تطلّع إلى إحياء الدور الروسي جنوباً: الشرع يقدّم أوراقه… لمـوسكو أيضاً
عامر علي - الاخبار

رغم تأجيل موسكو، موعد عقد القمّة العربية التي كانت مقرَّرة أمس، إلى الشهر المقبل، التزم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بموعد زيارته إلى روسيا، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، في لقاء هو الأول من نوعه بينهما. ويعكس هذا الأمر استعجالاً وإصراراً من قبل الشرع، على توسيع دائرة علاقاته مع روسيا، اللاعب الذي يسعى بدوره إلى حجز مكان له في «سوريا الجديدة».
وتأتي الزيارة التي سوّقت لها وسائل إعلام موالية للسلطات الانتقالية على أنها تهدف إلى بحث إمكانية تسليم الرئيس السابق، بشار الأسد، اللّاجئ حالياً في روسيا، في وقت شديد الحساسية بالنسبة إلى الإدارة الجديدة، التي تواجه جملة من الملفات المعقّدة في شمال شرق البلاد (ملف الأكراد) وفي جنوبها (الإدارة الذاتية في السويداء، وإسرائيل)، وفي المنطقة الوسطى والساحل السوري (مناطق انتشار العلويين وطوائف أخرى من الأقلّيات).
واستمرّ اللقاء بين الشرع وبوتين، ساعتين ونصف الساعة، ولم يتسرّب عنه الكثير من المعلومات، باستثناء ما أعلنته المصادر الرسمية حول توطيد العلاقات بين الطرفين، واعتراف الشرع، بجميع الاتّفاقات الموقعة سابقاً بين روسيا وسوريا، إلى جانب الحديث عن دور الأولى في تأمين إمدادات الغذاء للثانية، وفي تقديم الدعم إليها أيضاً. وفي هذا السياق، نقلت قناة «الإخبارية» السورية الرسمية عن الشرع، قوله «(إننا) في سوريا الجديدة نعيد ربط العلاقات مع كل الدول الإقليمية والعالمية». وأضاف أنّ «سوريا ستحاول إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا والأهم هو الاستقرار في البلاد والمنطقة»، معلناً، في الوقت نفسه، احترام كل الاتفاقات السابقة بين سوريا وروسيا.
بدوره، هنّأ بوتين الشرع، على إجراء الانتخابات البرلمانية في سوريا في وقت سابق هذا الشهر، معتبراً أنها «ستعزّز العلاقات بين جميع القوى السياسية» في البلاد. وأكّد أنّ موسكو، مستعدة للتواصل مع دمشق، عبر وزارتَي الخارجية في البلدين، مشيداً بالعلاقات السورية – الروسية التي وصفها بـ«المميزة». وفي تصريحات لاحقة للاجتماع، ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، أنّ المباحثات تناولت جوانب عدّة، أهمّها الإنساني، بالإضافة إلى الطاقة والنقل والصحة والسياحة، مضيفاً أنّ مسائل الإمدادات الإنسانية إلى سوريا جرى بحثها، إلى جانب مناقشة التعاون في مجالات متعدّدة، من بينها السياحة، لافتاً إلى أنّ دمشق أبدت اهتماماً بالحصول على القمح والأدوية الروسية.
التوازن السوري إزاء الولايات المتحدة الأميركية وروسيا قد يكون مكلفاً على الصعيد الداخلي
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مهّد في وقت سابق، لهذه الزيارة، عبر سلسلة تصريحات أطلقها في أثناء مؤتمر صحافي. كما أعلن، في أثناء لقاء مع قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالإنكليزية، دعم روسيا للاستقرار في سوريا ووحدة الأراضي السورية، محمّلاً الدول الفاعلة في الملف السوري مسؤولية ما آلت إليه الأمور بسبب «عدم التزامها بالاتفاقات»، وفق وصفه. كذلك، حسم مسألة القاعدتين الجوّية (حميميم) والبحريّة (طرطوس)، بتأكيده أنّ روسيا، تربط وجودها هناك بموافقة السلطات، مشيراً إلى أنّ الدول الفاعلة في المنطقة تطلب «بقاء روسيا»، ما يعني فعلياً بقاء القاعدتين وحسم أي جدل مستقبلي حولهما.
كما سبقت الزيارة تسريبات عديدة تتحدّث عن دور روسي فاعل في مسألة الأقلّيات، وبشكل خاص في المنطقتَين الساحلية والوسطى (العلويون تحديداً)، بالإضافة إلى ملفَّي إسرائيل والسويداء. ويعني هذا الدور، في حال اكتماله، حتمية إجراء تغييرات جذرية في هيكلية الحكم في سوريا، والتي لا تزال تقوم في الوقت الحالي على السيطرة الفصائلية، وصعود المتشدّدين، وتهميش الأقلّيات.
أمّا على صعيد السويداء وإسرائيل، فذكرت وكالة «رويترز» أنّ الشرع، طلب عودة الشرطة العسكرية الروسية إلى الجنوب السوري، وذلك في محاولة لوضع رادع في وجه تل أبيب، في استنساخ مباشر للتجربة التي خاضها الرئيس السابق، عندما دفع بالقوات الروسية إلى الشريط الفاصل مع إسرائيل، وسلّم موسكو مسؤوليات عديدة تتعلّق بتهدئة الجنوب السوري (درعا والسويداء). ووفّر ذلك للنظام السابق مساحة آمنة منعت أي تحرّكات انفصالية في هذه المنطقة شديدة التعقيد، لتنهار تلك الاتّفاقات مع سقوطه، وتدخل السويداء في دوّامة عنف دفعتها نحو تأسيس إدارة ذاتية مدعومة من إسرائيل، الأمر الذي يمكن أن يشكّل تحدّياً مباشراً لقدرة روسيا على ضبط المشهد في الجنوب.
كذلك، يأمل الشرع، ومن ورائه تركيا التي مهّدت له الطريق نحو موسكو، أن تؤدّي روسيا دوراً فاعلاً في ملف الأكراد وإدارتهم الذاتية وملف دمج «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، في ظلّ الموقف الروسي المعلن الرافض لأي كيانات انفصالية من جهة، ووجود علاقات متينة بين موسكو و«قسد» من جهة أخرى. ومن شأن ذلك ربما أن يخلق توازناً إضافياً في هذا الملف، في ظلّ الهيمنة المطلقة التي باتت تتمتّع بها الولايات المتحدة عليه، عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا توماس برّاك.
وبعيداً عن استباق أي نتائج، تشكّل هذه الزيارة نقطة تحول كبيرة بالنسبة إلى السلطات الانتقالية في سوريا، التي تحاول فعلياً الإبقاء على قنوات تواصل متّزنة مع مختلف القوى الفاعلة وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا. غير أنّ هذا التوازن قد يكون مكلفاً على الصعيد الداخلي، في ظلّ الموقف الرافض من قبل فصائل عديدة متشدّدة تابعة للسلطات الانتقالية لتوطيد العلاقات مع روسيا من جهة، والثمن الذي يتوجّب على الشرع دفعه مقابل هذا التوازن، وعلى رأسه إعادة النظر في آلية الحكم الحالية، وهيكلية جيشه، والمقاتلين الأجانب، ودور الأقليات.