اخبار عربية ودوليةالرئيسية

مجازر الساحل والسويداء مجرد «جنحة»!

عامر علي - الاخبار

أثار كشف السلطات الانتقالية في سوريا عن النتائج الأولية لتحقيقاتها الخاصة حول المجازر التي تعرّضت لها السويداء في تموز الماضي على يد فصائل تابعة لتلك السلطات أو مرتبطة بها، وإعلانها بدء «المحاكمات العلنية لمرتكبي الانتهاكات في الساحل» (في إشارة إلى مجازر الساحل في آذار الماضي)، ردود فعل متفاوتة في الشارع. وأتى ذلك وسط تشكيك في جدّية تلك الإجراءات التي يبدو أنها تُستخدم في سياق الحملة الإعلامية التي تنظّمها السلطات لتوطيد حكمها، خصوصاً مع اعتبارها المجازر مجرد «جنحة» تجري محاسبة مرتكبيها.
وذكر رئيس اللجنة المُكلّفة بالتحقيق في مجازر السويداء، حاتم النعسان، في مؤتمر صحافي عقده لنشر النتائج التي تمّ التوصّل إليها حتى الآن، أن اللجنة طلبت تمديد فترة عملها لمدة شهرين إضافيين، وذلك بسبب عدم تمكّنها من دخول مناطق عديدة في السويداء، التي باتت تحت حكم إدارة ذاتية، مشيراً إلى أن لجنته استمعت إلى 800 شهادة، وأنها في إطار تحقيقاتها خلال الأشهر الماضية تقدّمت «بطلب قانوني لتوقيف عدد من عناصر الجيش والأمن ممن ثبت ارتكابهم انتهاكات بناءً على تحقيقات قامت بها، وبناءً على مقاطع من مواقع التواصل الاجتماعي». ونفى في الوقت نفسه اشتراك فصائل أجنبية في هذه المجازر، وقال إن «بعض الأشخاص من المقاتلين الأجانب انضمّوا بشكل عشوائي أو فردي إلى مدينة السويداء، ولم تكن هناك فرقة مقاتلة أجنبية دخلت إلى مدينة السويداء».

وأثارت تصريحات النعسان ردود فعل متفاوتة في الشارع، بين من رأى في حديثه محاولة للدفاع عن الفصائل الأجنبية والسلطات الانتقالية، خصوصاً أنه ذكر، أكثر من مرة، أنه «لم يثبت أن المقاتلين الأجانب الذين دخلوا السويداء تلقّوا أوامر بالدخول…كمقاتلين في صفوف الجيش السوري»، وبين من اعتبر هذه النتائج شبيهة بتلك التي خرجت بها اللجنة المكلّفة بمجازر الساحل، والتي التفّت على كثير من الحقائق، وعدّت ما جرى «محاولة انقلاب»، علماً أن اللجنة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، خلصت، في تقريرها الذي نشرته في 14 آب الماضي، إلى أن ما شهده الساحل «قد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب».

لجنة الأمم المتحدة زارت السويداء 3 مرات، وأجرت لقاءات عديدة هناك

الانتقادات التي طاولت إعلان اللجنة، استندت إلى اعتراف هذه الأخيرة نفسها بأنها لم تدخل إلى السويداء، فضلاً عن أنها مُشكَّلة أساساً من قبل السلطات التي يتم اتهامها بالوقوف وراء المجازر، الأمر الذي يُفقِد تقريرها صفتَي الحيادية والموضوعية. والجدير ذكره، هنا، أن لجنة الأمم المتحدة زارت السويداء ثلاث مرات، وأجرت لقاءات عديدة هناك، ولا تزال تتابع تحقيقاتها في هذه المجازر، التي تمّ توثيق عدد كبير منها، وخلّفت آثاراً كارثية، ودفعت السويداء بشكل مباشر إلى أحضان إسرائيل، التي رعت من جهتها إقامة الإدارة الذاتية في المحافظة، مضاعِفةً تعقيدات المشهدين السياسي والميداني في الجنوب.

وفي هذا السياق، نفت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) ما أوردته وسائل إعلام مقرّبة من السلطات الانتقالية حول وصول وفد من السويداء إلى الأردن، لبدء مباحثات في إطار المبادرة الثلاثية بين الولايات المتحدة والأردن وسوريا لحل أزمة السويداء، والتي أُطلق عليها اسم «خارطة طريق». ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول أن المملكة تواصل جهودها لمعالجة الأزمة وتعزيز الاستقرار في جنوب سوريا، وذلك ضمن «خارطة الطريق»، التي تشمل زيارة مرتقبة لأهالي السويداء إلى الأردن من دون تحديد موعدها حتى الآن.

ويأتي هذا في وقت تعيش فيه خطوط التماس بين الفصائل المحلية الدرزية في السويداء، والتي باتت تحمل اسم «الحرس الوطني»، وتلك التابعة للسلطات الانتقالية والمرتبطة بها، تصعيداً متواصلاً في ظلّ اعتماد الأخيرة المتزايد على الطائرات المُسيّرة في تنفيذ الهجمات على المحافظة التي تعيش تحت حصار مُطبق تسبّب بأزمة معيشية متفاقمة.

في غضون ذلك، أثار الإعلان عن بدء المحاكمة العلنية لمرتكبي «انتهاكات الساحل السوري» ردود فعل مشابهة، في ظلّ الانتقادات الحادّة والمستمرة لتقرير اللجنة التي حقّقت في مجازر الساحل. وعلى الرغم من تلك الشكوك، يترقّب الشارع السوري وقائع المحاكمة التي أعلن رئيس أحداث الساحل، جمعة العنزي، انطلاقها، معتبِراً إياها «لحظة فارقة» للوقوف على المنحى الذي ستسير فيه السلطات، خصوصاً أن مِن بين المتورطين مقاتلين أجانب. ومن شأن المحاكمة العلنية لهؤلاء، إذا ما تمّت، أن تفتح الباب على مصراعيه أمام اقتتال داخلي، ولا سيما مع توافر جميع العوامل المساعِدة على هذا الانفجار، بدءاً من الغضب المتراكم لدى هذه الفصائل من الانخراط غير المسبوق للسلطات الانتقالية في المشروع الأميركي، وليس انتهاءً بطبيعة التشكيلات العسكرية والأمنية التي تحكم سوريا، والتي تعتمد على فصائل تتقاسم السلطة ضمن مناطق سيطرة محدّدة تحت عباءة وزارتَي الدفاع والداخلية.

بشكل عام، يشير استعجال السلطات الانتقالية إقفال هذين الملفين، إلى تعويلها على استثمار الانفتاح الأميركي والاحتضان الأوروبي لتشجيع استقدام استثمارات حقيقية في السوق السورية، لما لهذه الاستثمارات، إذا ما تمّت، من أثر كبير في توطيد حكمها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى