكير الفضل فيها. وهذه المسألة ظهرت جليّة في عملية بناء وتنظيم الهجمة بالاعتماد على التمريرات القصيرة والسريعة، وسط قرب اللاعبين من بعضهم البعض، وهو أمر مفيد حتى في حال ضيّق الخصم المساحة بحيث إن الحلول دائماً موجودة عند المستحوذ على الكرة.
فاز النجمة لأن الحارس عباس حسن وضع خلفه كابوس مباراة “الدربي” في الدوري، وكان واثقاً من نفسه رغم أنه لم يُختبر بشكل حقيقي. لكن الأهم أن الخط الدفاعي كان ثابتاً وقادراً على الوصول الى كل الكرات العرضية والهوائية، من خلال المتألقين قاسم الزين والمقدوني ياسمين ميتشينوفيتش، الذي أكد أنه ظُلم عندما قيل انه مدافع ليس بمستوى تطلعات النجماويين. وبالتأكيد صلابة قلبي الدفاع لم تكن كل شيء، فمع بوكير أصبحت مقاربة الظهيرين الهجومية مختلفة، بحيث ان علي حمام وماهر صبرا لم يغامرا بالاندفاع الى الهجوم، بل اختارا اللحظة المناسبة للانطلاق الى الأمام، وذلك بحسب انتشار الخصم حتى لا يتركا الرواقين مشرّعين للهجمات المرتدة.
ومما لا شك فيه ان خط الوسط النجماوي هو احد المفاتيح الأساسية للفوز. فمنذ بداية المباراة، كان هذا الخط متفوّقاً من خلال النشاط اللامتناهي للعنان، وذكاء احمد جلول في التنقل بين المساحات، وهو الأمر الذي يعود الى وجود المقدوني داركو ميتشيفسكي الذي أوجد التوازن وسمح لجلول كما نادر مطر (غير الموفّق) بأخذ مبادرات أكثر، لذا زادت الفرص المتاحة للأخير.
كل هذا ترافق مع لامركزية في الحالة الهجومية، والتي سمحت للنيجيري كبيرو موسى بلعب اكثر من دور من دون ان تُعرف الجهة التي سيأتي منها خطره مع تنقله بين طرفي الملعب والعمق، وذلك بحسب تحرك منظومة الوسط.
لكن لم يكن الحضور الفني الممتاز للنجمة السبب الأساس في خسارة الأنصار، اذ ان الفريق الأخضر الذي قدّم شوطاً ثانياً أفضل، بدت مشكلته الهجومية في العفوية التي طبعت اداء لاعبيه عند خروجهم بالكرة من منطقتهم، فافتقر الفريق الى لاعب وسط خلاق وآخر يمكنه تكسير الهجمات النجماوية، في ظل غياب عدنان حيدر المؤثر في الارتكاز، وذلك رغم بروز حسن شعيتو “شبريكو” في مركزه الجديد. وانضباط النجمة الدفاعي عطّل خالد تكه جي وبعده علاء البابا بعد نزول الأخير في الشوط الثاني حيث تحسّن الأداء الأنصاري في ظل بقاء الهداف السنغالي الحاج ماليك معزولاً في المقدّمة.
كذلك، خسر الأنصار لبطء حركته في الانتقال من الدفاع الى الهجوم، رغم ان فكرة إشراك علي الأتات في مركز قلب الدفاع على حساب عبد الفتاح عاشور، كانت لإخراج الكرة بدقة لتمرّ الى السوري ثائر كروما الذي لم يقدّم افضل مبارياته، وبعدها الى عباس عطوي الذي يُعدّ الوحيد القادر على ضرب عمق المنطقة النجماوية بإحدى تمريراته الدقيقة.
وخسر “الأخضر” ايضاً لانه لم يجد البديل المناسب في القسم الاخير من المباراة، حيث هبط المستوى البدني للاعبين، فدخل الليبيري ثيو ويكس وظهر كأنه لعب 90 دقيقة، فكان بطيء الحركة وغير قادر على تقديم اي شيء إن كان على الطرف الأيمن او في دور صانع الألعاب.
تفوّق بوكير على ستراكا في مواجهة “المدرسة الألمانية” (قضى الأخير غالبية مسيرته الكروية في المانيا التي حمل جنسيتها)، ليصبح الأول مقتنعاً بضرورة النسج على المنوال عينه وبنفس النسق والاستراتيجية، وليكون الثاني قد تعرّف أكثر إلى قدرات افراد تشكيلته لتبدأ معه عملية الترميم.
شربل كريم – الأخبار