اخبار عربية ودولية

حلب بين لحظتَين: الشرع لا يأتي بجديد

عامر علي - الأخبار

استغلّ “الرئيس السوري” في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ذكرى بدء معركة «ردع العدوان» التي انطلقت العام الماضي من إدلب، وأطاحت في نهايتها في الثامن من شهر كانون الأول بالنظام السابق، للقيام بزيارة استعراضية إلى مدينة حلب، التي كانت أولى المدن التي دخلتها قوات «هيئة تحرير الشام» تحت قيادته، لتتبعها حماة وحمص ودمشق. الزيارة التي جاءت بعد بضع ساعات من جولة استعراضية أيضاً على متن مروحية حلّقت في دمشق، بالتزامن مع مراسم إعلان وزارة الداخلية عن «الهوّية الجديدة لمركباتها»، لم تحمل في مضمونها أيّ جديد بالنسبة إلى حلب التي لا تزال تعاني آثار الحرب؛ إذ أفرد الرئيس الانتقالي مساحة وازنة من كلمته التي ألقاها عند مدخل قلعة حلب للحديث عن المعركة التي خاضتها قواته فحسب، وعن الدمار الذي لحق بالمدينة، مطلقاً وعداً متجدّداً بـ«إعادة إعمارها». وقال الشرع، إنّ «الطريق لا يزال طويلاً»، مضيفاً أنّ «حلب كانت لنا البوابة لدخول سوريا بأكملها (…) فاليوم ليس مجرّد احتفال بحلب فحسب، بل عنوان لتاريخ جديد يُرسم لسوريا بأكملها والمنطقة برمّتها».

وظهر إلى جانب الشرع، وزير داخليّته أنس خطاب، الذي تمّ رفع اسمه واسم الرئيس الانتقالي أخيراً من «قوائم الإرهاب»، وذلك بموجب مشروع قرار أميركي، تمّ تمريره في مجلس الأمن. وبالتزامن، تمّ تداول تسجيل مصوّر يُظهر الشرع عندما دخل حلب العام الماضي، حيث قام بإلقاء كلمة مقتضبة وعد فيها بإقامة «دولة تسامح وعدالة»، وفق تعبيره. وما بين الزيارة الأحدث التي تخلّلها لقاء مع فاعليات تجارية وأهلية، حسبما أعلنت رئاسة الجمهورية، وبين لحظة دخول حلب قبل سنة، حدثت تغييرات وتحوّلات كبيرة في مسيرة الرئيس الانتقالي، أبرزها انفتاحه المطلق على الولايات المتحدة وأوروبا، وتعاونه المتزايد مع روسيا، وانفتاحه على الصين أيضاً. على أنّ تلك التغييرات يصعب التماس تأثير حقيقي لها على الحياة في سوريا، التي تخلّت بشكل نهائي عن نظامها الاقتصادي السابق (حال مخفّفة من الاشتراكية)، وتحوّلت إلى الاقتصاد المفتوح بشكل كامل؛ إذ تمّ رفع الدعم، وخصخصة قطاعات عديدة، وإجراء عملية تصفية لموظّفي القطاع العام، بالتزامن مع محاولة جذب استثمارات، لم ينجح معظمها حتى الآن.

تستمرّ الاضطرابات الأمنية والملفات المستعصية سواء في جنوب البلاد، أو في الشرق، أو في الساحل والوسط

ويترافق ذلك مع استمرار الاضطرابات الأمنية والملفات المستعصية، سواء في جنوب البلاد حيث تعرّض الدروز إلى مجازر في تموز الماضي، قبل أن يعلنوا عن «إدارة ذاتية» تحظى بدعم إسرائيلي، أو في الشرق حيث تتمسّك «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) بإدارتها الذاتية، وتشهد محاولة دمجها بوزارة الدفاع حال تعثّر مستمرة، أو في الساحل والوسط حيث وقعت مجازر بحق العلويين في آذار الماضي، ولا تزال تُسجَّل انتهاكات وعمليات تهجير مستمرة.

وبرغم انفتاح واشنطن على دمشق، لا تزال عقوبات «قيصر» مستمرة على سوريا، وذلك بعد تعثّر رفعها بموجب تشريع في الكونغرس، واضطرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى منح استثناءين منها، مدّة كل واحد منهما ستة أشهر. ويعني الاستثناء هذا، بقاء التعقيدات أمام الاستثمارات قائمة، في ظلّ عدم موثوقية الموقف الأميركي الذي قد يعود إلى فرض العقوبات مرة أخرى. وإلى جانب ما تقدّم، ثمّة تغيير كبير في الجنوب السوري، حيث باتت إسرائيل تملك اليد العليا، إثر تدميرها ما تبقّى من قدرات للجيش السوري، وقضمها مناطق واسعة عند الشريط العازل – بينها قمة جبل الشيخ الاستراتيجية ومنابع المياه العذبة -، فضلاً عن تنفيذها بشكل يومي عمليات عسكرية وأمنية يصل بعضها إلى تخوم العاصمة دمشق، كما حصل أخيراً في قرية بيت جن (راح ضحية القصف الإسرائيلي 13 شهيداً، وعشرات المصابين، بالإضافة إلى تدمير عدد من المنازل).

وفي ظلّ هذه الأوضاع غير المبشّرة، جاء الشرع، الذي كان يقود معركة «ردع العدوان» العام الماضي، تحت اسم «أبو محمد الجولاني»، إلى حلب، حيث بدأ سقوط النظام. وجاء ذلك بعدما دعا إلى خروج تظاهرات لمؤيّديه للاحتفال بذكرى العملية، التي انتهت معها حقبة الرئيس السابق بشار الأسد؛ تماماً كما انتهت وزارة الدفاع وجيشها، لتحلّ محلّها وزارة جديدة تضمّ فصائل بعضها متشدّد، ومقاتلين أجانب أيضاً. غير أنّ سوريا الجديدة التي يريد الشرع بناءها لا تزال معالمها ضبابية، خصوصاً في ظلّ استمرار الحقن الطائفي والعرقي الذي يستهدف الأقلّيات، والذي ظهر نموذج منه في أثناء تظاهرات دعا إليها الشرع حديثاً، وشهدت توجيه شتائم بحق الأكراد والعلويين والدروز. ويكشف هذا المشهد مجدّداً عن مدى الشرخ الذي أصاب مجتمعاً لا يزال يعاني تحت وطأة الفقر والآثار المتراكمة لعقد ونصف عقد، من حرب لا يبدو أنها انتهت فعلياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى