
تفوّق نائب كتلة «اللقاء الديموقراطي» في البرلمان اللبناني، مروان حمادة، على كلّ مَن سبقه إلى التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، بمَن فيهم رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميّل والنائب فؤاد مخزومي والمصرفي أنطون الصحناوي وغيرهم من ناشطين وصحافيّين وحتّى مواطنين عاديّين سبق وجاهروا بتطبيعهم.
بكلّ برودة أعصاب، ظهر حمادة متبسّماً في الاستديو مع الإعلامي كريستيان مالار على قناة i24 الإسرائيلية الناطقة بالفرنسية، متحدّثاً عن وقف إطلاق النار في غزّة ولبنان وأمور أخرى تدور في هذا الفلك. القناة معروفة بكونها الواجهة الإعلامية لكيان الاحتلال، وتبثّ بلغات عدّة بما فيها العربية دفاعاً عن سردية الاحتلال، وبذلت جهوداً كبيرة لتبييض الإبادة الجماعية التي ارتكبها في غزّة. يقع مقرّها في تل أبيب، وتعود إلى شركة «ألتيس» المملوكة للملياردير الفرنسي ــ الإسرائيلي باتريك دراهي، المعروف بصهيونيّته وعلاقاته مع مسؤولي الكيان.
ليست المرة الأولى
صحيح أنّها ليست المرّة الأولى التي يأخذ فيها مالار مقابلة من سياسي لبناني، رغم مواقفه العلنية في دعم الكيان. فهو صحافي فرنسي ذو باع طويل في المجال، وسبق أن حاور رؤساء وقادة من مختلف دول العالم. لكن درجت العادة ألّا تكون مقابلاته مع اللبنانيّين لمصلحة الإعلام الإسرائيلي، باستثناء مرّة واحدة عام 2020 مع وزير الخارجية السابق ناصيف حتّي، الذي عاد وأوضح في حينه أنّه أعطى المقابلة لمالار والأخير قدّم المادّة لـi24 لاحقاً.
ولئن سبق وظهر النائب سامي الجميّل بداية عام 2024 في مقابلة إلى جانب صحافيّين إسرائيليّين على قناة BFM الفرنسية التي كانت مملوكة في حينه أيضاً لشركة «ألتيس» قبل أن تنتقل إلى CMA-CGM منتصف العام ذاته، إلّا أنّ حمادة تخطّى الجميّل الذي برّر الأمر وقتها بأنّه لم يكن على علم بهوية الصحافيّين. فقناة i24 إسرائيلية بحتة وليست فرنسية مثل BFM، كما إنّ اسمها بحدّ ذاته يشير إلى «إسرائيل» (حرف i يرمز إليها). مع العلم أن حمادة عاد وبررّ بأنه سجّل حديثه مع مايار في باريس في مقر قناة BFM الفرنسية أيضاً، قائلاً إنه فوجئ بإذاعته عبر محطة أخرى، وندّد بذلك واحتجّ عليه.
هجوم على السوشال ميديا
سرعان ما شكّلت المقابلة محطّ انتقاد واسع على منصّات التواصل الاجتماعي، لما تخالفه من قوانين. قبل أي شيء، كان وزير الإعلام بول مرقص أصدر بياناً في 8 حزيران (يونيو) الماضي وجّهه «إلى جميع المواطنين والمؤثّرين والفنّانين والإعلاميّين الكرام»، محذّراً «من أيّ تواصل مباشر أو غير مباشر مع المتحدّثين باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أو الجهات الإعلامية التابعة له، تحت أيّ ذريعة كانت. يُعدّ هذا النوع من التفاعل خرقاً واضحاً للقوانين اللبنانية المتعلّقة بمقاطعة العدوّ الإسرائيلي والامتناع عن التواصل معه، ويعرّض صاحبه للمساءلة القانونية وفقاً للنصوص المعمول بها». فهل أنّ النوّاب غير معنيّين بهذا البيان؟
مخالفة القوانين
كذلك، خالف حمادة المادّة 275 من قانون العقوبات التي تنصّ على أنّ «كلّ لبناني يعاون العدو على فوز قوّاته أو يتّصل به أو يدسّ الدسائس لديه، يعاقَب كخائن وينفَّذ بحقّه عقوبة الإعدام»، بالإضافة إلى قانون المقاطعة الصادر عام 1955 الذي يحظّر أيّ تعامل مع العدوّ، تماشياً مع قانون المقاطعة الموحّد الذي أقرّه مجلس «جامعة الدول العربية» عام 1954 ويلتزم لبنان بمندرجاته.
اعتاد اللبنانيّون أن تمرّ أخبار التطبيع مرور الكرام، فلا يحاسَب أحد من الرؤوس الكبيرة، وتُدرج مخالفاتهم تحت خانة «حرّية التعبير»، فيما يحظى العملاء لمصلحة العدوّ بعقوبات مخفّضة تصل إلى العفو والإجلاء إلى دول أخرى، من دون أن يحرّك أحد في السلطة ساكناً. حتّى عندما كان يتعرّض الجنوب اللبناني في الأيّام الماضية لأبشع الاعتداءات، كان الإعلامي مارسيل غانم يخرج في برنامجه على mtv ليطالب بـ«السلام».
حتّى عندما شارك النائب فؤاد مخزومي في مؤتمر في المغرب إلى جانب إسرائيليّين قبل سنوات، لم «ينهزّ» مجلس النوّاب للمساءلة، فيما يهبّ لجلسات مساءلة حول أسخف القضايا. فهل سيتحرّك أحد في هذا المجلس هذه المرّة؟ وماذا سيكون موقف الحزب الذي يتبع إليه حمادة، أي «الحزب التقدّمي الاشتراكي»، الذي يكرر منذ سنتَين على الأقلّ مواقفه المناهضة للاحتلال، رغم تهيّب خروجه من عباءة الإمبراطورية؟
وفيما تشغل السلطة بال اللبنانيّين بتفاهات طائفية بين الحين والآخر، آخرها حول قناني مياه الشرب، هناك مَن لا يزال يتذكّر عندما اتّصل «الموساد» بأحد الفنادق الإيطالية طالباً «مستر حمادة»، فحُوّل الاتّصال خطأً إلى رئيس مجلس النوّاب الراحل صبري حمادة. فهل حنّ «مستر حمادة» الحيّ إلى الماضي؟