اخبار محليةالرئيسية

هذا ما حمله لاريجاني إلى بيروت

جوزف القصيفي - نقيب محرري الصحافة

كانت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي لاريجاني إلى لبنان، ذات دلالات ومؤشرات مهمّة، لأنّها حملت معها جديداً يختلف عن الزيارة السابقة. صحيحٌ أنّ لاريجاني جاء للمشاركة في الذكرى الأولى لغياب الأمينين العامين السابقين لـ»حزب الله» السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، اللذين إغتالتهما إسرائيل غيلة وغدراً، وكانت مفاوضات وقف إطلاق النار في خواتيمها، وكان لهذه العملية غير المسبوقة وقع وارتدادات تجاوزت حدود لبنان إلى الإقليم، نظراً للدور البارز الذي كان يضطلع به السيد نصرالله في محور الممانعة. لكن جعبته كانت ملأى بالمعطيات والأجواء التي تؤشر إلى مرحلة قد تكون مختلفة عن هذه المرحلة التي يغشوها الضباب، وتتقلّب على صفيح الترقّب الحذر.

وكان واضحاً، من حيث الشكل، غياب التشنج الذي طبع زيارة لاريجاني الأولى، كما التجهم والتوتر. وإنّ الصور المتداولة عن لقاء المسؤول الإيراني مع رئيس الحكومة نواف سلام، توحي هذا الأمر جيداً.

وتؤكّد المعلومات المتقاطعة، أنّ لاريجاني تحدث مع المسؤولين اللبنانيين وقيادة «حزب الله» عن ملفين:

1- ملف العلاقات الإيرانية ـ السعودية.

2- ملف السعودية – «حزب الله».

وتشير المعلومات، إنّ الضربة الإسرائيلية على قطر أحدثت ما هو أكبر من «قبطة» لدى الدول العربية والإسلامية، وخصوصاً دول الخليج، بل أفرزت خوفاً مشروعاً مما هو أفدح مستقبلاً، إذا لم يقم تعاون وثيق بين هذه الدول لتوجيه رسالة إلى الدولة العبرية، مفادها بأنّ ما أقدمت عليه يُعتبر تهديداً مشتركاً لها جميعاً، ولا يمكن القبول باستفراد الدول وضربها وابتزازها وفرض الشروط عليها. وإنّ الرياض كانت الأكثر غضباً واعتراضاً على ما حصل، واعتبرت أنّ لا شيء يمنع إسرائيل من الاعتداء عليها وعلى دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي إذا قرّرت ذلك، بعدما تبين أنّ الوعد الأميركي بالدفاع عنها، أو على الأقل بردع بنيامين نتنياهو عن أي مغامرة من هذا القبيل، هو وهم وهباء، لأنّ واشنطن لا يعنيها من هذه المنطقة الّا المصالح الاستراتيجية لتل أبيب. إنطلاقاً من هذه الأجواء المشوبة بالحذر والقلق وعدم الثقة بتعهدات واشنطن، كان الحراك الكبير في قمة الدوحة وعلى هامشها وبعدها الذي شاركت فيه إيران بفاعلية، والتي شهدت كسراً للجليد بين طهران والرياض. مع الإشارة إلى أنّ قطر استضافت قيادات «حماس» بموافقة الإدارة الأميركية، لا بل بطلب منها، حتى الوساطة التي كانت تقوم بها بين الحركة وإسرائيل، إنما تمّت تحت السقف الذي تولّت هذه الإدارة وضعه. مما يعني أنّ استمرار المراهنة على حصانة أميركية ليس في محله، ويجب اعتماد سبيل آخر لدرء اي خطر محتمل. وكانت زيارة لاريجاني إلى السعودية واجتماعه مع ولي عهدها الامير محمد بن سلمان محطة مهمّة في سياق هذا الحراك الكبير، حيث لمس من الرياض استعداداً جاداً للتعاون.

وتضيف المعلومات، أنّ لاريجاني رأى أنّ من المفيد نقل هذه الأجواء إلى المسؤولين اللبنانيين، والقوى الحليفة لإيران وفي مقدّمها «حزب الله»، وارتأى أن يضطلع بذلك لدى مجيئه إلى بيروت للمشاركة في الذكرى. وهو قال لمن التقاهم أنّ هناك تحسناً في العلاقات الإيرانية ـ السعودية ينعكس ايجاباً على لبنان. ولم يتحدث عن طبيعة ما اتُفق عليه بين الجانبين، لكنه لمّح إلى وجود أجواء تتّجه إلى تعاون إقليمي في مواجهة إسرائيل.

وفي المعلومات، أنّ إيران وفي ضوء تواصلها مع السعودية، طلبت من «حزب الله» الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع المملكة، تبدأ من وقف الحملات الإعلامية من جانبه التي كانت تطاولها، ووقف أي سجال وإعطاء إشارات إيجابية تعلن الرغبة في العبور إلى مرحلة جديدة من العلاقة تقوم على التعاون. وبالفعل، فإنّ الحزب تجاوب، وكان تصريح أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بالدعوة إلى فتح صفحة جديدة من الحوار والتفاهم مع الرياض، مؤشراً إلى مناخ جديد بدأ يأخذ مكانه تدريجاً في المشهد السياسي اللبناني. وحتى الساعة – ووفق المعطيات- لا حوار مباشراً بين الحزب والسعودية، والحوار يجري عبر قنوات أخرى بتشجيع من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومواكبة من السفارة الإيرانية، وإنّ الأمور تنحو في اتجاه تأمين أرضية ملائمة تساعد في إنطلاق الحوار المباشر بين الحزب والرياض. واستبعد لاريجاني أمام من التقاهم إجتياحاً إسرائيلياً للبنان، لكن الاعتداءات على النحو المعتاد يومياً قد تستمر، وهو أكّد وقوف بلاده إلى جانب لبنان، وأنّه واثق من قدرات «حزب الله» وقوته، وإذا تعرّض الأخير لعملية إسرائيلية واسعة بغرض استئصاله، فإنّ إيران لن تقف مكتوفة.

إنّ الحراك الاخير في الدوحة داخل قمتها وعلى هامشها، وما سبقها وتلاها، والتناغم الايراني ـ السعودي، هو رسالة قوية لواشنطن وتل ابيب. والسؤال المطروح: هل ستدع الولايات المتحدة لهذا الحراك أن يأخذ مداه، أو ستكون له بالمرصاد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى